كورونا .. الحيادية الزائفة وسطوة الأقوياء
منذ ظهر فيروس كورونا أواخر عام 2019، قال بعضهم إنه لا يجوز أن ننسبه إلى الصين، البلد الذي ظهر فيه أول مرة وانتشر في العالم، وتعرّض الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، لانتقادات حادة عندما أطلق على كورونا “الفيروس الصيني” في إطار مناكفاته مع بكين آنذاك. وكذلك تعرض وزير خارجيته مايك بومبيو، لانتقادات بعدما استخدم مصطلح “فيروس ووهان”، بدعوى أن ذلك يمكن أن يوصف بأنه عنصرية تجاه الشعب الصيني بأكمله، وأنه يشجّع على استخدام خطاب الكراهية.
هذا كله يمكن تقبله وتفهمه، خصوصاً عندما شهدت عدة بلدان موجات من العنصرية والتمييز والكراهية ضد الآسيويين، وفقاً لما وثقته عدة منظمات، من بينها هيومن رايتس ووتش، التي أكدت انتشار العنصرية والاعتداءات الجسدية على الآسيويين بعد تفشّي الجائحة، وكذلك الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، الذي قال إن “الوباء أطلق طوفاناً من مشاعر الحقد وكراهية الأجانب، ولوم الغير، وبث الرعب في الناس”. ولكن غير المفهوم أن وسائل الإعلام العالمية ووكالات الأنباء سرعان ما تناست ذلك كله، عندما ظهرت النسخ المتحوّرة من فيروس كورونا، فإذا بها تنسب تلك النسخ إلى المناطق التي ظهرت فيها أول مرة! فسمعنا مصطلحات مثل “السلالة البريطانية” و”السلالة الهندية” و”السلالة الجنوب أفريقية” وغيرها من المصطلحات التي لم تطلق على الصين نفسها، حتى إن وسائل الإعلام شهدت اختلافاتٍ بشأن نسب إحدى السلالات الجديدة، وهل هي تايلاندية أم مصرية، وهو ما دفع مسؤولين تايلانديين إلى الدعوة إلى عدم إطلاق اسم “السلالة التايلاندية” وضرورة نسبتها إلى مصر، لأنها جاءت منها، وكذلك عندما قالت اليابان إنها اكتشفت سلالة جديدة قادمة من البرازيل، وحرصت على إطلاق اسم “السلالة البرازيلية” عليها حتى لا تتهم بها!
أبعدت الصين نفسها عن الربط بينها وبين الفيروس في المصطلحات الدارجة والشائعة في وسائل الإعلام ووكالات الأنباء
توضح هذه الصراعات الفرعية أن الدول القوية هي التي تفرض إرادتها على الجميع، وكيف نجحت الصين في تشتيت الانتباه عنها وعن مسؤوليتها عن انتشار الفيروس في العالم، عندما أهملت اتخاذ الإجراءات الاحترازية وعاقبت الطبيب الذي أبلغ عن الفيروس للمرة الأولى، وسمحت للملايين من الصينيين بمغادرة المدينة لقضاء عطلاتهم في الخارج، فضلاً عن نجاحها في التشكيك في الفرضيات الأخرى عن احتمالية أن يكون الفيروس تم تخليقه معملياً، وتسرّب من معامل ووهان، وهي فرضيةٌ تتعزّز بمرور الوقت، وإن لم تثبت بعد، لكن التصرّفات الصينية مع وفد منظمة الصحة العالمية الذي سافر إلى ووهان، للتحقيق في كيفية نشوء الفيروس، ومنعه من العمل بحرية، تعزّز تلك الشكوك. ومع ذلك أبعدت الصين نفسها عن الربط بينها وبين الفيروس في المصطلحات الدارجة والشائعة في وسائل الإعلام ووكالات الأنباء، في الوقت الذي تعاني فيه الدول الأخرى من نسبة السلالات والنسخ المتحوّرة إليها! وعلى الرغم من أن تلك الوكالات بدأت، أخيراً، بتعديل المسمّيات، وإطلاق أسماء مثل “متحوّر دلتا” و”متحوّر لامبدا”، إلا أن ما حدث طوال أكثر من عام يصعب محوه من أذهان الجماهير، بسبب ما فعلته وسائل الإعلام.
قرّرت قنواتٌ صينيةٌ حذف مباريات فريق أرسنال من جدول بثّها، بعدما ندّد أوزيل بالانتهاكات التي يتعرّض لها مسلمو الإيغور في الصين
وجدنا هذه القوة الصينية في عدة قضايا أخرى، أبرزها ما فعلته بكين مع اللاعب الألماني، مسعود أوزيل، عندما لاحقته بعدما ندّد بالانتهاكات التي يتعرّض لها مسلمو الإيغور في الصين، إذ وصل الأمر إلى حذف الشركات المصمّمة لألعاب الفيديو في الصين أوزيل من إصدارات الألعاب الجديدة، وقرّرت قنواتٌ صينيةٌ حذف مباريات فريق أرسنال من جدول بثّها، وهو ما أدّى إلى أن يتبرأ النادي الإنكليزي مما فعله أوزيل، حتى لا يخسر جمهوره وعوائد بثّ المباريات في الصين، وتم استبعاده من تشكيلة الفريق في الدوري نهائياً، حتى رحل عنه إلى تركيا.
حدث الأمر نفسه مع شركات كبرى هاجمتها الصين وحذّرتها من مغبّة مقاطعة شراء القطن المزروع في مقاطعة شينجيانغ التي تشهد انتهاكات مروّعة بحق مسلمي الإيغور، وسط تقارير عن إجبار الإيغور على العمل القسري. كما شنّت حملاتٍ تدعو إلى مقاطعة تلك العلامات التجارية، وجعلت المشاهير والمؤثّرين الصينيين يتوقفون عن المشاركة في حملات ترويج تلك المنتجات، وهو ما نتج منه تراجع بعض تلك الشركات عن قرارها، والتودّد مرة أخرى لبكين، حتى لا تفقد السوق الصيني الهائل.