وثائقي الجزيرة يكشف تفاصيل الساعات الأخيرة للرئيس مرسي
الرئيس كان يشتكي تدخل أطراف في المنطقة في الشأن الداخلي المصري
مرسي كشف أن دولة خليجية حاولت إدخال أسلحة وأموال لسيناء
عمرو دراج: المجلس العسكري اتبع خطة خداع إستراتيجي
البرادعي أكد للأمريكان أن مرسي يشكل خطراً على المجتمع المصري
كشفت قناة الجزيرة في فيلم وثائقي بثته أمس بعنوان “الساعات الأخيرة” عن اللحظات الأخيرة لرئاسة الرئيس المعزول محمد مرسي، وكيف تدخلت المؤسسة العسكرية المصرية في الأزمة السياسية متظاهرة بالسعي إلى حلها، بينما كانت تمارس “الخداع الإستراتيجي” حتى تكمل خطوات انقلابها على أول رئيس مدني منتخب للبلاد.
واستضافت الجزيرة سعادة د. خالد العطية وزير الدولة لشؤون الدفاع الذي كان آنذاك وزيراً للخارجية: “حيث أكد لقاءه بالرئيس محمد مرسي في 12 يونيو 2013 وكان يشتكي من تدخل أطراف في المنطقة في الشأن الداخلي المصري وكان دائماً لديه قلق من مسألة وصول الأمور إلى منطقة صدام بين الجمهور والجيش، كان دائما قلقا من إراقة الدماء.
وأضاف سعادته “الرئيس مرسي ذكر أن دولة من دول الخليج حاولت إدخال أسلحة مضادة للطائرات محمولة على الكتف وأموال لسيناء وأكد انه يستطيع التفاهم مع هذه الدولة”.
وقال د. العطية: “كنا قلقين لأن أي هزة في مصر سوف تصل ارتداداتها الى منطقة الخليج، فلذلك نحينا العواطف جانبا، وتحدثنا في السياسة ومصلحة الدول، وكان يهمنا جدا بقاء الاستقرار في مصر”.
وأضاف: “بعد 3 أسابيع كانت القيادة في قطر تخشى من اراقة الدماء، وكان التواصل مع القيادة المصرية الجديدة في ذلك الوقت من أجل حثهم على منع اراقة الدماء، وكان هناك اتصال بين صاحب السمو حفظه الله والرئيس السيسي، وكان الحوار بينهما بعدم اراقة الدماء”.
الفيلم الوثائقي اشار إلى الفوضى التي عرفتها مصر في تلك الفترة، وذكر بمهلة الأيام السبعة التي أعطاها السيسي للجميع قبل تدخل الجيش وتعددت التفسيرات لموقف الجيش. وقال وزير التخطيط والتعاون المصري الأسبق عمرو دراج “إن حزب الحرية والعدالة اصدر تأييداً للتصريح الذي أصدره السيسي لأنه فهم أنه دعم الشرعية ضد القوى المعارضة” وأضاف “يبدو أن هناك خطة خداع استراتيجي من قبل المجلس العسكري رغم ان اللواء العصار اكد في قصر الاتحادية عدم رغبة الجيش في العودة إلى السلطة”.
وتحدث الفيلم إلى مقربين من مرسي بينهم خالد القزاز مساعد رئيس الجمهورية للشؤون الخارجية، حيث روى الأحداث حسب تسلسها الزمني كما رآها هو من داخل كواليس الرئاسة المصرية، قائلا إن مواقف قيادة القوات المسلحة في الأيام العشرة الأخيرة من حكم مرسي كانت تتعمد أن تكون “حمالة لكل الأوجه”.
وأكد القزاز أن الفريق الرئاسي فوجئ عصر ذلك اليوم بأن الحراسة الخاصة بالرئيس مرسي سلمت أسلحتها وغادرت القصر، ثم قطع خط الاتصال الأرضي عن رئيس الجمهورية وتم التشويش على الإرسال في مكاتب فريقه، ثم أذيع بيان الانقلاب.
تحركات مريبة
سلط الفيلم الضوء أيضاً على الأدوار التي لعبها عدد من السياسيين المصريين، مثل محمد البرادعي الذي أكد لوزير الخارجية الأمريكي آنذاك جون كيري أن الوضع أصبح لا يطاق وأن حكومة محمد مرسي كانت تشكل خطراً على المجتمع المصري”.
واعتبر التقرير أن البداية كانت منذ من 23 يونيو 2013 حيث أقيمت ندوة حضرها وزير الدفاع آنذاك عبدالفتاح السيسي وقال فيها “الدنيا تتغير في يوم وليلة” والذي كان بمثابة التحذير أو مجرد ملاحظات حول التغييرات السريعة التي شهدتها مصر.
وأكد العضو السابق في مجلس الأمن القومي الأمريكي أندرو ميلر ان السفيرة الأمريكية في القاهرة باترسون التقت مع السيسي عدة مرات واكتشفت تغييرا في سلوك السيسي في الرسائل التي كان يقدمها وخلصت الى أن هناك احتمالا بأن يتحرك الجيش للإطاحة بالرئيس مرسي.
وفي شهادته قال خالد القزاز: “حضرت عشاء رسميا مع عدد من القيادات ربت فيه السيسي على كتفي وقال يجب أن نحافظ على هذا الرجل وعلى المشروع الإسلامي”.
وذكر الفيلم الوثائقي: كانت شوارع مصر منذ 2012 حتى الآن تشهد أعمال شغب ومظاهرات متتالية وهذا الوضع استغله الجيش لتقديم نفسه على انه المنقذ الوحيد.
السيسي للحداد: الاتفاق مع مرسي “لاغي” و”الباشا لازم يمشي”
تحدث د. خالد بن محمد العطية الى عصام الحداد مساعد رئيس الجمهورية بأن هناك مبادرة امريكية، مشيرا إلى انه ورده اتصال من جون كيري وزير الخارجية الامريكي وذكر له ملامح المبادرة التي قام بنقلها الى الحداد – وبحسب العطية – كانت تتحدث عن تعديل في الدستور وانتخابات مبكرة وصلاحيات محدودة جدا للرئيس محمد مرسي في ذلك الوقت. ويضيف العطية: “على حسب ما وردنا فيما بعد أن عصام الحداد اتصل بالسفيرة الامريكية في مصر وأعتقد ان المكالمة كانت بأن الوقت تأخر كثيرا”. يوضح خالد القزاز: بعد التشاور مع مرسي اخذ الحداد الرد على المبادرة واتصل بالسفيرة الامريكية لكنها استوقفته وقالت ان السيسي يجتمع مع الاطراف الاخرى للاتفاق على اعلان عزل الرئيس مرسي.
اتفاق 2 يوليو
ويقول خالد القزاز إن المؤسسة العسكرية كانت تحاول اظهار انها تهدئ الاوضاع، وفي الاول من يوليو طلبت السفيرة الامريكية مقابلة د. عصام الحداد، وعرضت اجراء تعديل وزاري مقبول وفي المرة الثانية كان الطلب ان يفكر مرسي في انتخابات رئاسية مبكرة. يواصل القزاز: كنا ننتظر انفراجة 2 يوليو وقابل السيسي الرئيس مرسي وايضا هشام قنديل رئيس الوزراء كان مطلوبا منا كفريق رئاسي ان نشتغل على ورقة وتم تقديمها بناء على توصيات الرئيس وفيها عرض لأول مرة تغيير قنديل بوزير يتم الاتفاق عليه بين القوى المختلفة والمؤسسة العسكرية وتغيير وزاري شامل، وفي نهاية اللقاء قال الرئيس للسيسي “هو ده الاتفاق الذي اتفقنا عليه يا عبدالفتاح؟ فرد الأخير: هو ده الاتفاق وزيادة”.
ويقول القزاز ان ما جرى الاتفاق عليه كان بداية الحل للازمة ولكن عند السادسة اتصل العصار عضو المجلس العسكري بالدكتور عصام الحداد وأبلغه أن السيسي يقول إن الاتفاق “لاغي” وان “الباشا لازم يمشي”. ويوضح القزاز ان الاجواء كشفت ان هذا الانقلاب العسكري كامل وان هناك حاجة لخروج الرئيس مرسي في خطاب الى الشعب لكن المشكلة ان التلفزيون تحت سيطرة الجيش وتحدثت الصحف عن الانقلاب.
القزاز: أوباما طلب من مرسي تقديم تنازلات لاحتواء الأزمة
كبار المسؤولين الأمريكيين كانوا على علم بوقوع انقلاب عسكري
مع اقتراب الثلاثين من يونيو ازدادت التصريحات الدولية، حيث أكد الرئيس الامريكي آنذاك باراك اوباما دعم واشنطن للتظاهرات السلمية ورسالة التغيير السلمي في مصر.
