فبركة الأخبار ضد تركيا.. عندما تكون التغطية الإعلامية بالتمني فبركة الأخبار ضد تركي
والأخبار بالتبني هو مصطلح مستمد من (التفكير بالتمني) الذي يعني تكوين الآراء بناء على الرغبة وليس الأدلة الواقعية العقلانية، ولذلك يمكن أن نعرّف “تغطية الأخبار بالتمني”، على أنها “أسلوب جديد لكتابة الأخبار، يعتمد على الحدس والتوقع الشخصي وتفسير الأخبار” وذلك بطريقة متعسفة وساذجة ومثيرة للسخرية، ولا تعتمد على أي أدلة.
وفي هذا السياق، فإن آخر ما جادت به قريحة القائمين على قناة العربية على سبيل المثال، كان بشأن الخلاف الأخير بين تركيا وإيران، بشأن إلقاء الرئيس رجب طيب أردوغان قصيدة في أذربيجان، أثارت غضب طهران.
فقد نشر حساب “العربية عاجل” على تويتر، خبراً يفيد بأن “تركيا تعتذر بشكل غير مباشر” عن إلقاء تلك القصيدة، دون أن تقدم القناة دليلاً واحداً على هذا الاعتذار المزعوم.
والأغرب أن القناة نشرت هذا الكلام في حسابها الخاص بالأخبار العاجلة. فما العاجل في بث خبر لا أساس له من الصحة؟
قد يكون مفهوماً أن تحاول القناة بث ذلك الخبر المٌفرك من خلال مقال أو تحليل لأحد ضيوفها مثلاً، حتى وإن كان تحليلاً خاطئاً، وهو ما يندرج في إطار “تفسير الأخبار” لكن أن تكذب في خبر عاجل، فهو الأمر غير المقبول كلياً في العمل الإعلامي، ويبدو واضحاً أن القناة تحاول أو تتمنى أن تظهر تركيا في مظهر الضعيف والمتخاذل أمام إيران، لذلك نشرت تلك التغريدة غير الصحيحة.
تغطية أخرى قدمتها العربية تفتقد للمصداقية هي عندما حاولت أن تزايد على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نفسه، فالأخير اتهم الإسلام بأنه يمر بأزمة في كل مكان بالعالم، إلا أن مذيعة القناة بررت تلك التصريحات، وفسرتها على هواها الذي تتمناه، فقط من أجل الهجوم على أردوغان بسبب تصديه لماكرون، إذ قالت إن ماكرون “يحاول حماية مسلمي فرنسا من التطرف” وإن أردوغان “يستغل الجدل حول تصريحات الرئيس الفرنسي للانتقام”، متجاهلة الغضب الذي أثارته تصريحات ماكرون والمظاهرات الهائلة التي خرجت للتنديد بها في عشرات البلدان الإسلامية. لكن كل ما يهم القناة هو تركيا فقط.
وإذا حاولنا تحليل حسابات القناة على مواقع التواصل خلال الأيام والأسابيع الماضية، سنخرج بكم هائل من تلك النوعية من التغطيات عن تركيا، والتي تنشرها القناة من خلال طريقة أخرى، ألا وهي نسبتها إلى “مصادر” دون أن تكشف عن طبيعة تلك المصادر المزعومة.
فعلى ذكر ماكرون، هناك فضيحة مهنية أخرى تورطت فيها قناة العربية الحدث، قبل اندلاع أزمة الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم بأشهر، ففي يونيو/ حزيران الماضي، ألقى ماكرون خطاباً هاجم فيه من سماهم “الانفصاليين” دون أن يحدد هويتهم بالضبط، فما كان من قناة العربية الحدث إلا أن نشرت تصريحاً على لسان من سمتهم “مصادر أوروبية” تقول فيه إن ماكرون “قصد الأتراك التابعين لأردوغان بخطابه عن الانفصاليين”.
إذ ما علاقة تلك المصادر المزعومة بما كان يقصده ماكرون؟ هل دخلوا إلى عقله وقرؤوا ما كان يفكر فيه في هذه اللحظة؟ وماذا تعني عبارة “الأتراك التابعين لأردوغان”؟ هل هم المواطنون الأتراك في تركيا الذين يؤيدون الرئيس التركي وهم بالملايين؟ أم المواطنون الفرنسيون من أصل تركي؟
في الحالة الأولى لا يصح أن يطلق على هؤلاء لفظ انفصاليين لأنهم لا علاقة لهم بفرنسا من الأساس، أما في الحالة الثانية فنحن أمام عنصرية واضحة وتفتيش غير معقول في النيات، لأن القناة نزعت من مواطنين فرنسيين جنسيتهم واعتبرتهم “أتراكاً” بسبب جذورهم التركية، واتهمتهم بأنهم انفصاليون دون أي دليل سوى أنهم يحبون أردوغان ويؤيدونه، وهو خطاب أشد عنصرية وأسوأ من خطاب اليمين المتطرف المعادي للإسلام في أوروبا.
