صفقة الغواصات.. فرنسا تتهم أستراليا وأمريكا بالكذب وتتحدث عن “أزمة خطيرة”
رفض رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون الأحد الاتهامات الفرنسية لبلاده بـ”الكذب” بشأن خططها إلغاء عقد لشراء غواصات فرنسية، مشيرا إلى أنه طرح مخاوف كانبيرا حيال الصفقة قبل أشهر.
وأثار قرار أستراليا الانسحاب من اتفاق لشراء غواصات فرنسية لصالح أخرى أمريكية تستخدم الطاقة النووية، غضب فرنسا فاستدعى رئيسها إيمانويل ماكرون سفيري بلاده من كانبيرا وواشنطن في خطوة غير مسبوقة.
وتمسّكت كانبيرا بموقفها فيما اتّهمتها فرنسا بالخيانة. وأصر موريسون على أنه سبق أن طرح مخاوف مع فرنسا حيال غواصاتها.
وقال للصحفيين في سيدني “أعتقد أنه كان لديهم جميع الأسباب ليعرفوا أن مخاوف جدّية وعميقة راودتنا بأن الإمكانيات التي تملكها غواصات من فئة أتاك لن تتوافق مع مصالحنا الاستراتيجية وأوضحنا بشكل تام أننا سنتّخذ قرارا مبنيا على مصلحتنا الوطنية”.
وبينما أشار موريسون إلى أنه يتفهم خيبة أمل فرنسا، إلا أنه قال “لست نادما على قرار تفضيل مصلحة أستراليا الوطنية ولن أندم إطلاقا عليه”.
اتهامات بالكذب
وجاءت تصريحات موريسون بعدما خرج وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان عن الأعراف الدبلوماسية في تصريحات موجّهة إلى كل من أستراليا والولايات المتحدة وبريطانيا، معتبرًا أن ما حصل يمثّل “أزمة خطرة” بين الحلفاء.
وأفاد لودريان في تصريحات لمحطة فرانس2 التلفزيونية “حصل كذب، حصلت ازدواجية، حصل تقويض كبير للثقة، حصل ازدراء، لذا فإن الامور بيننا ليست على ما يرام”.
وأضاف أن استدعاء السفيرين لأول مرة في تاريخ العلاقة بين البلدان الثلاثة “رمزي جدًا” وللتأكيد على “أننا نشعر باستياء كبير وأن هناك فعلا أزمة خطيرة بيننا”.
وكانت قيمة العقد الفرنسي لتزويد أستراليا بغواصات تقليدية تبلغ 50 مليار دولار أسترالي (أي ما يعادل 36,5 مليار دولار أمريكي أو 31 مليار يورو) عندما تم التوقيع عليه عام 2016.
وضوح وصراحة
وفي تصريحات أدلى بها وزير الدفاع الأسترالي بيتر دوتون لقناة سكاي نيوز أستراليا في وقت سابق، قال إن حكومته كانت “صريحة وواضحة وصادقة” مع فرنسا بشأن ترددها حيال الصفقة، التي تجاوزت قيمتها الميزانية وستتأخر لسنوات عن الجدول الزمني المقرر.
وذكر دوتون بأنه يدرك أن “فرنسا ممتعضة” لكنه أضاف أن “الإشارات التي تتحدّث عن عدم إبلاغ الحكومة الأسترالية الجانب الفرنسي بمخاوفها تتعارض، بكل صراحة، مع السجّلات العامة وبكل تأكيد ما قيل علنا على مدى فترة طويلة”.
وقال “كانت لدى الحكومة هذه المخاوف وأعربنا عنها ونريد العمل عن قرب بدرجة كبيرة مع الفرنسيين وسنواصل القيام بذلك مستقبلًا”.
وأفاد الوزير أنه عبّر شخصيًا عن هذه المخاوف لنظيرته الفرنسية فلورانس بارلي وأكد على “ضرورة أن تتحرّك (أستراليا) بناء على مصلحتنا الوطنية”، مشيرًا إلى أن بلاده ستشتري غواصات تعمل بالطاقة النووية.
وأضاف “نظرًا إلى تغيّر الظروف في منطقة المحيط الهادئ، ليس الآن فحسب بل على مدى السنوات المقبلة، كان علينا اتّخاذ قرار يصب في مصلحتنا الوطنية وهو تمامًا ما قمنا به”.
ولم تتمكن كانبيرا من شراء غواصات فرنسية تعمل بالطاقة النووية نظرًا إلى أنها تحتاج للشحن، بخلاف الأمريكية، ما يجعل الأخيرة مناسبة أكثر لأستراليا غير النووية، بحسب دوتون.
وفي وقت يستبعد أن يتم تشغيل أسطول أستراليا الجديد للغواصات قبل عقود، أشار دوتون إلى أن بلاده قد تفكر في هذه الأثناء في استئجار أو شراء غواصات متوفرة حاليًا من الولايات المتحدة أو بريطانيا.
أما وزير المالية الأسترالي سايمن برمنغهام، فشدّد على أن بلده أبلغ الحكومة الفرنسية بالأمر “في أقرب فرصة ممكنة، قبل أن تصبح المسألة علنية”.
وأضاف “لا أقلل من تقدير مدى أهمية. ضماننا إعادة بناء هذه العلاقات القوية مع الحكومة الفرنسية والنظراء مستقبلا. لأن تواصل انخراطهم في هذه المنطقة مهم”.
طرف زائد
كما رد لودريان بشكل لاذع على سؤال بشأن السبب الذي دفع فرنسا إلى عدم استدعاء سفيرها من بريطانيا، المنضوية في الاتفاق الأمني الثلاثي.
وقال “استدعينا سفيرينا من (كانبيرا وواشنطن) لإعادة تقييم الوضع. مع بريطانيا، لا حاجة لذلك. نعلم انتهازيتهم الدائمة، ولذا فلا حاجة لإعادة سفيرنا ليفسّر” الوضع.
وفي تعليقه على دور لندن في الاتفاقية، قال باستخفاف “بريطانيا ليست إلا طرفا زائدًا (أي بلا قيمة) في كل هذه” المعادلة.
وأشار إلى أنه سيتعيّن على حلف شمال الأطلسي أخذ ما حصل بعين الاعتبار لدى إعادته النظر في استراتيجيته خلال قمة مرتقبة في مدريد العام المقبل.
كما لفت إلى أن فرنسا ستمنح أولوية من الآن فصاعدا لتطوير استراتيجية الاتحاد الأوربي الأمنية عندما تتولى رئاسة التكتل مطلع 2022.
وقلل رئيس اللجنة العسكرية في حلف شمال الأطلسي الأميرال روب باور في وقت سابق من أهمية المخاطر، قائلًا إنه يستبعد أن تؤثر القضية على “التعاون العسكري” بين دول الحلف.
طعنة في الظهر
وأعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن عن التحالف الدفاعي الأسترالي-الأمريكي-البريطاني الجديد، الذي يأتي ضمن اتفاقية شراكة ينظر إليها على أنها تهدف لمواجهة صعود الصين.
وتقدّم اتفاقية الشراكة تكنولوجيا الغواصات النووية الأمريكية إلى أستراليا، إضافة إلى إمكانيات لصد الهجمات الإلكترونية وتطبيق الذكاء الاصطناعي وغيرها.
واتهمت فرنسا أستراليا بـ “طعنها في الظهر”، واتهمت واشنطن بمواصلة السلوك الذي انتهجته خلال عهد الرئيس الأسبق دونالد ترمب الذي كانت سياساته تثير سخط حلفاء بلاده الأوربيين.
وأثار الخلاف الأخير انقسامات عميقة في أقدم تحالف للولايات المتحدة وقضى على أي آمال حيال إمكانية إعادة إحياء العلاقات بين باريس وواشنطن في عهد بايدن.
وشدد الناطق باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس السبت على التزام الولايات المتحدة “الراسخ” حيال تحالفها مع فرنسا.
وقال “نأمل أن نواصل مناقشة هذه المسألة على أعلى مستوى في الأيام المقبلة، بما في ذلك خلال انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع المقبل”، وهي مناسبة سيحضرها كل من لودريان ووزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن.
وفي السياق ذاته، قللت أستراليا من أهمية غضب الصين حيال قرارها شراء الغواصات ذات الدفع النووي متعهّدة الدفاع عن سيادة القانون جوا وبحرا، حيث تسعى بيجين للهيمنة على مناطق متنازع عليها.
ووصفت بيجين التحالف الجديد بالتهديد “غير المسؤول إطلاقا” للاستقرار الإقليمي، مشككة في التزام أستراليا منع الانتشار النووي ومحذرة الحلفاء الغربيين من أنهم يعرّضون نفسهم للخطر.