الإعلام “السرّي” المصري
تكرّر الأمر نفسه مع إغلاق قناة “الناس” الفضائية، التي كانت سلفيةً، قبل أن تسيطر عليها الدولة، وتحولها إلى نسخة أزهرية، إذ لم ينتبه أحد لها إلا عند سماع خبر إغلاقها المفاجئ. كما لم يهتم أحد بخبر إغلاق قناة “TEN” الفضائية، ولا خبر عودتها إلى البث، إلا لأن مذيعا فيها أصبح مادة للتندّر والسخرية في برنامج “جو شو” على شاشة تلفزيون العربي. وانشغل البرنامج وقتها في البحث عن بديلٍ لهذا المذيع، لأن غيابه سيسبب نقصا في مادة البرنامج، خصوصا بعد توقف مذيع آخر في وقت سابق عن العمل، وكان أيضا مادّة للسخرية في البرنامج، وهو أمر يُسعد هؤلاء المذيعين، لأنه يجعلهم مشهورين، حتى إذا كانت تلك الشهرة سلبية، أو مرتبطة بالفضائح والسخرية والانتقادات اللاذعة.
الجديد هو وقف برنامج كان يقدمه توفيق عكاشة، وهو أمرٌ مدهش، لأن الأخير خبا نجمه بسرعة الصاروخ، حتى إن أحدا لم يهتم بخبر الإيقاف، بل كانت الدهشة من معرفة أنه لا يزال يقدّم
برنامجا، حتى إن مفكّرا مؤيدا للنظام التقط هذا الأمر، وكتب، قبل أكثر من عام، أن عكاشة لم يبق أمامه “سوى أن يخلع ملابسه تماما أمام الكاميرا حتى يصل إلى عدد الذين كانوا يتابعونه قبل سنوات”. وأضاف “وحتى لو فعل هذا فإن لقطته المفترضة تلك، والمثيرة للاشمئزاز والشفقة، لن تعيد إليه الجمهور سوى ليوم واحد، وبعدها سيعود نسيا منسيا. قواعد اللعبة تغيرت”. وبعد اندلاع أزمة المقاول محمد علي، وتعبئة برامج الفضائيات للردّ عليه، وفشلهم في ذلك، واتجاه المصريين إلى قنوات المعارضة لمتابعة الحراك، قال المفكر نفسه إن هذه البرامج لو استمرت 24 ساعة يوميا فلا فائدة منها، لأن الأغلبية الساحقة لا تتابعها.
وبشأن الصحافة المطبوعة، تكرّرت الظاهرة، هذه المرة مع صحيفة الأهالي، التي يصدرها حزب التجمع (الوطني التقدمي الوحدوي)، وهو كيانٌ ديناصوري هو الآخر، لا يتكون سوى من مقرّ وعدة أعضاء. إذ عرفنا أن الصحيفة لا تزال تعمل وتصدر، عندما انتشر خبر يفيد بمصادرة عدد من أعدادها قبل أشهر. والمضحك أن سبب المصادرة لا يرجع إلى مقال أو تحقيق ينتقد السلطة، لا سمح الله، بل لأن الصحيفة كانت تعترض على إصدار عفو عن معتقلين سياسيين، ووصفتهم بأنهم إرهابيون لا ينبغي الإفراج عنهم، أي أنها كانت تزايد على السلطة نفسها! أما انخفاض متابعة الصحف، فظاهرة تشترك فيها جميع الصحف التي وصلت نسب توزيعها إلى أعداد متدنية للغاية.
المؤكد الآن أن إعلام السلطة في مصر أصبح يكلّم نفسه، وأن البرامج السياسية في الفضائيات تبدو كأنها أوكار سرية، من فرط تجاهل الناس وعدم اكتراثهم لها، وهي نتيجة طبيعية للسيطرة المطلقة على الإعلام، وعدم السماح بأي صوتٍ مختلف، فضلا عن احتكار الدولة ملكية جميع وسائل الإعلام تقريبا، حتى الخاصة منها، وهو وضع غير مسبوق في تاريخ الإعلام المصري الذي أصبح إعلاما سرّيا من فرط فشله الذريع.