زيارة السيسي إلى الدوحة.. دلالات التوقيت وملفات التقارب
بوصول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى الدوحة، في زيارة هي الأولى له منذ توليه الرئاسة، تحل لحظة الحقيقة في العلاقات المصرية القطرية، التي دائما ما شكك بإمكانية حدوثها هواة السياسة، بينما كان يدرك محترفوها أنها آتية لامحالة، وفقا للقواعد السياسية التي يعد أبرزها “أنه لا عداء دائم ولا خصومة مستمرة”.
وقد شهدت هذه العلاقات تطورا إيجابيا ملحوظا منذ أن وقعت الدولتان على اتفاقية العلا في السعودية مطلع عام 2021، وانتهت الخلافات بين مصر والسعودية والإمارات والبحرين من جهة وقطر من جهة أخرى.
من الخصومة إلى ترميم الشراكة
تدهورت العلاقات بين مصر وقطر بشكل حاد في أعقاب إطاحة الرئيس المصري السابق محمد مرسي في يوليو/ تموز 2013. ومع زيادة هجوم الإعلام القطري على النظام الجديد في مصر سحبت القاهرة سفيرها لدى الدوحة في مارس/ آذار من عام 2014، احتجاجا على ما اعتبرته “تدخلا قطريا في الشأن الداخلي المصري”، بعدما انتقدت قطر آنذاك تصنيف السلطات المصرية جماعة الإخوان المسلمين “جماعة إرهابية”.
وفي العام 2015 سحبت قطر سفيرها لدى القاهرة للتشاور بعدما اتهم مندوب مصر لدى الجامعة العربية دولة قطر بدعم الإرهاب.
وصل الخلاف بين قطر ومصر إلى قمته حين قطعت الأخيرة العلاقات الدبلوماسية بشكل كامل منتصف عام 2017. وهو الإجراء نفسه الذي اتخذته الإمارات والسعودية والبحرين. كما أغلقت الأجواء البرية والبحرية والجوية أمام قطر.
وقدمت الدول الأربع إلى قطر 13 مطلبا شروطا لإنهاء الحصار. وشملت المطالب إغلاق قناة الجزيرة وغيرها من المنافذ الإخبارية التي تمولها قطر، وخفض العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وإغلاق قاعدة عسكرية تركية في قطر، وإنهاء “التدخل” في شؤون الدول الأخرى.
اقرأ أيضًا: اثنان أفضل من واحد.. عن دور مصر وقطر في غزة
ورفضت قطر وقالت إنها لن توافق على “التنازل” عن سيادتها وإن “الحصار” من قبل جيرانها ينتهك القانون الدولي.
وبعد وساطات، كان أبرزها من دولة الكويت، انعقدت في محافظة العلا بالسعودية، في 2021 أعمال القمة الخليجية الحادية والأربعين بحضور أمير قطر، الذي استقبله ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بعناق حار، وشارك عن الجانب المصري وزير الخارجية سامح شكري، لتطوي قمة العلا خلافات الماضي وتنهي المقاطعة.
منذ توقيع اتفاق العلا، التقى الرئيس السيسي، والشيخ تميم بن حمد في مناسبات عدة خارج حدود بلديهما، وعقدا مباحثات ثنائية على هامش فعاليات ومؤتمرات دولية. كما تبادلا توجيه دعوات الزيارة، التي بدأت بوصول أمير قطر إلى القاهرة، في يونيو/ حزيران الماضي.
وحسب بيان رئاسي مصري، في يونيو/ حزيران الماضي، فإن قمة القاهرة بين الرئيس المصري وأمير قطر جسدت “ما تشهده العلاقات المصرية القطرية من تقدم، ورسخت لمسار تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين خلال الفترة المقبلة في مختلف المجالات. ذلك في إطار مصلحة البلدين والشعبين الشقيقين، وفي ظل النيات الصادقة المتبادلة بين الجانبين”.
دوافع التقارب والتحرك المشترك
لا شك أن تطوير العلاقات بين مصر وقطر تأتي مدفوعة بمجموعة من الدوافع منها ما هو اقتصادي واستثماري، ومنها ما هو سياسي. خاصة في ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها الإقليم، والتداعيات الخاصة بالأزمات الدولية التي خيمت بظلالها على دول المنطقة كافة.
تلك الدوافع حتما تحتاج إلى مزيد من المشاورات والتنسيق على المستويات العليا في البلدين، قبل الشروع في تنفيذها، وإنهاء الكثير من النقاط العالقة.
دوافع اقتصادية
تأتي زيارة الرئيس االمصر، والتطورات التي تشهدها العلاقات بين الدوحة والقاهرة، في وقت أعلنت فيه الحكومة المصرية عن سياسات جديدة. خاصة بجذب الاستثمارات الأجنبية وإشراك القطاع الخاص والاستعداد لطرح شركات مملوكة للحكومة في البورصة، وسط رغبة من الصناديق السيادية الخليجية، للاستثمار في الأصول المصرية.
وفي وقت سابق، كشف مصدر مطلع على العلاقات بين البلدين أن هناك توافقات تم تأكيدها خلال زيارة الأمير القطري للقاهرة في يونيو الماضي، بشأن استثمارات لبلاده تصل قيمتها إلى نحو 12 مليار دولار تعتزم الدوحة ضخها في السوق المصرية خلال السنوات الثلاثة المقبلة.
ووفقا للمصدر فإن هناك اهتماما قطريا بقطاعي الطاقة والنقل البحري والمواني في مصر. حيث تعتزم الدوحة توجيه جانب كبير من استثماراتها المرتقبة في قطاع المواني المصرية تحديدا.
ومنذ أغسطس/ آب الماضي بدأت تتضح خطط صندوق قطر الاستثماري تجاه السوق المصري، ففي منتصف الشهر الماضي كشفت تقاريرعن مفاوضات متقدمة بين الصندوق، وصندوق مصر السيادى بشأن الاستحواذ على حصص من شركات مصرية تتركز فى التكنولوجيا المالية والطاقة المتجددة.
وكشفت التقارير أن صندوق قطر للاستثمار يدرس شراء حصص فى 3 أو4 شركات من بينها “إى فاينانس”، و”فوري”.
وتبع ذلك الكشف عن اهتمام جهاز قطر للاستثمار (الصندوق السيادى القطري) بشراء حصة تصل الى %25 من أسهم شركة “إيسترن كومبانى -الشرقية للدخان”،إضافة إلى رغبة فى الاستحواذ على حصة تدور بين 15 و%20 فى شركة مصر لإنتاج الأسمدة – موبكو.
وفي الوقت ذاته يستعد جهاز قطر للاستثمار، للاستحواذ على حصة تتراوح من 25 إلى %45 من شركة فودافون مصر، المملوكة لشركة المصرية للاتصالات.
تقارب المواقف بشأن قضايا الإقليم
تشير التحولات التي تشهدها المنطقة فيما يتعلق بخارطة التحالفات الإقليمية، إلى إمكانية تقارب وتنسيق مصري قطري على مستوى أوسع في ظل ما تشهده العلاقات بينهما، في مقابل تزايد مساحات التباين بين القاهرة وأبوظبي.
فرص توسع مساحات التنسيق المصري القطري خلال الفترة المقبلة، تكمن في تجاوز الإمارات لمبادرة السلام العربية وتطبيعها بشكل مجاني مع إسرائيل بحثا عن مصالحها الخاصة.
ما يزيد من فرص هذا التقارب هو الموقف بشأن القضايا الإقليمية الرئيسية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وقطاع غزة، حيث من الممكن أن تمثل نقطة التقاء جوهرية بين البلدين، ويمكنها أن تشكل قناةً تواصلية أخرى، عكس الإمارات التي تتبنى نهجا مختلفاً ولديها رغبة في تعميق العلاقات مع إسرائيل بعد تطبيعها بشكل رسمي.
كما يمكن لمصر وقطر، التعاون بشكل أفضل لحل الأزمة الليبية. خاصة بعدما صارت القاهرة وأبو ظبي على طرفي نقيض في ليبيا، فمصر بما تملكه من ثقل جيوسياسي، في حاجة إلى قوة تمويلية تحفز الرؤى الخاصة بحل الأزمة بما يحفظ ويتوائم مع المصالح العربية.
أما على صعيد الرؤى المتعلقة بالأزمة السودانية التي تمثل امتدادا طبيعيا للأمن القومي المصري والعربي، فلا تبتعد الرؤى المصرية القطرية كثيرا، حيث يتفق البلدين على دعم المؤسسة العسكرية، فيما فضلت أبوظبي على سبيل المثال دعم قائد قوات الدعم السريع حمدان دقلو الشهيربحميدتي.
دلالات التوقيت والبيئة المحيطة
في هذا الإطار يرى الباحث في الشأن العربي، أسامة الرشيدي، أن الزيارة مرتبطة ارتباطا وثيقا بالظروف الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها مصر. لاسيما مع الصفقات التي أبرمتها مصر مع الصناديق السيادية في السعودية والإمارات لبيع حصص حكومية في بعض الشركات لها، ودعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي الأشقاء العرب إلى تحويل ودائعهم لدى البنك المركزي المصري إلى استثمارات.
وحول طبيعة التقارب المصري القطري، وصلابة العلاقة الجديدة، يرى الرشيدي أن الأمر في البداية كان عبارة عن جس نبض، لكن يبدو أن قيادة البلدين لمستا رغبة متبادلة في ترميم العلاقات وتجاوز شوائب الماضي، وهو ما تحدث عنه وزير الخارجية المصري سامح شكري قبل أكثر من عام، عندما أشار إلى وجود إرادة سياسية مشتركة لاستئناف علاقات طبيعية.
اقرأ أيضًا: الخليج في أسبوع| اتفاق العلا يلم الشمل.. وأزمة بين الكويت والإمارات بسبب صحيفة “العرب”.. وسلطنة عمان تبدأ مرحلة جديدة من ترشيد الرواتب
كما أن التحسن في العلاقات من وجهة نظر الباحث في الشأن العربي، لم يكن مفاجئا أو سريعا، بل استغرق شهورا انعقدت خلالها اجتماعات للجنة المتابعة المصرية القطرية لحل المشكلات العالقة ومعالجة التفاصيل الدقيقة، ولذلك يمكن القول إن تحسن العلاقات هذه المرة يقف على أساس أكثر متانة من التحسن العابر الذي حدث نهاية عام 2014.
ويلفت الرشيدي النظر إلى عوامل إقليمية ودولية تفرض استمرار التحسن في العلاقات، في مقدمتها ،الأزمات الاقتصادية التي تعصف بالعالم والتي ربما تستغرق سنوات، وهو ما يفرض على القاهرة التحرك لتحسين علاقاتها. كما أن هناك رغبة لدى دول المنطقة في تحسين علاقاتها البينية، مثلما رأيناه في العلاقات بين تركيا والسعودية، وبين تركيا والإمارات كذلك. فهناك بيئة إقليمية تشجع هذه السياسة.
وفيما يخص التوسع في التنسيق بين البلدين ليشمل قضايا المنطقة، يرى الرشيدي، أن هناك دلالات ومؤشرات تقود إلى ذلك ، منها الزيارة اللافتة لرئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح -الذي يحظى بدعم مصر- للدوحة مؤخرا، رغم أنه اتهم قطر مرارا بدعم منافسيه داخل ليبيا واتهامات أخرى تتعلق بتمويل الإرهاب، والأمر الذي قد يحمل مؤشرا من وجهة نظر الرشيدي على تقارب في موقف مصر وقطر تجاه الملف الليبي.
تحييد ملف الإخوان وتسريع وتيرة العلاقات مع تركيا
وحول ما إذا كان ملف جماعة الإخوان لايزال حاضر في المباحثات بين البلدين وإمكانية تأثيره على العلاقات، يرى الرشيدي أن هناك نوعا من الفصل بين ملف الإخوان وباقي الملفات الأخرى في العلاقات بين مصر وقطر، وهو ما رأيناه كذلك عند الحديث عن العلاقات المصرية التركية. فهذا الملف أصبح هامشيا وغير مؤثر، كما أن الأزمة الاقتصادية الأخيرة ساهمت في تحييد هذا الملف، على الأقل من جانب القاهرة التي كانت تطالب بتسليم مطلوبين من الإخوان مقيمين في الدوحة وإسطنبول، وهو ما ساهم في تحريك المياه الراكدة.
وبشأن إمكانية لعب دور الوسيط لتحسين العلاقات المصرية التركية بحكم علاقاتها مع أنقرة، يرى الرشيد أن الدوحة على مدار العقود الماضية لعبت أدوارا بارزة في الوساطة بين العديد من الأطراف على المستويين الإقليمي والدولي، وهو ما يؤهلها للعب دور الوساطة التي يمكن أن تساهم في تطوير العلاقات المصرية التركية التي شهدت جمودا خلال الأشهر الماضية.