الجزيرة مباشر

دعم المناطق الانفصالية وإنشاء جمهوريات مستقلة.. استراتيجية روسيا المفضلة مع جيرانها

أعلن الجيش الروسي أن عملياته المقبلة في أوكرانيا ستركز على ما سمّاه “تحرير إقليم دونباس” الذي يحتوي على منطقتي دونيتسك ولوهانسك الانفصاليتين.

واعترفت موسكو بهاتين المنطقتين “جمهوريتين مستقلتين” قبل بدء حربها على أوكرانيا في 24 فبراير/شباط الماضي.

وأعلنت منطقة أوسيتيا الجنوبية الانفصالية في جورجيا، السبت، إرسال قوات إلى أوكرانيا لدعم روسيا في معاركها هناك.

ودعمت روسيا انفصال أوسيتيا الجنوبية أيضًا عام 2008، بالإضافة إلى منطقة أخرى هي أبخازيا، وأقامت قواعد عسكرية دائمة فيهما.

وتعيد هذه الأنباء تسليط الضوء على الاستراتيجية التي اتبعتها روسيا في بلدان عدة مجاورة لها، وتتلخص في قضم بعض المناطق ودعم انفصالها، وإعلانها جمهوريات مستقلة غير معترف بها دوليا إلا من جانب موسكو، وربما من بعض الدول الأخرى الحليفة لها، مثل النظام السوري الذي أعلن اعترافه بالمنطقتين الانفصاليتين في جورجيا.

وفي ما يلي استعراض لأبرز تلك المناطق: 

ترانسنيستريا

أعلنت المنطقة الواقعة شمالي مولدوفا “استقلالها” عام 1990 عقب انهيار الاتحاد السوفيتي، بدعم من روسيا، إلا أن مولدوفا تعدّها جزءا من أراضيها.

ومنذ ذلك الوقت، تتمركز قوات روسية في المنطقة لردع أي محاولة من مولدوفا لإعادة ضمها إليها بالقوة، كما منحت روسيا جنسيتها لنحو 150 ألف مواطن في المنطقة. ولم تعترف أي دولة باستقلال المنطقة عدا أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا اللتين أعلنتا بدورهما انفصالهما عن جورجيا بدعم روسي.

ومنذ عام 1993، بدأت مفاوضات بين مولدوفا وترانسنيستريا لمحاولة الوصول إلى حل للأزمة، إلا أن مولدوفا تشهد اضطرابات سياسية وانقسامات بين المؤيدين لروسيا ومناصري الانضمام إلى الاتحاد الأوربي.

وبعد أسبوع من اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا، تقدمت مولدوفا بطلب رسمي للانضمام إلى الاتحاد الأوربي، كما ثارت مخاوف من أن تكون البلاد هي الهدف التالي لروسيا إذا انتصرت على أوكرانيا. وشهد إقليم ترانسنيستريا مظاهرات مؤيدة لأوكرانيا وأخرى مناصرة لروسيا، قبل أن تقرر السلطات منع المظاهرات.

وتوقع المؤرخ والكاتب الأمريكي روبرت كاغان -في مقال نشرته صحيفة واشنطن بوست الشهر الماضي- أن روسيا ستسيطر على مولدوفا إذا استطاعت تشكيل جسر بري من شبه جزيرة القرم إلى مقاطعة ترانسنيستريا.

هذه المخاوف عززها ظهور الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو في مقطع فيديو خلال اجتماع لمجلس الأمن البيلاروسي أوائل الشهر الجاري، متحدثا عن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا. واحتوت الخريطة التي يشرح عليها لوكاشينكو على أسهم باتجاه مولدوفا، وهو ما أدى إلى طلب الأخيرة توضيحات من بيلاروسيا.

أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا

أعلنت منطقة أوسيتيا الجنوبية استقلالها عن جورجيا عام 1990، بينما أعلنت منطقة أبخازيا استقلالها عام 1991. ومنذ ذلك الوقت، اندلعت نزاعات وحروب بين الإقليمين مع الحكومة المركزية في تبليسي، منها معارك أعوام 1991 و1992 و1993، ومعارك عام 2004.