وفي سبتمبر/أيلول الماضي، سلطت قناة العربية الضوء على حادث قتل لاجئ سوري على يد شبان أتراك، وزعمت في تقريرها أن أردوغان أصدر أوامر بالتضييق على اللاجئين السوريين، هكذا دون تفصيل أو تفسير أو تقديم دليل كالعادة.
وتصل درجة فبركة الأخبار إلى ملف اللاجئين السوريين تحديداً الذي شهد كل الدعم من الرئيس أردوغان ومن الحكومة التركية، كما لم يتأخر المسؤولون الأتراك عن الدفاع عن اللاجئين وإدانة أي عنف أو إساءات يتعرضون لها، لدرجة أن البعض يقول إن سياسة الحكومة التركية تجاه اللاجئين قد تكون أحد أسباب تراجع حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البلدية الأخيرة.
وبعد قرار إعادة آيا صوفيا مسجداً مرة أخرى، انزعجت قناة العربية بشدة، وزعمت أن القرار أصدره أردوغان، رغم أنه كان عبارة عن حكم من المحكمة، وأضافت أن الرئيس التركي يريد من هذا القرار أن “يدغدغ به المشاعر” وأن “يستخدم الدين لأغراض سياسية”، وأنه “يعثمن الخطاب السياسي”.
كما قالت إن أردوغان “يثير فتنة دينية حول العالم” عبر هذا القرار، وهو بالتأكيد ما كانت يتمناه القائمون على القناة أن يحدث، لكن لسوء حظها لم يحدث شيء، ومر الأمر بسلام وأصبح حقيقة واقعة، حتى إن القرار حظي بإجماع نادر في الأوساط السياسية الداخلية في تركيا.
ويبدو أن فبركة قناة العربية ضد تركيا لا تتعلق بالشؤون الجارية فقط، بل تمتد إلى أعماق التاريخ، فقد أبدت استياءها من إنتاج مسلسل عن القائد العثماني خير الدين بربروس، الذي حقق إنجازات عديدة في البحر المتوسط، وأنقذ الآلاف من مسلمي الأندلس، لكن القناة وصفت بربروس بأنه “مثير للجدل”.
كما وصفت القناة توقيت إنتاج المسلسل بـ”المريب”، دون أن توضح ما المريب في أن تحرص تركيا على تسليط الضوء على الشخصيات التاريخية التي تحترمها وتقدرها.
ويبدو أن القناة لم تكن تعرف أن تركيا بدأت في إنتاج مسلسلات تاريخية منذ سنوات عديدة، وأن تلك المسلسلات حققت انتشاراً هائلاً، ويبدو أنها فوجئت بهذا المسلسل واعتقدت أنه الأول من نوعه، فقررت الحديث عنه بتلك الطريقة “المريبة”.
ولم تنس القناة في خضم الهجوم على المسلسل الجديد، أن تهاجم السلطان محمد الفاتح، وأن تشيد بمسلسل “ممالك النار” الذي أنتجته شبكة إم بي سي، والذي يهاجم العثمانيين. كما قالت إن المسلسل الذي كان يتناول حياة محمد الفاتح فشل في تحقيق أي نجاح وحقق خسائر كبيرة، لكنها بدت كمن يطلق النار على قدميه، لأنها تجاهلت الإشارة إلى أن هذا المسلسل أنتجته شركة تابعة لمجموعة إم بي سي السعودية، والتي تتبعها قناة العربية أيضاً.
أما أبرز الأمثلة على الفبركة فحدث العام الماضي، عندما نشرت قناة العربية خبراً ليس له أي مصدر، عن تصريح نقلته على لسان وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو، يقول فيه إنه ذهب إلى قطر لشكرها على “تمويلها” لعملية نبع السلام ضد التنظيمات الإرهابية في شمالي سوريا، وعندما كشف المتابعون عدم صحة الخبر، وأثبتوا أن وزير الخارجية التركي لم يتحدث على الإطلاق عن أي تمويل، وإنما تحدث عن دعم قطري للعملية بشكل عام، حذفت القناة تغريداتها عن الخبر.
المثير للتأمل في تلك التغطيات بالتمني، أن القناة لم تحاول أن تنسب تلك الأقاويل والمزاعم والتفسيرات العبثية إلى مصادر أخرى، فما أسهل أن تأتي القناة بضيف أو مجموعة ضيوف تعرف مسبقاً أنهم سيقولون ما تريد لهم أن يقولوه، دون أن تتورط في هذه الانحيازات الفجة والمثيرة للسخرية، لكنها لم تفعل ذلك وقدمت تلك التغطيات مباشرة عبر مذيعيها أو عبر مصادر مجهولة تدّعي أنها تنقل عنهم، أو حتى مجرد تفسير أبله مثل ما فعلته عند تغطيتها للأزمة بين إيران وتركيا.
تم نشر هذه المقالة بموقع TRTعربي بتاريخ 20/12/2020
للإطلاع على المقالة من المصد اضغط هنا