وكان كبار المسؤولين في الحكومة الامريكية في تلك الاثناء، بحلول الخامس والعشرين من يونيو 2013 على دراية باحتمال وقوع انقلاب عسكري على مرسي. وحينما اتصل الرئيس اوباما ليشير عليه بالتفكير في تقديم تنازلات ازاء مكامن القلق الشرعية التي كانت لدى المعارضة المصرية كان ذلك نابعا من اهتمام صادق في محاولة لترسيخ حالة الاستقرار في مصر. ويقول خالد القزاز، مساعد الرئيس المعزول محمد مرسي للشؤون الخارجية إنه سمع الرئيس اوباما وهو يقدم مقترحات بشكل دبلوماسي للرئيس مرسي حول ضرورة تقديم تنازلات حقيقية يستطيع من خلالها احتواء الاطراف السياسية المختلفة.
بواعث القلق
وحين لم يتبق لموعد الثلاثين من يونيو إلا ثلاثة ايام، قرر الرئيس مرسي مخاطبة الشعب بحضور قادة الجيش والشرطة في محاولة منه لامتصاص موجة الغضب. واعتبر القزاز ان خطاب 26 كان خطابا فاصلا، مؤكدا أن مستشاري مرسي كانوا جزءا من التحضير والاعداد للخطاب وتمت مشاورتهم والرئيس تدرب عليه اكثر من مرة.
لكن عمرو دراج وزير التخطيط والتعاون الاسبق يقول إن “الخطاب كان أطول قليلا من المفترض، لكن أكثر ما أقلقني هو مغادرة المهندس اسعد شيحة نائب رئيس ديوان رئاسة الجمهورية قبل انتهاء الخطاب، وهو مفروض يكون اقرب الناس للرئيس، وبدا من الصعب تصور لماذا غادر قبل انتهاء الخطاب.. هل كان لديه احساس بأن الموضوع اصبح اكثر صعوبة أو لم يكن سعيدا بالرسائل التي ارسلها الخطاب؟ الله اعلم، ايضا تعزز القلق لدي لأني لمحت السيسي ساعتها وقد كان وجهه يبدو جامدا أثناء الخطاب”.
استجاب مرسي بالفعل لبعض مطالب المعارضة ضمن الخطاب ومن بينها تشكيل لجنة مستقلة لاعداد التعديلات الدستورية المقترحة من جميع الاحزاب والقوى السياسية، والزام المحافظين والوزراء بتعيين مساعدين لهم من الشباب. غير أن هذه الرسائل ضاعت وسط خطاب بات مطولا ومليئا باشارات مبهمة. ولعل اشهر جملة في هذا الخطاب جاءت في حديث الرئيس عن القوات المسلحة، وامتداحه بالقول إن الذين يستخفون بمصر وأمنها ومحاولة توريط البلاد لن ينجحوا لأن مصر لديها رجال كالذهب في القوات المسلحة. ويقول القزاز “كانت تلك الاشارة مفهومة من الرئيس وهو يشيد بالاغلبية العظمى من المؤسسة العسكرية وكونها لا تستجيب لدعوات التآمر، وهو امر طبيعي أن يرسل تطمينات لقادة الجيش.. لكن الرئيس مرسي كانت لديه قناعة بأن بعض القيادات في القوات المسلحة بدأت فعلا تتآمر، لكني اعتقد انه لم يكن يظن ان من بينهم السيسي”.
انتشار عسكري
كانت الاجواء فيها تفاؤل شديد في هذه اللحظة لأن الرئيس تحدث عن روح الثورة والاجراءات المتفق عليها. لكن معارضي الرئيس لم يشاركوه التفاؤل نفسه، حيث جاء رد فعلها على لسان قادتها بأن خطاب مرسي لن يزيدهم الا اصرارا على التمسك بدعوتهم لانتخابات رئاسية مبكرة.
اصرار المعارضة ورفع سقف مطالبها، من انتخابات مبكرة الى التنحي الفوري وغير المشروط جاء بعد يوم من انتشار واسع للجيش.
يحيى حامد وزير الاستثمار في حكومة قنديل في عهد مرسي، يقول إن المؤسسة العسكرية في ذلك الوقت قامت بخطوات كانت تظهر للرئيس اجزاء منها ولكن كان تحركاتها أكثر توسعاً مما تم الاتفاق عليه.
يقول أندرو ميلر نائب مدير مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط هذا التصرف في الصفحات العشر من كتيب الانقلاب حيثما تدفع بقوات الجيش من أجل تأمين مواقع الاتصالات والمباني العامة. ولو انهم كانوا يسعون باخلاص نحو توفير الامن لدفعوا بهذه القوات الى مواقع الاحتجاجات الرئيسية، وليس الى المرافق الاساسية الضرورية بالنسبة لادارة الحكومة. ويقول يحيى حامد للأسف فإن عملية الانتشار تمت بعلم الجميع في مجلس الوزراء والرئاسة لحماية الدولة، لكن كانت هناك خطة مغايرة من الجانب الآخر، ليس لحماية الدولة، لكن خطة للانتشار للسيطرة على مرافق الدولة والمواقع الاستراتيجية.
