عربي 21

كوميديا غربية في الحرب الأوكرانية

رغم أن الإجراءات والقرارات الغربية تجاه روسيا أصبحت أكثر صرامة مع مرور الوقت، إلا أن هذا ينفي أن تصريحات المسؤولين الغربيين، وكذلك القرارات الأولية التي اتخذوها في الفترة ما بين اعتراف بوتين بانفصال منطقتي دونيستك ولوهانتسك الأوكرانيتين وبدء غزو أوكرانيا، كانت ضعيفة وغريبة لدرجة مثيرة للسخرية.

فقد انقسمت التصريحات الأمريكية والأوروبية في البداية إلى عدة أقسام، يمكن تصنيفها وفقا للمحاور الآتية:

أولا: تصريحات بديهية وصفية لا تقدم أي جديد، وإنما تشرح نفسها بنفسها، مثل:

• تصريح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي قال فيه إن غزو أوكرانيا هو أكبر “استعراض للسلطة” من قبل روسيا منذ نهاية الاتحاد السوفييتي! كما أنه أطلق تصريحا “خطيرا” آخر بعد إعلان بوتين غزو أوكرانيا، قال فيه إن الرئيس الروسي “رفض المسار الدبلوماسي واختار مسار الحرب!”.

• إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن قبل الحرب أن “دخول أي قوات روسية إلى أوكرانيا سيعد غزوا!”.

• تصريح رئيس الوزراء البريطاني بأن ‎”بوتين اختار إراقة الدماء والدمار في ‎أوكرانيا!”.

• بعد إعلان بوتين بدء الغزو، “اتهمه” الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأنه “يرغب في تدمير بلاده”.

• تصريح لوزيرة خارجية بريطانيا ليز تراس قالت فيه إن اعتراف روسيا بالانفصاليين في أوكرانيا “انتهاك صارخ لاتفاقيات مينسك!”، وأنه يؤكد “نهجها للمواجهة”، وكأننا بحاجة إلى من يخبرنا بذلك، وكأن بوتين سينكر مثلا أنه انتهك الاتفاقية، إذ أنه هو من أعلن بنفسه إلغاء الاتفاقية عمليا وإلقائها في سلة المهملات.

• تساؤل بايدن في خطابه الذي أعلن خلاله عن الدفعة الأولى من العقوبات ضد روسيا إذ قال: “من يعتقد نفسه بوتين كي يعلن استقلال الأراضي التي تدخل ضمن سيادة دولة أخرى؟”! مضيفا أنه “ليس هناك شك في أن روسيا هي المعتدي”. ولا بد أن بوتين غرق في الضحك بعد هذين التصريحين.

• تصريح لمسؤولين في وزارة الدفاع الأمريكية، قالوا فيه إن تقديراتهم تشير إلى أن الأوكرانيين يحتاجون إلى مضادات دبابات وطائرات! فأي طفل متابع للأحداث يستطيع معرفة هذا الأمر. كما أن الأوكرانيين أنفسهم طلبوا ذلك مرارا.

ثانيا: تصريحات مستفزة ومضحكة في آن، إذ جاءت من مسؤولين في دول ارتكبت جرائم تماثل، أو ربما تفوق ما تفعله روسيا في أوكرانيا.

• كان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن صاحب النصيب الأوفر من تلك التصريحات، إذ قال ذات مرة إنه “من غير المقبول أن تفرض دولة على أخرى سياساتها أو أن تملي عليها قوانينها”! وفي تصريح آخر، دعا بلينكن العالم إلى “عدم الاعتراف بدول يتم إنشاؤها بالقوة!”، تعليقا على اعتراف روسيا بمنطقتي دونيستك ولوهانتسك جمهوريتين مستقلتين، وهو ما أثار موجة سخرية واسعة، لأن أمريكا نفسها أنشئت بالقوة بعد إبادة السكان الأصليين، كما أن إسرائيل التي تدعمها الولايات المتحدة بكل قوة أنشئت بالقوة بعد اغتصاب الأرض من الشعب الفلسطيني. وإذا نظرنا إلى التاريخ العالمي سنجد أن معظم دول العالم أنشئت عن طريق القوة!

• أما ماكرون فكان له نصيب كذلك، إذ انتقد ما أسماه “المعايير المزدوجة” لدى بوتين! ذلك أن ماكرون هو بطل العالم في الازدواجية والتناقض والنفاق والكذب، سواء في سياسته الخارجية أو الداخلية تجاه المسلمين. وكانت آخر إبداعاته “الازدواجية” تصريحه بأن بلاده ستواصل دعم المدارس المسيحية في الشرق الأوسط، في إطار ما وصفها بـ”الالتزام العلماني” لفرنسا! ذلك أنه من المفترض أن العلمانية لا تدعم أي دين محدد وتترك المساحة أمام كافة الأديان بحرية، كما أن حكومة ماكرون تشن حملة قمع غير مسبوقة تجاه المساجد والمؤسسات الإسلامية في فرنسا.

• أيضا أعرب الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ عن “حزنه” بسبب “المأساة الإنسانية”، و”إيذاء الأبرياء”، جراء الحرب. وبالطبع لا يحتاج التصريح إلى شرح أو تفنيد.

ثالثا: تصريحات يمكن وصفها بأنها “لطمية”، أي أنها تكتفي بالتعبير عن الأسف والحزن والمواساة، وتوجه نداءات عامة وتحذر من وقوع مآسي قادمة، وكأن من يطلقون تلك التصريحات يعملون نشطاء حقوقيين وليسوا سياسيين. مثل:

• تصريح بايدن بأن بلاده “تقف في وجه المتنمرين”، وهو تعبير يستخدم في مجالات أخرى غير السياسة، وقد بدا استخدامه غريبا، إذ كأن بوتين طفل صغير يتنمر على صديقه في المدرسة وليس رئيس دولة يغزو دولة أخرى.

• تصريح آخر لبايدن قال فيه إن بوتين “تسبب في ألم كبير للشعب الأوكراني”، مضيفا أن “الأيام والأسابيع القليلة المقبلة ستكون صعبة” على الأوكرانيين، مؤكدا أنه “يصلي” وزوجته من أجل الشعب الأوكراني!

• أمين عام حلف الناتو: نقف مع شعب أوكرانيا في هذا الوقت العصيب.

• إعراب فرنسا عن إدانتها لما أسمته تدين “ازدراء” روسيا للأمم المتحدة بعد الهجوم على أوكرانيا، وهو تصريح يذكرنا بتصريحات جامعة الدول العربية أو أمين عام الأمم المتحدة السابق بان كي مون الذي كان يعرب دائما عن قلقه من أي أحداث مأساوية.

• تحميل ماكرون لبوتين “مسؤولية تاريخية” بإطلاق الحرب في أوكرانيا، وكأن بوتين يكترث للتاريخ أو الجغرافيا أو أي شيء آخر غير القوة.

• نداء وجّهه أمين عام الأمم المتحدة لبوتين طالبه فيها “باسم الإنسانية” بإعادة قواته إلى روسيا.

رابعا: تصريحات من مسؤولين لا علاقة لهم بالموضوع، مثل تصريح وزير الصحة البريطاني ساجد جافيد الذي قال فيه إن سقوط صواريخ روسية على أراضي الناتو أمر غير محتمل ولكنه ليس مستحيلا! فما علاقة وزير الصحة بالأمر؟

خامسا: تحول بعض المسؤولين إلى صحفيين أو مراسلين حربيين، وظيفتهم توصيل معلومات لوسائل الإعلام عن آخر تطورات الحرب ومجريات المعارك بين روسيا وأوكرانيا. وهو تحول كان بطله مسؤولي البنتاغون الذين ملأوا وكالات الأنباء العالمية بالأخبار عن تفاصيل المعارك وقدرات الطرفين العسكرية وخسائرهما.

أما المرحلة الثانية فتمثلت في الإجراءات والعقوبات التي فرضها الغرب على روسيا بعد غزوها لأوكرانيا. ولا جدال في أن تلك العقوبات ربما تكون هي الأقصى ضد أي دولة في العالم، وأنها أثرت بشدة على الاقتصاد الروسي من جوانب عدة. لكن هذا لم يمنع من أن بعض العقوبات المعلنة كانت عبثية ومثيرة للسخرية.

فقد كشفت تقارير استخباراتية أن كبار المسؤولين الأمريكيين قدموا معلومات استخباراتية للصين عن حشد روسيا قواتها على حدود أوكرانيا، لتتدخل وتقنع بوتين بعدم شن الحرب! ومن الطبيعي في ظل الحلف الروسي الصيني أن تبادر بكين لإبلاغ موسكو بذلك، وهو ما يدل على سذاجة أمريكية مفرطة.

أما بعد الحرب، فيمكن تقسيم ذلك النوع من العقوبات إلى قسمين، هما:

أولا: عقوبات وهمية. مثل:

•‏ قرار الحكومة البريطانية تجميد الحسابات المصرفية لبوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف في بريطانيا، رغم أنهما لا يمتلكان حسابات باسميهما في البنوك البريطانية.

• قرار كندا حظر استيراد الغاز الروسي رغم أنها لا تستورد الغاز الروسي من الأساس.

• إحالة قضية الغزو الروسي للمناقشة في مجلس الأمن، رغم أنه من المعروف أن روسيا تمتلك حق النقض لأي قرار يمكن أن ترى أنه لا يحقق مصلحتها، كما أنها ترأس مجلس الأمن حاليا! وبالفعل لم يمر أي قرار جاد من المجلس.

ثانيا: عقوبات غير بشرية!

رغم أن الروس من البشر هم المسؤولون عن غزو أوكرانيا، إلا أن هذا لم يمنع من أن تتوجه بعض العقوبات إلى كل ما له علاقة بروسيا، حتى لو كان من الحيوانات أو الحجر أو أشخاص ماتوا منذ عشرات السنين، مثل:

• قرار المجلس التنفيذي للاتحاد الدولي للقطط حظر تسجيل القطط المستوردة من روسيا.

• طرد عمدة ميونيخ لقائد أوركسترا المدينة الروسي فاليري جيرجيف بسبب دعمه لبوتين.

• إلغاء جامعة ميلانو بيكوكا في إيطاليا سلسلة محاضرات عن الأديب الروسي الراحل دوستويفسكي، قبل أن تعود وتقرر عودة المحاضرات بعد موجة ردود فعل غاضبة.

• إزالة جامعة فلوريدا اسم المفكر كارل ماركس من إحدى قاعات الدراسة، رغم أنه ألماني وليس روسيا! كما أن النظام السياسي الروسي ليس ماركسيا ولا اشتراكيا ولا علاقة له بماركس من قريب أو بعيد.

• تعليق الاتحاد الدولي للجودو رئاسة بوتين الشرفية للاتحاد.

تم نشر هذا المقال في عربي 21

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى