الجزيرة مباشر

الدولة أم الدراما أم الخطاب الديني.. من يتحمل مسؤولية جريمة قتل فتاة المنصورة؟

تكررت في الأردن، الخميس، جريمة مقتل طالبة جامعية، بعدما لقيت الطالبة إيمان إرشيد مصرعها برصاص أطلقه عليها شخص تكثف السلطات الأردنية البحث للقبض عليه.

وأعاد هذا المشهد جريمة تعرض الطالبة بجامعة المنصورة في مصر نيرة أشرف للذبح على يد زميلها بسبب رفضها الزواج به، خاصة مع تشابه التفاصيل المتعلقة بالحادثين. كما تداول مستخدمون على مواقع التواصل نص رسالة قالوا إن قاتل الطالبة الأردنية أرسلها لها، يتوعدها فيها بأنه سيفعل بها مثلما فعل “المصري”، في إشارة لقاتل طالبة المنصورة، وهو ما أثار مخاوف من أن يتخذ بعضهم من الجاني مثالًا ويحذون حذوه.

لهذه الأسباب لا يزال الجدل دائرًا في مصر حول الأسباب التي يمكن أن تكون قد أدت إلى الجريمة، وقد تنوعت الاتهامات الموجهة إلى أطراف عدة بشأن تحمل المسؤولية.

الدراما

وجّه بعضهم أصابع الاتهام للأفلام والمسلسلات التي عرضت خلال السنوات الأخيرة، معتبرين أنها تحتفي بمظاهر البلطجة وتصور مرتكبيها بطريقة تجعلهم يحظون بالإعجاب لدى الجمهور، وبالتالي تحولوا إلى “قدوة” لدى أولئك.

وتركزت الاتهامات على أفلام محددة، خاصة أفلام الممثل محمد رمضان ومسلسلاته التي تدور أحداثها عادة داخل المناطق الشعبية، ويلعب فيها رمضان دور الشاب القوي المحبوب والخفيف الظل أيضًا، والذي ينتصر دائمًا على أعدائه.

وأشار آخرون إلى فيلم “ولاد رزق” بجزءيه، وخاصة مشهد تهديد الممثل أحمد عز لقاطني الحارة التي تسكنها الفتاة التي يرغب في الزواج بها، بأنه لن يسمح لأحدهم بأن يقترب منها لأنها لن تتزوج إلا منه، وفي مشهد آخر هدد عز زوجته في الفيلم بأنه سيضربها ويضرب والدتها إذا فكرت في طلب الطلاق منه.

الخطاب الديني

تعرض عدد من الدعاة للهجوم بعد حادث فتاة المنصورة، خاصة الأستاذ بجامعة الأزهر مبروك عطية، بعد تصريحه الذي فُهم منه أنه يبرر ذبح الفتاة، وأنه يرجع سبب الجريمة إلى ملابس الضحية التي كانت ترتديها.

واستدعت تلك التصريحات ردًا من دار الإفتاء التي قالت إن “ربط ترك الحجاب بالتحرش وقتل الفتيات هو حديث فتنة”.

الحديث عن ملابس الضحية كان مثار جدل في بعض صفحات مواقع التواصل، بينما اعتبر آخرون الحديث في تلك القضية تغييبا للقضية الأصلية، وهي أن الجاني قتل نيرة لأنها رفضت الارتباط به، وليس بسبب ملابسها. وجاءت حادثة مقتل الطالبة الأردنية لتعطي دفعة قوية لتلك الآراء التي أشارت إلى أن الضحية إيمان إرشيد كانت محجبة، لكن ذلك لم يمنع تعرضها للقتل.

 

كما أكد مركز الأزهر العالمي للفتوى في بيان أن “الخوض في أعراض المسلمين -سيما من أسلم روحه لبارئه سبحانه- سلوك مُحرَّم، وإيذاء مذموم للأحياء والأموات، ذمّ الله صاحبه في القرآن الكريم”. وأوضح أن “الانتقاص من أخلاق المُحجَّبة أو غير المُحجَّبة؛ أمرٌ يُحرِّمه الدِّين، ويرفضه أصحاب الفِطرة السَّليمة، واتخاذه ذريعة للاعتداء عليها جريمة كبرى ومُنكرة”.

كذلك تبرأت جامعة الأزهر التي يعمل بها مبروك عطية أستاذًا للشريعة من تصريحاته، مؤكدة أنها لا تعبر إلا عن رأي صاحبها، داعية إلى “عدم الخلط بين رأي المؤسسة الأزهرية والذي تمثله هيئاتها العلمية والفقهية المعتبرة، وهي هيئة كبار العلماء، ومجمع البحوث الإسلامية، وجامعة الأزهر، ومركز الأزهر العالمي للفتوى والرصد الإلكتروني، وبين تلك الآراء التي تصدر من البعض، والتي لا تعبر إلا عن وجهة نظر صاحبها”.

وأدت ردود الفعل تلك إلى إعلان مبروك عطية أنه سيغيب عن الإدلاء بأي تصريحات لفترة، وذلك في مقطع فيديو على صفحته في فيسبوك بعنوان “لهذا وجبت الإجازة وقد أعود أو لا أعود”، قائلًا إن حديثه “أسيء فهمه” وإنه اقتطع من سياقه.

الدولة

على الجانب الآخر، أكد نشطاء أن الدولة تتحمل المسؤولية الأكبر، مشيرين إلى أن أسرة الضحية سبق أن حررت للجاني محضرًا بعدم التعرض لابنتهم بعدما طاردها لسنوات، كما أبلغت الأسرة أجهزة الأمن عن التهديدات التي يتعرضون لها من الجاني، ومع ذلك لم تفعل الأجهزة الأمنية شيئًا. كما أن الجريمة وقعت أمام مدخل الجامعة، ومع ذلك لم يتدخل أمن الجامعة إلا بعد مقتل الفتاة.

 

كما حمّل آخرون الدولة المسؤولية بسبب ما اعتبروه عنفًا متصاعدًا منها تجاه معارضيها على مدار السنوات الماضية، وإهدارها لقيم العدالة وعدم تطبيق القانون، ولذلك قررت فئات من المصريين أن تحصل على ما تراه حقًا لها بأيديها.

 

ووصل الأمر إلى درجة اتهام بعض النشطاء لمبروك عطية بأنه تعمد الحديث بشكل مثير للجدل في القضية بهدف إلهاء المصريين عن اتهام الدولة بالتقصير.

غياب القدوة

استكمالًا للحديث عن مسؤولية الدولة، برزت آراء تفيد بأن المجتمع المصري تعرض لعملية تجريف واسعة على مدار السنوات الماضية. وأدى هذا التجريف وفقًا لتلك الآراء إلى تغييب كامل للدراما الجيدة التي تقدم نماذج إيجابية وشخصيات متوازنة تصلح لأن تمثل قدوة للشباب، كما غُيّبت الثقافة الرفيعة والصحافة التي تشتبك مع هموم الجمهور وتناقش مشكلاتهم وتنحاز إليهم ضد السلطة.

وأشارت تلك الآراء كذلك إلى أن وجود التيارات الإسلامية كان ينشر نوعًا من المرجعية الأخلاقية داخل المجتمع، خاصة أن تلك التيارات كانت تعمل في مؤسسات مثل المدارس والجامعات والمساجد والعمل الخيري، ولذلك فإن القمع الذي تعرضت له التيارات الإسلامية بجميع أنواعها وروافدها أدى إلى اختلال صورة المتدينين والدعاة ورجال الدين لدى شرائح شعبية واسعة، وهو ما شجّع على ارتكاب مثل تلك الجرائم.

تم نشر هذا المقال في موقع الجزيرة مباشر

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى