من الترهيب للترغيب.. استراتيجية السيسي لتعديل الدستور
ومنذ الإعلان عن تلك التعديلات وحتى اليوم، اتبع نظام السيسي عدة استراتيجيات في محاولة لتمرير تلك التعديلات في أسرع وقت ممكن.
ومن المقرر عرض التعديلات الدستورية على الجلسة العامة للبرلمان منتصف أبريل/ نيسان الجاري، بعد الانتهاء مما يسمى “جلسات الحوار الوطني”، وذلك لتقديم مقترحات التعديل في صيغتها النهائية في الجلسة العامة للتصويت عليها.
لجأ النظام أولا إلى أسلوب الترهيب، واتخذ عدة إجراءات في هذا الصدد. منها:
- تنفيذ أحكام إعدام بحق 15 معتقلا معارضا.
- تصفية عدد من المعارضين بحجة قيامهم بمقاومة قوات الأمن خلال اعتقالهم، وهي حجة يلجأ لها النظام دوما لتبرير تصفية المئات من المعارضين على مدار السنوات الماضية، وقد قدرت وكالة رويترز في تقرير لها أن النظام قام بتصفية 465 شخصا على مدى ثلاث سنوات ونصف السنة.
- في يناير/ كانون الثاني الماضي، أعلنت قوات الأمن عن تصفية 6 أشخاص، وفي فبراير/ شباط، أعلن عن تصفية 8 آخرين، و8 في شبه جزيرة سيناء، فيما شهد شهر مارس/ آذار تصفية 7 أشخاص.
- استمرت حملات الاعتقالات وسط النشطاء السياسيين والأفراد المستقلين، وكان منها مصر: اعتقال نشطاء 5 سياسيين لمشاركتهم في احتفالية بثورة 25 يناير.
- استمر التنكيل بالمعتقلين ومنع الزيارات والرعاية الطبية عنهم، ما أدى إلى وفاة 6 معتقلين بسبب الإهمال الطبي خلال شهرين فقط، بحسب رصد منظمة “كوميتي فور جاستس”.
- تسريب صور ومقاطع صوتية ومرئية للحياة الخاصة لعدد من السياسيين الذين أعلنوا عن معارضتهم للتعديلات، مثل المخرج خالد يوسف والنائب هيثم الحريري، بهدف إعطاء رسالة للمعارضين بعدم تسامح النظام مع أي دعوات معارضة.
إلا أن سياسة النظام تلك لم تؤت أكلها، بل جاءت بنتائج عكسية، تمثلت في زيادة الغضب الشعبي بشكل عارم، خاصة أنها جاءت متزامنة مع أحداث أخرى، مثل:
- الكشف عن ملابسات قضية إعدام الشباب التسعة الذين اتهموا بقتل النائب العام السابق هشام بركات، والتي اتضح أنها لم تحظ بالحد الأدنى من الضمانات التي تكفل محاكمة عادلة.
- حادث قطار رمسيس الذي أودى بحياة 22 شخصا، واسترجاع حديث السيسي الذي أعرب فيه عن رفضه تطوير السكك الحديدية وتفضيله توجيه الأموال المخصصة للتطوير إلى مشروعات أخرى أو وضعها في البنك والحصول منها على فوائد.
- استمرار ارتفاع أسعار السلع والخدمات مع ثبات الرواتب، الأمر الذي انعكس على تدهور الأحوال المعيشية لقطاعات من المصريين.
- انعكست حالة الغضب تلك على مظاهرات متفرقة في القاهرة والمحافظات.
- واجه النظام تلك المظاهرات بالقمع، وألقى القبض على ما يقرب من 200 شخص، إلا أنه تنبه إلى خطورة الاستمرار في السياسات المعتمدة على الترهيب فقط.
بدأ النظام يتبع سياسة الترغيب في محاولة لامتصاص غضب الشعب المصري، والخروج بأقل خسائر ممكنة في خطته لتمرير التعديلات الدستورية، وقد شملت تلك السياسة عدة إجراءات:
- تعيين وزير جديد للنقل عقب حادث قطار رمسيس، وإشغال المصريين بجولات الوزير المستمرة لتفقد محطات القطارات.
- الإعلان عن تخصيص مليارات الدولارات لتحديث القطارات ومرفق السكك الحديدية.
- تخفيض سعر الدولار إلى أدنى مستوى له خلال عامين ونصف للإيحاء بقرب انفراج الأزمة الاقتصادية.
- التأكيد على رد مديونية وزارة المالية وبنك الاستثمار القومي لصالح صناديق المعاشات، وتوجيه الحكومة إلى سحب استشكالها على العلاوات الخاصة لأصحاب المعاشات، والذي قررته المحكمة الإدارية العليا.
- رفع الحد الأدنى للأجور إلى 2000 جنيه، وزيادة المعاشات بنسبة 15%، ومنح علاوة إضافية للعاملين في الدولة، وإطلاق حركة ترقيات للموظفين. ونقل موقع “مدى مصر” عن مصادر قضائية وبرلمانية أن تلك الزيادات أشبه بـ”هدايا” لتشجيع المواطنين على المشاركة في الاستفتاء على التعديلات. فيما رأى مراقبون أن القرار استباق لموجة قادمة من الغلاء وارتفاع الأسعار.
- تأجيل رفع الدعم لما بعد الاستفتاء على التعديلات الدستورية. فقد أعلن وزير الكهرباء المصري محمد شاكر الشهر الماضي عن تأجيل رفع الدعم بالكامل عن الكهرباء حتى 2021، لكن صندوق النقد الدولي أعلن أن مصر أبلغته أنها ستقوم برفع الدعم بشكل كامل في يونيو/ حزيران القادم، وفي الحالتين تم تأجيل موعد رفع الدعم حتى الانتهاء من إقرار التعديلات.
- الإفراج عن عدد من المعتقلين، مثل الصحفي هشام جعفر الذي صدر بحقه قرار من النيابة بإخلاء سبيله وأفرج عنه أمس السبت، بالإضافة إلى إطلاق سراح الناشط البارز علاء عبد الفتاح عقب قضائه مدة عقوبته، وعدم اتهامه بأي قضية أخرى مثلما فعل النظام مع معتقلين آخرين رفض إطلاق سراحهم بعد انتهاء مدة عقوبتهم.
- القيام بحملات إعلامية مكثفة لحث الناس على المشاركة في الاستفتاء والتصويت بالموافقة.
- التواصل مع أصحاب المحلات التجارية من أجل التخطيط لتعليق لافتات موافقة على التعديلات.
- لا تعني تلك الإجراءات تخلي نظام السيسي عن سياسة الترهيب، بل هو مجرد تراجع مؤقت يهدف إلى امتصاص غضب الجمهور وإقرار التعديلات، ثم ستعود سياسة الترهيب مرة أخرى بشكل أكبر، خاصة مع اقتراب موعد رفع الدعم نهائيا والآثار التي سيتركها القرار على مستوى معيشة المصريين.
تم نشره بموقع الجزيرة مباشر بتاريخ 4/7/2019