بين السودان ومصر.. العسكر يسيرون على نفس الدرب
حكم المجلس العسكري في مصر البلاد خلال مرحلتين: الأولى بعد تنحي مبارك في فبراير/ شباط 2011 حتى تسليم السلطة للرئيس محمد مرسي في يونيو/ حزيران 2012. والثانية بعد عزل مرسي في 3 يوليو/ تموز 2013 وحتى تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم في يونيو/ حزيران 2014.
تركز التشابه بين المجلس العسكري في كل من مصر والسودان على مستويين رئيسيين: المستوى الأول هو الخطاب السياسي والرسائل الإعلامية، والثاني على مستوى السياسات والممارسة الفعلية على أرض الواقع.
تركز التشابه بين المجلس العسكري السوداني ونظيره المصري على مستوى الخطاب في المجالات التالية:
- رفض إطلاق النار: برر المجلس العسكري في كل من مصر والسودان قيامهما بعزل الرئيسين عمر البشير وحسني مبارك بأن ذلك جاء حرصا على أرواح المواطنين، وبأن الأوضاع كانت تتجه للفوضى، وكذلك ادعاء البطولة عبر الحديث عن رفض أوامر بإطلاق النار على المتظاهرين أو فض مظاهراتهم واعتصاماتهم. وقد ظهر هذا الخطاب واضحا في حديث نائب رئيس المجلس العسكري في السودان، الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) الذي زعم أن البشير أخبره أن المذهب المالكي الذي ينتمي له السودانيون يبيح للحاكم قتل ثلث الشعب من أجل الحفاظ على الثلثين الباقيين.
- عدم الطمع في السلطة: تكرر هذا الخطاب أكثر من مرة من جانب المجلسين العسكريين في مصر والسودان، مثل تصريح حميدتي الذي قال فيها إن المجلس الانتقالي لا يرغب في السلطة ويريد تسليمها.. لقد تعبنا، ونريد تسليم السلطة اليوم قبل الغد” وذلك قبل أن يطلق تصريحا آخر اتهم فيه قوى إعلان الحرية والتغيير بأنها ترغب في أن يقوم المجلس العسكري بتسليم السلطة والعودة للثكنات.
- الهجوم على السياسة والمطالبة بعدم التسييس: بعد تنحي مبارك ظهرت خطابات تشيد بالشباب المصري غير المؤدلج الذي استطاع تحقيق التغيير وقام بتنظيف الشوارع ودهان الأرصفة بعد نجاح الثورة، وهي نفس السردية التي حاول من خلال المجلس العسكري السوداني تحقيقها، عندما قال حميدتي “نحن في المجلس العسكري الانتقالي نريد ثورة سودانية وطنية حضارية. شباب مخلص غير مسيس وبغير أجندة” وهو ما يثير الاستغراب لأن الثورة بطبيعتها فعل سياسي لأهداف سياسية. كما قامت قوات من الدعم السريع بدهان الأرصفة وتجميل بعض الشوارع في الأيام الأولى عقب تنحية البشير.
- التحذير من مصير دول أخرى: حذر حميدتي من وجود دول تسعى لتحويل السودان إلى سوريا وليبيا، وهو نفس الخطاب الذي تبناه المجلس العسكري في مصر واستمر حتى الآن، والذي يحذر من مصير دول أخرى مثل سوريا والعراق.
- التنصل من المسؤولية: وذلك عبر الهجوم على الاعتصامات والمظاهرات واتهامها بأنها السبب في اندلاع الفوضى وتحميل المتظاهرين المسؤولية عن حفظ الأمن، وهو ما يتناقض مع وظيفة قوى الجيش والشرطة التي يقع على عاتقها مهمة حفظ الأمن بالدرجة الأولى.
- الطرف الثالث: كلما تكرر سقوط قتلى برصاص قوات الجيش والشرطة خلال الفترة الانتقالية، يلجأ المجلس العسكري إلى تحميل طرف ثالث مجهول مسؤولية إطلاق النار على المحتجين والمعتصمين. مع دعوة الجهات القضائية للتحقيق في الأحداث. وهو ما دعا إليه رئيس المجلس العسكري، عبد الفتاح البرهان، في خطابه عقب أحداث فض اعتصام الخرطوم أمام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة، كما زعم حميدتي أن هناك من ينتحل صفة الدعم السريع لترويع المواطنين، وهو خطاب لجأ إليه المجلس العسكري في مصر أيضا، الذي اتهم أطرافا مجهولة بأنها هي من قتلت المتظاهرين خلال أحداث ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء وغيرها من الأحداث التي شهدت سقوط العشرات من القتلى. رغم أنه من المفترض إذا كان ذلك صحيحا أن تقوم قوات الجيش بتعقب هؤلاء المجهولين والقبض عليهم.
- اتهام المتظاهرين: رغم أن القوات النظامية من المفترض أنها مدربة على التعامل مع كافة المواقف العصيبة وضبط النفس، إلا أن الخطاب الرسمي للمجلس العسكري دائما ما يتهم المتظاهرين بأنهم قاموا باستفزاز قوات الجيش والشرطة ما يؤدي إلى وقوع اشتباكات بين الطرفين. ففي 16 مايو/ أيار الماضي، أصدر المجلس العسكري في السودان بيانا أعلن فيه تعليق التفاوض مع “قوى الحرية والتغيير” لمدة 72 ساعة، ودعا المتظاهرين إلى “إزالة المتاريس جميعها خارج محيط الاعتصام”، وفتح خط السكة الحديدية بين الخرطوم وبقية الولايات ووقف “التحرش بالقوات المسلحة وقوات الدعم السريع والشرطة واستفزازها”. كما تحرص بيانات المجلس العسكري على استخدام مصطلح “المواطنون الشرفاء” في محاولة للتفريق بين المتظاهرين وباقي مكونات الشعب.
1/
بسم الله الرحمن الرحيم
بيان السيد رئيس المجلس العسكري الإنتقالي لجماهير الشعب السودانيالحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله.
المواطنون الشرفاءالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في البدء نترحم علي شهداء الثورة وشهداء القوات النظامية الذين سقطوا منذ إنطلاقة الثورة pic.twitter.com/DHYfjfM3XN— المجلس العسكري الإنتقالي – السودان (@TMCSudan) June 4, 2019
- إظهار الوجه القبيح: رغم أن المبرر الرئيسي لتشكيل المجلس العسكري والسيطرة على البلاد كان الحفاظ على أرواح المواطنين، إلا أن المجلس العسكري سرعان ما يظهر القبضة الأمنية التي تؤدي إلى مقتل أعداد من المواطنين أكبر من تلك التي سقطت خلال المظاهرات قبل تنحي الرئيسين المصري والسوداني.
- في مصر سقط ما يقرب من 846 قتيلا أثناء ثورة يناير. إلا أن المرحلة الانتقالية الأولى شهدت مقتل أكثر من 400 شخص. كما سقط الآلاف من القتلى على يد قوات الجيش والشرطة بعد عزل مرسي وفض اعتصامات معارضي الانقلاب.
- في السودان تكرر الأمر، فقد بلغت أعداد عملية فض اعتصام الخرطوم 60 قتيلا والمحصلة مرشحة للارتفاع، وهو رقم يفوق عدد الضحايا الذين سقطوا خلال المظاهرات ضد البشير، والتي بلغت 53 قتيلا وفق أرقام رسمية. فضلا عن قتلى آخرين سقطوا في أحداث متفرقة منذ عزل البشير.
- كان لافتا أن المجلس العسكري السوداني الذي عزل البشير بحجة أن الأخير طلب منهم فض الاعتصام أمام مقر القيادة العامة، هم من قاموا في النهاية بفض الاعتصام.
#متداول .. قوات الدعم السريع في #السودان تطارد المدنيين العزل بالرصاص الحي#الخرطوم pic.twitter.com/h4cvPpdl3D
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) June 4, 2019
- قتل المتظاهرين والإعلان عن انتخابات: لجأ كل من المجلس العسكري في مصر والسودان إلى محاولة امتصاص غضب الجماهير عقب الأحداث التي تؤدي إلى سقوط قتلى، فقد أعلن المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس العسكري عقب تنحي مبارك عن إجراء انتخابات رئاسية وتسليم السلطة عقب أحداث محمد محمود التي أوقعت أكثر من 45 قتيلا، فيما أعلن البرهان عن تنظيم انتخابات خلال 9 أشهر بعد أحداث فض اعتصام الخرطوم، رغم أن الاتفاق كان يقضي بمرحلة انتقالية مدتها 4 سنوات.
- إغلاق مكتب الجزيرة: تكرر إغلاق مكتب الجزيرة 3 مرات على يد الجيش المصري. فخلال مرحلة ما بعد تنحي مبارك، أغلق المجلس العسكري مكتب قناة الجزيرة مباشر مصر مرتين خلال شهر سبتمبر/ أيلول 2011. وبعد الإعلان عن عزل مرسي بدقائق، وداهمت قوات الأمن مكاتب شبكة الجزيرة في القاهرة وأغلقتها وحظرت عمل الشبكة حتى الآن تمهيدا لقمع معارضي الانقلاب وفض اعتصاماتهم. وهو ما قام به المجلس العسكري الذي أغلق مكتب الشبكة قبل أيام قليلة من فض اعتصام الخرطوم.
متناسيا غلق مكتبها.. المتحدث باسم المجلس العسكري السوداني يطلب من #الجزيرة توجيه الكاميرا لساحة الاعتصام والمذيع يردّ pic.twitter.com/FydMgHlNGr
— قناة الجزيرة (@AJArabic) June 3, 2019
- تحريض الجنود ضد المتظاهرين: انتشر مقطع فيديو صوره أحد جنود قوات الدعم السريع السودانية أثناء فض اعتصام القيادة العامة. ويظهر صوت الجندي في الفيديو وهو يسب المعتصمين قائلا إنهم هم السبب في حرمانه وزملائه من الحصول على أجازة. وهي على ما يبدو أحد الإجراءات التي اتبعها المجلس العسكري من أجل شحن الجنود ضد المعتصمين والتحريض عليهم. وهو نفس الإجراء الذي اتبعه المجلس العسكري في مصر قبل فض اعتصام رابعة، وفقا لشهادة أحد المجندين في الجيش المصري خلال فترة فض اعتصام رابعة، والتي أكد فيها أن الجيش منع الاجازات عن معظم الجنود طالما أن الاعتصام لم يفض.
لقطات من تصوير أحد جنود الدعم السريع المشاركين في #مجزرة_القيادة_العامة:
– الجندي يقول خلال الفيديو لجنود آخرين “اقتلوهم قتل ولاد الكلب، دول اللي حرمونا من الإجازة”.
– يسأل سيدة: مدنية ولا عسكرية؟ فتجيب “عسكرية”، يقول لو قلتي “مدنية” والله لاوريكي. #اعتصام_القيادة_العامة pic.twitter.com/MGpPW1kwAt— Hosam Yahia (@HosamYahiaAJ) June 3, 2019
- فض الاعتصام: انتشرت مقارنات عديدة بين عملية فض اعتصام الخرطوم وفض اعتصامي رابعة والنهضة في مصر، منها توقيت الفض (قبل وبعد عيد الفطر) واستغلال توقيت الفجر في بدء العملية حتى تكون الأعداد قليلة، وإغلاق مكتب الجزيرة، والحصول على دعم سياسي ولوجستي من السعودية والإمارات. وغيرها من أوجه التشابه التي تم تناولها.
جراحنا واحدة … مجازرهم واحدة
يمين الصورة السودان ويسار الصورة مصر
ما بين مجزرة القيادة العامة ومجزرة رابعة
الدماء واحدة والقاتل واحد #مجزره_القياده_العامه pic.twitter.com/yv4fKamK7j
— أسامة جاويش Osama Gaweesh (@osgaweesh) June 3, 2019
- قبل فض الاعتصام، زار رئيس المجلس العسكري عبد الفتاح البرهان كلا من مصر والإمارات، فيما توجه حميدتي إلى السعودية.
- تشير تقارير سياسية وإعلامية إلى أن المجلس العسكري حصل بالفعل على ضوء أخضر ودعم من مصر والسعودية والإمارات لتنفيذ عملية الفض.
- أكد الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي، أن قادة المجلس العسكري ذهبوا للخارج ليعطوا المعلومات ويأخذوا التعليمات من “ثلاثي الشر” الذي يقصد به مصر والسعودية والإمارات.
- نقلت صحيفة العربي الجديد عن مصادر دبلوماسية سودانية في القاهرة، أن عملية فض الاعتصام جاءت “بعد تشاور وضوء أخضر خليجي من الإمارات والسعودية، ودعم مصري”. وأن “عسكريين سودانيين زاروا القاهرة أخيراً واطّلعوا على الخبرات المصرية في مسألة فضّ الاعتصامات ومواجهة تظاهرات المعارضين، استناداً إلى الخبرة المصرية في فض الاعتصامات الكبرى، كما حدث في عدد من الاعتصامات”.
- أشارت صحيفة الغارديان إلى زيارة رئيس المجلس العسكري السوداني إلى مصر، وقالت إن مصر قدمت بالفعل مساعدة كبيرة لعسكر السودان باستخدام نفوذها الإقليمي، ونجحت في تمديد مهلة الاتحاد الأفريقي إلى ثلاثة أشهر بدلا من 15 يوما.
___________________
تم نشره بموقع الجزيرة مباشر بتاريخ 6/5/2019