أزمة مع الشرعية في كل مكان
أنشأت الإمارات في اليمن مليشيات محلية موازية، لا تتبع القوات الشرعية، ولا تعترف بها،
ودرّبتها وسلحتها، وأطلقت عليها مسمياتٍ مختلفة، مثل الحزام الأمني والنخبة الشبوانية والنخبة الحضرمية وألوية العمالقة وغيرها من مسميات بلهاء، وهي مليشياتٌ يتزعمها زعماء عصابات وشخصيات مدرجة على قوائم الإرهاب الدولي، مثل هاني بن بريك الذي سجن بتهمة صناعة السيارات المفخّخة مرات، وعبد اللطيف السيد، المرتبط بتنظيم القاعدة، والعقيد عادل عبده فارع الذبحاني، المعروف بأبي العباس، والمرتبط بتنظيم القاعدة أيضا، والذي تدعم الإمارات مليشياته التي تسمّى باسمه، وغيرهم.
وقد أثبتت وسائل إعلام دولية الدعم الإماراتي للتنظيمات المصنفة إرهابية، مثل صحيفة إندبندنت البريطانية التي أكدت، في أغسطس/ آب 2018، تجنيد الإمارات مقاتلين سابقين من “القاعدة” في صفوف قوات التحالف، مستندةً إلى اعترافات ضباط إماراتيين يقاتلون في حرب اليمن. وكشف تحقيق لوكالة أسوشييتد برس عن إبرام قوات التحالف السعودي الإماراتي صفقات سرية مع مقاتلي “القاعدة”، ليغادروا المدن التي كانوا قد سيطروا عليهم، مع السماح لهم بالانسحاب مع أسلحتهم وأموالهم.
وقد وصلت هذه السياسة الهزلية إلى مداها الأقصى، بعد استهداف الطيران الإماراتي قوات الحكومة الشرعية، واتهام هذه القوات بأنها إرهابية، ثم الهجوم المباشر والعلني على رمز هذه الشرعية، وهو الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، على الرغم من أن وجود الإمارات على أرض اليمن جاء، في البداية، بهدف مناصرة هذه الشرعية، وإعادتها إلى صنعاء، عقب الانقلاب الذي قادته جماعة الحوثي. وقد اعترف بيان الخارجية الإماراتية بتنفيذ غاراتٍ على قوات الجيش اليمني الشرعية، لكنه وصف هذه القوات بأنها إرهابية، أي أن الحكومة اليمنية التي تزعم الإمارات أنها تدخلت لصالحها إرهابية. ووفقا لهذا الكلام الهزلي، تكون السعودية أيضا داعما لكيان إرهابي.
النتيجة الطبيعية لأفعال كهذه هي عدم الحصول على أي اعترافٍ أو تأييد دولي، فالعالم يتعامل مع حفتر باعتباره زعيما لمليشيا محلية، وليس قائدا عسكريا، ولم يحظ قصف الإمارات قوات
الجيش اليمني بأي تأييد دولي. وحتى في حالة حصار قطر، لم يعترف العالم بمزاعم قناتي العربية وسكاي نيوز عن تصريحات مفبركة نشرت على لسان أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، إذ اقتنع العالم بأن وكالة الأنباء القطرية تعرضت للقرصنة، وهو ما أثبتته الدوحة عبر استعانتها بفريق تحقيق أميركي لضمان المصداقية والشفافية أمام العالم. ولذلك، لا علاقة لقناة سكاي نيوز العربية بالقناة الأم في بريطانيا التي تتسم بالمهنية، عكس مثيلتها العربية التي تتفنن في الكذب والتزوير والتلفيق.
تبدو إذن سياسة الإمارات واضحةً، إذ تعتمد على دفع الأموال الطائلة، وإبرام صفقات مع الحكومات الغربية، في مقابل أن تسمح لها الأخيرة بالعبث في المنطقة كما يحلو لها، وتشكيلها وفقا لرغباتها، حتى لو كانت سياسةً تعتمد على ضرب الشرعية في كل مكان. وعلى الرغم من أن تلك السياسة لا تحصل على أي اعتراف دولي في الغرب، إلا أن الدول الغربية تصمت على تلك السياسة، إذ إنها حصلت على ثمن هذا الصمت مسبقا. وكأن المعادلة بين الطرفين: خذوا الأموال كما يحلو لكم، ودعونا نتعامل مع بعضنا في الشرق الأوسط كما يحلو لنا من دون أن تتدخلوا. أما السعودية، فتبدو كأنها الشريك الأصغر في تلك السياسة، إذ انضمت أخيرا إلى جهود دعم حفتر الذي تدعمه الإمارات منذ سنوات، كما تبدو عاجزةً تماما أمام الانقلاب الذي يقوده رجال الإمارات في اليمن ضد الرئيس الذي تستضيفه لديها.