العربي الجديدمقالات العربي الجديد

نتائج عكسية للحرب

مع بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، أعلن مسؤولون روس أنهم يهدفون إلى تحقيق هدفين رئيسيين: نزع سلاح الجيش الأوكراني والقضاء على بنيته التحتية، حتى لا يشكل خطراً مستقبلياً، وضمان عدم توسّع حلف الناتو، وإلزام الحلف بالتخلي عن خطته لضم أي دولة مجاورة لروسيا. إلّا أنّ مجريات الحرب، حتى الآن، لا تبشر بخير بالنسبة للروس في ما يتعلق بتحقيق هذين الهدفين.

بالنسبة للهدف الأول، لا تستطيع روسيا ضمان تحقيقه، لأنّ الدول الغربية هبّت لتقديم مساعدات عسكرية كبيرة للقوات الأوكرانية لمساعدتها على التصدّي للغزو، وتعويض ما فقدته خلال المعارك، حتى أنّ دولاً كانت معروفة بالحياد، مثل ألمانيا والنمسا والسويد وسويسرا والنرويج، قدّمت مساعدات عسكرية لكييف، وأغلقت مجالها الجوي أمام الطائرات الروسية، وفرضت عقوبات على موسكو وسحبت استثماراتها من هناك. كما قدّمت الدول الغربية الأخرى مساعدات إنسانية بمليارات الدولارات لأوكرانيا، ومن المتوقع أن تقدّم مليارات أخرى بعد الحرب لإعادة بناء ما دمّر.

أما الهدف الثاني فهو الأكثر فشلاً، فقد أدّى الغزو الروسي إلى هرولة عدة دول لطلب الالتحاق بالكيانات الغربية، إذ تقدّمت أوكرانيا نفسها بطلب للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وسط وعود من دول الاتحاد بتسريع الإجراءات. كما تقدّمت جورجيا بطلبٍ هي الأخرى، وهي دولة سبق أن عانت من الغضب الروسي عام 2008 عندما هزم الجيش الروسي القوات الجورجية، وأجبرها على التراجع عن منطقتي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية. وكذلك الأمر مع مولدافيا التي تكرر فيها سيناريو الجمهوريات الانفصالية بدعم من موسكو في منطقة ترانسنيستريا التي تنتشر فيها قوات روسية.

وبالنسبة لـ”الناتو” نفسه، والذي يهدف الغزو الروسي إلى منع توسّعه، فلا يبدو أنه سيتوقف عن ضم دول جديدة، مع تصاعد تأييد الرأي العام في فنلندا والسويد، المعروفتين بسياستهما المحايدة، للانضمام إلى الحلف، ففي فنلندا، جمعت عريضة تدعو إلى إجراء استفتاء على الانضمام للحلف 50 ألف توقيع في أقل من أسبوع، وأظهرت نتائج استطلاع أنّ نسبة المواطنين المؤيدين للانضمام تضاعفت من 28% إلى 53% خلال أسابيع فقط. وفي السويد، وصلت نسبة التأييد إلى 41%، وسط حديث محللين أنّ الحلف أرسل إشاراتٍ بأنّ دراسة انضمام البلدين يمكن أن تحصل سريعاً، في انتظار القرار السياسي من قيادتي الدولتين اللتين لم تأبها بالتحذير الروسي من رد عسكري على تلك الخطوة إن تمت.

وحتى الدول الأعضاء في حلف الناتو، مثل ألمانيا وبولندا، أدّى الغزو الروسي إلى اتجاهها نحو العسكرة، فوضعت الحكومة الألمانية خطة بقيمة مائة مليار يورو لتحديث قواتها المسلحة، كما عاد النقاش بين السياسيين عن ضرورة إعادة الخدمة العسكرية الإجبارية بعد تعليقها منذ عشر سنوات، لمواجهة التحدّيات الجديدة بعد صدمة الغزو الروسي.

وقد شهد حلف الناتو نفسه تضامناً وتنسيقاً كبيرين، لم يكونا حاضريْن في أزماتٍ سابقة، فقد حشد الحلف قوات تابعة له في عدة دول على الحدود مع روسيا، مثل بولندا ورومانيا ودول البلطيق، وقرّر لأول مرة تعبئة قوة الرد التابعة له، ونشرها في أوروبا الشرقية، رداً على الغزو الروسي.

وشهدت بولندا التي تستقبل مئات الآلاف من اللاجئين الأوكرانيين تزايداً في عدد الرجال والنساء الذين يرغبون في الانضمام إلى الجيش، إذ تقدّم 2200 شخص في الأسبوع الأخير من الشهر الماضي، مقارنة مع متوسّط عدد طلبات شهري يبلغ 400 فقط. كما زاد الإقبال على التطوع في ما يسمى “جيش الدفاع الإقليمي” الذي يمنح تدريباتٍ عسكرية للمنضمين إليه مرة واحدة شهرياً.

وحتى في الشرق الأوسط، بدأ النقاش يتصاعد حول ضرورة استغلال انشغال روسيا بالمعركة، لتحريك الملفات العالقة في سورية وليبيا، إذ تدعم موسكو نظام بشار الأسد وتقاتل لصالح قوات خليفة حفتر شرقي ليبيا عبر مرتزقة شركة “فاغنر”، ولذلك يمكن أن تكون للحرب على أوكرانيا نتائج سلبية بالنسبة للوجود الروسي في هذين البلدين.

كما تواجه روسيا عقوبات غير مسبوقة وعزلة دولية متزايدة، استفاضت وسائل الإعلام في الحديث عن تفاصيلها وتحليل تأثيرها. وعلى الرغم من ذلك، لا يبدو أنّ روسيا بصدد التراجع عن غزوها، بعدما أكد بوتين للرئيس الفرنسي، ماكرون، في اتصال هاتفي بينهما، أنّ “نزع سلاح أوكرانيا إذا لم يتم سياسياً فإنّه سيتم عسكرياً”. كما قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إنّ لدى بلاده قائمة بأسلحة محدّدة “لا يمكن نشرها على الأراضي الأوكرانية”. وهو ما يشير إلى أنّ الأزمة مرشّحة للتصاعد، مع ضرورة الإشارة إلى أنّ روسيا لا يزال بإمكانها تحقيق نصر عسكري واضح على أوكرانيا، حتى وإن تأخر بعض الشيء، لكنّ الأهم أن ينعكس هذا النصر العسكري على مائدة المفاوضات لصالح تحقيق الأهداف الروسية.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى