قالت وكالة الأنباء الفرنسية إن شبح الفقر يقترب من أفراد الطبقة المتوسطة بمصر، في ظل الأزمة الاقتصادية المتواصلة وسط خفض قيمة العملة والتضخم المتزايد، مما يدفع أفراد تلك الطبقة إلى تغيير نمط عيشهم بصورة جذرية.
وتخطى سعر صرف الدولار 32 جنيهًا مصريًّا لأول مرة في تاريخ البلاد، قبل أن يتراجع إلى حدود 29.55 جنيهًا للدولار في البنوك الرسمية، إثر إعلان صندوق النقد تعهدات القاهرة بالتحول الدائم إلى نظام سعر الصرف المرن ورفع أسعار الوقود.
ونقلت الوكالة في تقرير لها عن منار، وهي أم لطفلين، عما سيكون مستقبل عائلتها في بلد يقوم بإصلاحات اقتصادية مؤلمة استجابة لمطالب صندوق النقد الدولي، قائلة “نحن كمن هبطت به الأرض فجأة وأصبح مضطرًا للتنازل عن كل شيء”، مشيرة إلى أنها قررت إلغاء أي عطلات خارج البلاد لضبط مصروف العائلة.
وتصيف منار (38 عامًا) التي رفضت الإفصاح عن اسم عائلتها “كنا نعيش حياة ليست مرفهة لكن مكتفية. الآن كل ما أفكر فيه هو سعر الخبز والبيض”.
ومع فقدان الجنيه المصري نصف قيمته مقابل الدولار منذ مارس/آذار الماضي، ارتفع التضخم في مصر التي تستورد غالبية احتياجاتها من الخارج إلى 24.4%، وزادت أسعار السلع الغذائية بنسبة 37.9%، وفق الأرقام الرسمية.
ولكن أستاذ الاقتصاد بجامعة جون هوبكنز في ميريلاند ستيف هانك، المتخصص في التضخم البالغ الارتفاع، يقول إن نسبة التضخم الحقيقية السنوية “تصل إلى 88%”.
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، تحدّث مصريون عن تأثرهم بارتفاع الأسعار الذي جعلهم يهبطون إلى طبقة اجتماعية أدنى.
كما نقل بعضهم مشاهداته عن مواطنين لم يكونوا يستخدمون المواصلات العامة، إلا أنهم اضطروا إلى ذلك بعد تأثرهم بالأزمة الاقتصادية.
الاحتياجات الأساسية فقط
وكما حدث عام 2016 عندما خُفّض سعر العملة المصرية فتضاعف سعر صرف الدولار أمام الجنيه، يدفع الثمن الفقراء وأفراد الطبقة المتوسطة.
ويعيش ثلث سكان مصر -البالغ تعدادهم 104 ملايين- تحت خط الفقر، وفق البنك الدولي، بينما ثلث آخر “معرّضون لأن يصبحوا فقراء”.
وتقول سلمى (41 عامًا)، وهي مترجمة طلبت عدم الإفصاح عن اسمها الحقيقي، إن الالتزام بشراء الاحتياجات الأساسية فقط، كما تدعو لذلك حملات على مواقع التواصل الاجتماعي، ليس كافيًا للاستمرار.
وتضيف لوكالة فرانس برس “خسر راتب زوجي 40% من قيمته خلال 6 أشهر”، كما أن التنازل عن بعض السلع لا يؤدي إلا إلى توفير القليل، في حين أن ما يقلقها هو قسط المنزل والسيارة وتكاليف مدرسة ابنها البالغ 6 أعوام.
جمهور مختلف
ويقول أحمد هشام، المسؤول في مؤسسة أبواب الخير الأهلية التي تساعد العديد من الأسر، إن جمهورًا مختلفًا بات يطرق أبواب المؤسسة.
ويضيف “كثيرون كانت لديهم مدخرات يحتفظون بها من أجل أولادهم أو للمستقبل، يلجؤون إليها اليوم من أجل تغطية مصاريف صحية أو احتياجات يومية”، موضحًا أن “غالبية هؤلاء يعملون في القطاع الخاص ويكسبون ما بين 4 إلى 6 آلاف جنيه شهريًّا (133 إلى 200 دولار)”.
ويتابع “بعض من يأتون لم يعرفوا هذا من قبل وكانوا يستطيعون تغطية احتياجاتهم بأنفسهم، ولأنها المرة الأولى التي يواجهون فيها هذا الموقف، يكون الأمر صعبًا عليهم، ويكادون لا يصدّقون أنهم يحصلون على مساعدة من مؤسسة خيرية”.
وينقل هشام عن أحد الذين لجؤوا إلى المؤسسة قوله إنه كان يتعيّن عليه الاختيار بين أن يشتري الطعام لأبنائه أو أن يسدّد لهم مصاريف المدارس.
ولا تقتصر الصعوبات على العائلات، بل امتدت الى جمعيات ومؤسسات أهلية زادت مصروفاتها، في حين قلّت التبرعات.
لا مخرج آخر
وسط التفاوت الكبير في الدخول ومستويات المعيشة في مصر، يصعب تحديد الطبقة المتوسطة، وفق الباحثة في الجامعة الأمريكية بالقاهرة هدى عبد العاطي التي تقول “المشكلة أن هؤلاء الذين لم يكونوا قريبين من خط الفقر يمكن أن يقتربوا أكثر وأكثر منه بسبب التصاعد الكبير في التضخم”.
ووفق أحدث دراسة نُشرت عام 2020، يبلغ متوسط الأجور في مصر 69 ألف جنيه سنويًّا (نحو 2300 دولار)، أي أعلى قليلًا من خط الفقر الذي حدده البنك الدولي بـ3.8 دولارات يوميًّا.
وتُتابع هدى عبد العاطي “الذين يحصلون على هذا الدخل لم يعودوا قادرين على تأمين حاجات المعيشة الأساسية، ولكن لا تنطبق عليهم شروط الحصول على المساعدات الاجتماعية التي تمنحها الحكومة”.
وتؤكد المترجمة سلمى أنه بالنسبة للحاصلين على شهادات جامعية “ليس هناك حل سوى الحصول على عمل في الخارج”، بينما تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي عروض للعمل في دول الخليج والنصائح المتعلقة بوسائل معادلة الشهادات المصرية في أوربا.
ويوجد ملايين من المصريين في الخارج يحوّلون نحو 30 مليار دولار إلى البلاد كل عام، وتشكّل هذه التحويلات مصدرًا أساسيًّا للنقد الأجنبي في مصر.