وفي عام 2008، دخلت روسيا حربا خاطفة ضد جورجيا، بعدما هاجمت الأخيرة أوسيتيا الجنوبية لمحاولة إعادة ضمها بالقوة إلى سيادتها. وتمكنت القوات الروسية من السيطرة على المنطقتين وتدمير الجزء الأكبر من سلاح الجيش الجورجي وإجباره على الانسحاب، ووقّعت اتفاقا مع الإقليمين لـ”حماية” حدودهما، وبذلك تكرس انفصالهما عن جورجيا.

بعد ذلك أقامت روسيا قواعد عسكرية تضم الآلاف من الجنود في الإقليمين اللذين أعلنا استقلالهما، لكن لم تعترف بهما إلا روسيا ودول أخرى مثل سوريا وفنزويلا ونيكاراغوا وبعض الدول الصغيرة في المحيط الهادي. وبعد اندلاع الحرب الأخيرة، حذت جورجيا حذو مولدوفا وتقدمت بطلب رسمي للانضمام إلى الاتحاد الأوربي.

دونيتسك ولوهانسك

عُرف نظام الرئيس الأوكراني الأسبق فيكتور يانوكوفيتش بولائه لموسكو، إلا أن مظاهرات حاشدة اندلعت ضده عام 2014، وأجبرته على الفرار إلى روسيا بعد محاولات منه لقمع المظاهرات. وسرعان ما نفذت القوات الروسية عملية خاطفة، نجحت خلالها في السيطرة على شبه جزيرة القرم، وأعلنت ضمها إليها رسميا في مارس/آذار 2014.

وبعد شهر من ذلك الإعلان، بدأت الحركة الانفصالية في منطقتي دونيتسك ولوهانسك شرقي أوكرانيا، اللذين يقعان ضمن إقليم دونباس. وسيطر الانفصاليون بدعم من روسيا على المواقع الحكومية، وأعلنوا من جانب واحد إنشاء “جمهوريتي دونيتسك ولوهانسك الشعبيتين”.

حاول الانفصاليون بعد ذلك السيطرة على كافة المدن الواقعة ضمن حدودهما الإدارية، إلا أن القوات الأوكرانية تمكنت من صدهم وإجبارهم على الانسحاب من عدة مدن، ووقعت أوكرانيا وروسيا وممثلون عن المنطقتين اتفاقية مينسك لوقف الحرب في دونباس، لكن التوتر استمر بين الجانبين، وأدت المعارك إلى مقتل 14 ألف أوكراني، من بينهم 8 آلاف جندي، وفق إحصاءات للأمم المتحدة.

ومنذ 2014 حتى اليوم، نفّذت روسيا إجراءات عديدة لربط المنطقتين الانفصاليتين بها، مثل اعتماد الروبل الروسي وتسهيل حركة التجارة، والاعتراف بجواز السفر الخاص بالجمهوريتين، وتجنيس مئات الآلاف من السكان بالجنسية الروسية.

وفي فبراير/شباط الماضي، أعلن بوتين اعتراف موسكو رسميا بدونيتسك ولوهانسك “جمهوريتين مستقلتين” عن أوكرانيا، وهو ما أدى إلى ردود فعل غاضبة من أوكرانيا والدول الغربية، وفرض عقوبات على روسيا والجمهوريتين الانفصاليتين. إلا أن بوتين سرعان ما أعلن الحرب على أوكرانيا، بحجة حماية سكان دونباس، واتهم كييف بالتخطيط لعملية عسكرية للسيطرة على الإقليم وتنفيذ “إبادة جماعية”.

وقدّمت روسيا لأوكرانيا خلال المفاوضات الجارية بين الجانبين شروطا للتوصل إلى وقف لإطلاق النار، منها الاعتراف بانفصال دونيتسك ولوهانسك، وكذلك الاعتراف بالسيادة الروسية على القرم، وهو ما ترفضه أوكرانيا.

صرب البوسنة

شهدت البوسنة خلال الأشهر الأخيرة توترا سياسيا وسط تحذيرات من احتمال اندلاع الصراع مرة أخرى بين مكونات البلد الذي شهد مذابح تعرّض لها سكان البوسنة من قبل القوات الصربية في تسعينيات القرن العشرين.

بدأت الأزمة منتصف العام الماضي، بعد إقرار قانون يجرم إنكار المجازر التي شهدتها البلاد، ليهدد زعيم صرب البوسنة ميلوراد دوديك بالبدء في اتخاذ إجراءات انفصالية، مثل تشكيل جيش ونظام قضائي خاص بهم.

وفي يناير/كانون الثاني الماضي، احتفل سكان من صرب البوسنة بما يُسمّى “عيد الجمهورية الصربي”، رغم أنه محظور قانونا منذ عام 2015. وكان من اللافت أن السفير الروسي في البوسنة إيغور كالبوخوف كان من بين المشاركين في الاحتفال، إلى جانب مشاركة من الصين وصربيا، وهو ما أدى إلى إرسال وزارة الخارجية البوسنية مذكرة احتجاج إلى الدول الثلاث، كما شهد الحفل مشاركة قوات أمنية خاصة بصرب البوسنة.

وعاد السفير الروسي في سراييفو ليطلق تهديدات بحق البوسنة، متوعدا إياها بمصير أوكرانيا إذا قررت الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو). وقال السفير في تصريحات لقناة تلفزيونية بوسنية “إذا قررت البوسنة والهرسك أن تصبح عضوا في أي اتحاد، فإن لروسيا رد فعل أيضا شبيها بما يحصل في أوكرانيا”، وفق وكالة الأناضول التركية. وهو ما أثار احتجاج العضو البوسني في المجلس الرئاسي للبوسنة والهرسك شفيق دزافيروفيتش. كما أعلن مسؤولون أتراك خلال مناسبات عدة دعمهم القوي لوحدة أراضي البوسنة، وعدم السماح بتكرار الأحداث المأساوية التي مرت بها البلاد.

ناغورنو كاراباخ

رغم العلاقات الوثيقة بين روسيا وكل من أذربيجان وأرمينيا في الوقت الراهن، فإن موسكو دعمت أرمينيا بشكل مباشر خلال حربها مع أذربيجان عام 1992. وبالفعل تمكنت أرمينيا من الاستيلاء على إقليم ناغورنو كاراباخ الأذري، كما نجحت في السيطرة على 5 محافظات أذرية أخرى، ومثّلت تلك المناطق آنذاك 20% من مساحة أذربيجان الكلية. وأعلن إقليم كاراباخ انفصاله من جانب واحد، لكن لم تعترف أي دولة بالإقليم، بما فيها أرمينيا. وأقر الإقليم “دستورا” جديدا عام 2006. وفي عام 2015، دعا رئيس الإقليم روسيا لاستخدام مطار عاصمة الإقليم لأهداف تتصل “بمكافحة الإرهاب”.

ومنذ إعلان الإقليم انفصاله، واصلت روسيا دعم أرمينيا، الراعي الأول والأكبر لكاراباخ، إذ تحصل أرمينيا على السلاح الروسي بأسعار مخفضة جدا، وهي عضو في منظمة الأمن الجماعي التي تقودها موسكو، كما تستضيف قاعدة عسكرية روسية تضم نحو 5 آلاف جندي، بجانب توحيد نظامي الدفاع الجوي في البلدين تحت “قيادة مشتركة” في 2015.

ووقّع البلدان اتفاقية دفاع مشترك تسمح لروسيا بالتدخل إذا تعرضت أرمينيا للغزو. ولذلك كانت أذربيجان حريصة على عدم المساس بالأراضي الأرمينية حتى لا تثير غضب موسكو، وذلك خلال المعارك التي اندلعت عام 2020 وتمكنت خلالها أذربيجان من استعادة السيطرة على معظم المناطق المحتلة، عدا جزء من إقليم كاراباخ انتشرت فيه قوات روسية لحفظ السلام.

والسبت، اتهمت روسيا أذربيجان بانتهاك اتفاقية وقف إطلاق النار التي تم التوصل إليها برعاية روسية، كما اتهمتها بإدخال قوات من جيشها إلى منطقة تقع ضمن مسؤولية قوات حفظ السلام الروسية في كاراباخ، ودعتها إلى سحب قواتها من المنطقة، إلا أن أذربيجان ردت قائلة إنها أحبطت “عملية استفزازية” لقوات أرمينية في الإقليم.

تم نشر هذا المقال في موقع الجزيرة مباشر

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى