العالمالعربي الجديدسياسةمقالات العربي الجديد

ماكرون.. أسوأ من اليمين المتطرّف

عندما ترشح إيمانويل ماكرون للانتخابات الرئاسية في فرنسا، أعجب به كثيرون لحداثة سنه وحيويته، والسياسات الجديدة التي أعلن عنها في برنامجه الانتخابي، وكذلك قصة حبه مع أستاذته التي تزوجها بعد ذلك، كما أظهر استعداده للاعتذار عن جرائم الاستعمار الفرنسي، خصوصا في الجزائر، وقد خدمته الظروف بشدة بعد الجولة الأولى من الانتخابات، إذ واجه مرشحة اليمين المتطرّف، مارين لوبان، وهو ما أدى إلى انتخابه في المرحلة الثانية بفرق كبير عنها، بعد أن تخوف كثيرون من وصول شخصية متطرّفة، مثل لوبان، إلى منصب رئاسة فرنسا. ولكن بعد فوزه في الانتخابات، يبدو أن ماكرون لم يختلف كثيرا في سياسته، خصوصاً تجاه الوطن العربي وقضايا العالم الإسلامي، عن التي كان من الممكن أن تتبعها ممثلة اليمين المتطرّف.
دعم ماكرون النظام في مصر بالسلاح الفرنسي، وعقد عدة صفقات في هذا الشأن، وتبادل الزيارات مع القاهرة، وتجاهل الحديث عن حالة حقوق الإنسان في مصر، وقال متبجّحاً، في مؤتمر صحافي هناك، إنه لن يعطي دروساً في حقوق الإنسان، وهي دروسٌ يبدو أنه يعطيها فقط لتركيا، عندما نشط في إدانة ما يعتبرها انتهاكاتٍ لحقوق الإنسان فيها، ودعم قرار اعتبار أحداث 1915 “إبادة للأرمن”، كما أعلن يوما وطنيا لإحياء تلك الذكرى، وهو ما يدعو إلى الدهشة أن ينشط الفرنسيون في إدانة أحداثٍ لا علاقة لهم بها حدثت قبل أكثر من مائة عام،

ويتجاهلون أكثر من مليون جزائري قتلتهم آلة الحرب الفرنسية خلال أعوام قليلة.
والآن، يدعم ماكرون مليشيات خليفة حفتر في ليبيا في هجومها على طرابلس ضد الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا، ويمدّها بالمال والسلاح والخبراء والمرتزقة الفرنسيين. وظهر الدعم السياسي واضحا في إفشال فرنسا إصدار بيان عن الاتحاد الأوروبي يدين هذه المليشيات، كما ظهرت عدة أدلة على وجود خبراء فرنسيين في المدن التي تسيطر عليها تلك القوات، على الرغم من أن هذه المليشيات ثبت أنها تمارس أبشع الجرائم، مثل التعذيب ونبش القبور والتمثيل بالجثث والاتجار بالبشر وإعدام الأسرى وحرقهم أحياء وذبحهم على طريقة “داعش”، وهي وقائع مثبتة بالأدلة، وأدت إلى صدور أمر من المحكمة الجنائية الدولية بالقبض على محمود الورفلي، أبرز رجال حفتر. ليس هذا فحسب، بل امتدت الوقاحة الفرنسية إلى وزير الخارجية، جان إيف لودريان، الذي أعرب عن امتعاضه من زيارة مسؤولي حكومة الوفاق إلى تركيا لطلب الدعم في مواجهة حفتر، وملمّحاً إلى أن ذلك يعد تدخلاً تركيا في الشأن الليبي، على الرغم من أن حكومة الوفاق هي الشرعية، ومن حقها أن تطلب أي مساندة للحفاظ على شرعيتها في مواجهة الدعم الغربي، خصوصا الفرنسي، لمجرم الحرب حفتر.
وقد خرج ماكرون، قبل أيام قليلة، ليهاجم ما سماه “الإسلام السياسي”، زاعما أن هذا الإسلام يريد تقسيم فرنسا، ويمثل تهديدا للجمهورية الفرنسية، ويسعى إلى الانعزال عنها، وتعهد ماكرون بالتصدي له، والتصريح غريب جدا، لأنه لا يوجد في فرنسا “إسلام سياسي” من الأساس، ولا أي حزب أو جماعة مسلمة بارزة، حتى يخشى ماكرون على بلاده منها، خصوصا أنه أدلى بهذه التصريحات في أثناء ردّه على مطالب محتجي “السترات الصفراء” الذين لا علاقة

لهم، من قريب أو بعيد، بالإسلام السياسي، فماكرون بدا في هذا التصريح وكأنه رئيس أو زعيم دولة عربية ممن يعتبرون الإسلاميين “الشيطان الأكبر”. ولكن يبدو أن هذا التصريح “مدفوع الثمن” من هذه الدول العربية. ويزول هذا العجب، عندما نرى تغطية قناة سكاي نيوز عربية لتصريحات ماكرون، عندما ربطت بين تصريحاته تلك وما سمته “الدعم القطري” للمنظمات الإسلامية في أوروبا، واصفةً تلك المنظمات بأنها متطرّفة، وهو وصف ينسجم تماما مع سرديات اليمين المتطرّف المعادي للإسلام نفسه. كما أظهر ماكرون تشدّدا في ملف الهجرة، مؤكّدا بذل الجهود للسيطرة على الحدود في وجه المهاجرين، وهي تصريحات تتطابق مع مقولات اليمين المتطرّف. وأخيرا، تمثل قمة جبل الانحطاط الفرنسي الماكروني في “الإدانة الشديدة” التي أعلنها ماكرون لإطلاق الصواريخ من غزة خلال التصعيد أخيرا مع الاحتلال الإسرائيلي، مشدّدا على حق إسرائيل في “الأمن” حسب تعبيره.
والمضحك أن ماكرون كان قد استقبل الصحافي التركي، جان دوندار، الذي سرّب معلومات سرية خاصة بالاستخبارات التركية، وقام بتكريمه، وظهر معه في صورة سعيدا باستقباله، لكنه فتح أخيرا تحقيقا مع ثلاثة صحافيين فرنسيين فجروا فضيحة كبرى، ومحرجة للسياسة الفرنسية، بعدما سرّبوا وثيقة سرية، كشفت عن استخدام الإمارات والسعودية أسلحة فرنسية في حرب اليمن التي أدت إلى مقتل آلاف المدنيين، قصفا وجوعا ومرضا، كما كشفت الوثيقة أن البواخر الحربية الفرنسية شاركت في حصار اليمن الذي أدّى إلى المجاعة التي عانى منها ملايين اليمنيين، لتفضح الحادثتان النفاق الفرنسي وانحطاط سياسات ماكرون.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى