من التطبيل ما قتل
أراد القائمون على إحدى الصفحات المؤيدة للنظام في مصر نشر تصميمٍ يعبّر عن ولائهم وإخلاصهم، فنشروا صورة لسفينة تمثل الوطن، وكتبوا تحتها “لن تغرق سفينة أنت قائدها”. لكن المفارقة أن صورة السفينة التي وضعوها في التصميم كانت للسفينة تايتانيك!
محاولة أخرى للتطبيل قام بها أحد المؤيدين المتحمسين، عندما نشر صورة تجمع ثلاثة مسؤولين مصريين، وكتب واصفاً إياهم بأنهم “مثلث برمودا المصري”!، وهو المكان الذي قيل إنه شهد عدة حوادث لغرق سفن وسقوط طائرات لأسباب غامضة. وبغض النظر عن حقيقة الادّعاءات بشأن برمودا، إلا أن التشبيه وحده يبعث على السخرية، بسبب السُّمعة السيئة التي اكتسبها هذا المثلث.
تصرّفات عديدة أخرى من هذا القبيل قام بها بعض الذائبين عشقاً في السلطة في مصر، لكنها أحدثت تأثيراً عكسياً وارتدّت عليهم بموجات من السخرية على فشلهم الذريع في التطبيل. جديد تلك المساخر أخيراً ما صرح به مصطفى بكري، عندما نفى أن يكون سعر الطائرة الرئاسية الجديدة التي اشترتها مصر نصف مليار دولار، وفقاً لما وثقته تقارير صحافية عديدة. لكن بكري في معرض تبريره أكّد أن الطائرة كبّدت خزينة مصر ربع مليار دولار فقط! وكأن هذا الرقم كفيلٌ بتهدئة حالة الغضب التي انتابت المصريين، بعد معرفتهم بشراء الطائرة رغم الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي يعانون منها، ورغم شحّ الدولار وارتفاع سعره، بالإضافة إلى وجود أكثر من 20 طائرة رئاسية لا تزال في حالة جيدة، وبالتالي لا تحتاج مصر أي طائرات جديدة.
أما وزير الأوقاف الذي نجح في البقاء على كرسيه منذ 2013، بسبب تفانيه المطلق في خدمة السلطة والتبرير لها، فقد شطح به خياله إلى تطبيلة ارتدّت عليه، فقد نشر الوزير بياناً في مايو/ أيار الماضي لتأييد المشاركة في الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس عبد الفتاح السيسي. بالطبع، لم يكن أحد يتوقع من الوزير غير التأييد والمباركة لكل ما يقوم به النظام، لكن الوزير وقع في شرّ أعماله، عندما استشهد في بيانه بالآية القرآنية “اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى. فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى”، في إطار حثّ الأحزاب والسياسيين على المشاركة في الحوار الوطني، مضيفاً، في البيان نفسه، عن سيدنا موسى وسيدنا هارون “أمرهما الحق سبحانه وتعالى أن يقابلا طغيان فرعون بالحكمة والموعظة الحسنة، والقول اللين الحسن، وألا يقابلا طغيان جبروته بمثل فعله أو لغته”. بهذه الكلمات، بدا وزير الأوقاف أنه يشبه النظام بفرعون موسى! ولذلك سارع إلى حذف البيان بعد فترة من نشره.
وبعد تغيير محافظ البنك المركزي، طارق عامر، امتدح مذيعون القرار، رغم أنهم كانوا يشيدون بالمحافظ السابق! قائلين إن مصر يجب أن تتخلص من المسؤولين الذين يكتفون بتنفيذ الأوامر فقط! المثير للسخرية هنا أن هذا الكلام يحمل إدانة ضمنية لأعلى هرم السلطة في مصر، لأنه يعني أن المحافظ السابق كان ينفذ أوامرها، وبالتالي، فإنها هي التي تتحمّل مسؤولية أي فشل أو تراجع في الملف الاقتصادي خلال السنوات الماضية.
أما قضية مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني في مصر عام 2016، فقد حفلت بمحاولات التبرير البائسة لتبرئة أجهزة الأمن المصرية من الجريمة، فقد قال ضابط مخابرات سابق، خلال استضافته في برنامج تلفزيوني، إن جثة ريجيني لم تكن لتظهر إذا كان الأمن المصري متورّطاً في الجريمة! والأنكى أن المذيع أثنى على كلامه، وأوضح أن أجهزة الأمن المصرية تخفي جثث ضحاياها، وأن ذلك حدث مرات عدة. بينما ارتبك ضابط شرطة سابق أثناء ظهوره في برنامج آخر، قائلاً إن المشكلة في تلك القضية أنهم لا يستطيعون العثور على كبش فداء لتحميله مسؤولية الجريمة.
ورغم أن ذلك التصريح يبعث على الضحك في الأوقات العادية، فإن الأمر انقلب إلى مأساة، بعد محاولة الشرطة تحميل خمسة مصريين مسؤولية الجريمة وقتلهم. ثم تراجعت الرواية الأمنية عقب اعتراض الجانب الإيطالي على سذاجتها، لتذهب دماء هؤلاء المساكين هدراً. وأخيراً، نشرت صحيفة أخبار اليوم خبراً يزعم أن “وكالات الأنباء الإيطالية” قالت إن مصر عيّنت سفيراً من العيار الثقيل في روما، وذلك في إطار التطبيل المعتاد من الإعلام للنظام. وبغض النظر عن أن الخبر لم يحدد أسماء تلك الوكالات، إلا أنه تضمّن صورة لأحد الأخبار المنشورة في الصحافة الإيطالية، لنجد أنها تحمل صورة ريجيني وفوقها صور لمسؤولين مصريين، بما يعني تحميل الصحيفة مصر مسؤولية الجريمة. وهو ما يصدُق عليه القول الساخر “هدف رائع ولكن في مرمانا”.