الجيش ساق مصر إلى شفا الهاوية بانقلابه على الرئيس المنتخب
عن أوقات ما بعد بيان 3 يوليو قال القزاز: “كنا مجتمعين في غرفة الاجتماعات الملحقة بمكتب الرئيس بمقر الحرس الجمهوري، وكنا نتابع الاخبار وكنا 9 أفراد بمن فيهم رئيس الجمهورية، ثم دخل اللواء محمد زكي قائد الحرس الجمهوري في ذلك الوقت ووقف على الباب، وكان مترددا بشكل كبير وفي شدة القلق. وأجلسه الرئيس على يمينه، وعرف منه الاجراءات في هذا الوضع، وأن الرئيس مرسي قيد الاقامة الجبرية في دار الحرس الجمهوري، وبالتالي فإن قائد الحرس الجمهوري المناط به حماية الرئيس من الانقلاب العسكري هو بنفسه من نفذ الانقلاب”.
وعلق أندرو ميلر بقوله: “كان التخوف مهيمنا على الجو في أروقة الادارة الامريكية، لأن أزمة الرئيس مرسي تزيد من حدة الضغوط على المؤسسة المعنية بأمن السياسة الخارجية الامريكية”.
استيقظت مصر على واقع جديد، وقد ملأت الشوارع صور وزير الدفاع وقتها عبدالفتاح السيسي وهذه الصور وزعتها سيارات نقل جابت شوارع القاهرة، علاوة على عناوين صحف مجدت القائد العسكري، ولكن في رابعة كان الحال حال غضب واستنكار، فالبنسبة لهؤلاء فإن الجيش الذي من واجبه حماية البلاد قد ساقها الى شفا الهاوية.
وأضاف القزاز: في 4 يوليو سمحوا لنا بأن نذهب للرئيس مرسي في الصباح، وتفاجأت بأن الرئيس في حالة هدوء شديد وقال انه لأول مرة من توليه الحكم يستطيع النوم، فقد بذل ما في وسعه للحفاظ على المسؤولية، ولكن هذه المسؤولية انتقلت للشعب المصري مرة أخرى ليختار ما بين الدولة العسكرية البوليسية او استعادة ثورته، وفي 5 يوليو طلبوا منا اخلاء المكان وقمنا بتوديع الرئيس مرسي”.
وكان السيسي حريصا على كسب ثقة المجتمع الغربي واظهار انقلابه كثورة، فتم تعيين البرادعي نائبا لرئيس الجمهورية، واعلنت الحكومة أنها لن تقصي أحدا، ولكن ما تم بعد ذلك هو العكس، فجميع المعارضة وقنواتها وصحفها قد اغلقت، كما تم القبض على قادة الاخوان وحلفائهم.
وقال أندرو ميلر: كان البرادعي يلعب دورا في الحكومة الجديدة، وكان ذلك مدعاة لأن يرى وزير الخارجية الامريكي أن الانقلاب العسكري يمكن أن يؤدي شيئا مفيدا لمصر ولحقوق الانسان وكان يثق في دقة المعلومات التي يسمعها من البرادعي في ذلك الوقت والتي تشير الى فرصة لاصلاح سياسي حقيقي.
وتابع بقوله: كنا نعتقد بأن استمرار حبس مرسي خطأ، ولم نكن نعلم مكان احتجازه، وكنا قلقين حول مصيره وماذا سيفعل الجيش معه وحتى لو علمنا بأن هذا الامر لن يساعد اطلاقاً.
ولكن تبين لاحقاً أن مظاهرات 30 يونيو لم تعبر عن كل المصريين، وأن هناك ملايين يرفضون ما قام به الجيش ويصرون على رجوع محمد مرسي، فكان على الجيش ابعاد الرئيس في أسرع وقت ولذلك اصطحبوا الرئيس لمكان آخر بالطائرات الهليكوبتر. ولكن كلما مرت الأيام زاد الغضب بين المتظاهرين، وزاد الانقسام في المجتمع بين من يطالب بعودة الرئيس ومن يطالب الجيش بفض اعتصام رابعة حتى ولو بالقوة، وهو ما تم فعلاً ونتج عنه مجزرة لم يشهد مثلها في تاريخ مصر الحديث.