السيسي و”كيكي”.. سخرية تزيد أوجاع المصريين
بعد غرق العبارة (السلام 98) عام 2006، ظهر الرئيس المخلوع حسني مبارك في لقاء مع أحد المواطنين وهو يسخر من الحادث، فعندما كان الأخير يتحدث عن طريقة ذهابه لعمله عن طريق ركوب “عبّارة” رد مبارك قائلا “عبّارة من اللي بيغرقوا”؟ الأمر الذي أثار ردود أفعال غاضبة من مصريين اعتبروا التعليق استهتارا بحياة المواطنين واستخفافا بكارثة أودت بحياة أكثر من 1300 مواطن.
محاسبة الشعب
آخر أشكال السخرية ظهر في كلمة السيسي الذي توعد المصريين بأنه سيقوم برفع أسعار البنزين بسبب قيام بعضهم بالمشاركة فيما يسمى “تحدي كيكي” وهو عبارة عن قيام الشخص بترك السيارة تسير بسرعة بطيئة والرقص وهو يسير بموازاتها، ليخاطب الرئيس وزير البترول طارق الملا قائلا “زوّد البنزين متقلقش” وهو ما أثار انتقاد مصريين اعتبروا ذلك استخفافا بمعاناتهم من رفع الأسعار المتكرر الذي قامت به الحكومة في البنزين والكهرباء والمترو والمياه فضلا عن زيادة الضرائب والرسوم، بالإضافة إلى أن النسبة الأكبر من المصريين لا يمتلكون سيارات من الأصل ويستخدمون المواصلات.
ويحاول السيسي بصورة مستمرة التخفيف من حدة إجراءاته الاقتصادية باللجوء إلى تصريحات توضح استعداده للتضحية من أجل مصر، مثل تصريحاته السابقة بأنه مستعد لبيع نفسه، وتأكيده أن ثلاجته ظلت لمدة 10 أعوام لا تحتوي إلا على المياه، كما أبدى استعداده لتناول وجبة واحدة فقط يوميا، لكن هذه التصريحات لم يجد المصريون صدى لها على أرض الواقع تثبت جديتها، بل بالعكس دافع السيسي عن بذخ الإنفاق الذي تقوم به الحكومة ونواب البرلمان.
ففي رده على سؤال حول “لماذا لا يتقشف الوزراء والنواب”؟ قال السيسي بمؤتمر الشباب الأخير إن المصريين يهدرون ربع طعامهم في رمضان، دون أن يشرح العلاقة بين طعام المصريين وإهدار المال العام من جانب النواب والوزراء، كما يكشف ذلك مرة أخرى أن الرئيس لديه تصورات عامة عن المصريين ويعتقد أن جميعهم يهدر الطعام، رغم أن النسبة الأكبر من المواطنين تنتمي للطبقات الفقيرة وشديدة الفقر، والتي قد لا تجد قوت يومها من الأساس.
|
|
وبدا السيسي في مؤتمر الشباب الأخير وكأنه يحاسب المصريين بدلا من أن يخضع هو للمحاسبة من الشعب، وقد أعرب أكثر من مرة عن هذه الرؤية عندما قال إنه حزين بسبب (هاشتاغ) وسم “ارحل يا سيسي” كما أعرب قبل ذلك عن استيائه من اهتمام المصريين بقضية تيران وصنافير بدلا من الاهتمام به قائلا “بدل ما تتطمنوا على الجزيرتين اطمنوا على الراجل اللي أمنتوه يحكم بلدكم” ليرد المصريون الغاضبون عليه بوسم “ارحل يا كيكي” على وزن الوسم الشهير “ارحل يا سيسي”.
|
كما انتقد المصريون قيام السيسي بمحاسبتهم فيما يقومون به من أموالهم الخاصة، بدلا من أن يتعرض للمساءلة على ما تستهلكه عربات موكبه المصفحة والطائرات العسكرية التي تحرسه، فضلا عن تكاليف الاحتفالات والمؤتمرات التي يعقدها بصورة دورية، والمشروعات الكبرى التي تم تنفيذها ولم تحقق عائدا للاقتصاد مثل مشروع قناة السويس الجديدة والعاصمة الإدارية الجديدة.
|
العرض والطلب
الحكومة كانت قد رفعت أسعار البنزين 4 مرات منذ تولي السيسي الحكم، ويبدو أنه يمهد لرفع السعر لمرة خامسة خلال الفترة القادمة، عبر اتهام الشعب بالإسراف والبذخ وتحميله المسؤولية عن تلك الزيادات. لكن الثابت أن زيادة سعر البنزين ستحدث فعلا، لكن ليس بسبب “كيكي” وإنما لأن تلك الزيادة متفق عليها من قبل مع بداية حصول مصر على قرض بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، بعد الاتفاق على خطة تتضمن تعويم الجنيه الذي أدى لخسارة العملة الوطنية أكثر من نصف قيمتها أمام الدولار، ورفع الدعم عن الطاقة نهائيا بحلول منتصف 2019، وهو ما يعني أن النظام سيرفع سعر البنزين أكثر من مرة خلال الأشهر المقبلة، كما يعني أن السيسي هو المسؤول الأول عن رفع الأسعار، وليس أي مسؤول آخر أو “التجار الجشعين” كما تحاول الأذرع الإعلامية للنظام أن تنسب لها المسؤولية.
ويأتي الارتفاع المتوقع لأسعار الكهرباء والبنزين رغم قيام السيسي بافتتاح محطات توليد كهرباء عملاقة قيل إنها ستقضي على مشكلة الانقطاع المتكرر للكهرباء، وكذلك الإعلان المتكرر عن اكتشاف حقول غاز كبيرة قال النظام إنها ستساهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي.
لكن النظام المصري يتبع سياسة اقتصادية تقوم على الفصل بين العرض والطلب، أي أن توافر السلعة ليس معناه توافرها بسعر رخيص وفي متناول الجميع، ويعتبر قانون العرض والطلب هو الأساس الذي يقوم عليه الاقتصاد.
وسبق أن عبر وزير البترول عن ذلك بعد قيام مصر باستيراد الغاز من إسرائيل، قائلا إن تحقيق الاكتفاء الذاتي لا يمنع الاستيراد. كما صرح المتحدث باسم وزارة البترول حمدي عبد العزيز أن تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز لا يعني توفيره بأسعار رخيصة للمواطنين، بل أشار إلى أن زيادة إنتاج الغاز المحلي ستجعل الحكومة ترفع الدعم عن الغاز، وهو ما سوف يؤدي إلى ارتفاع أسعاره بصورة أكبر.
تهديد ووعيد
ولا ينفك السيسي يقول إن البلاد تشهد أزمة مالية لا تسمح بتطوير التعليم أو السكك الحديدية أو العلاج، ودائما ما يقوم بتخيير المواطن بين أمرين ضروريين للحياة، فقد سبق أن تساءل “يعمل إيه التعليم في وطن ضايع” في معنى قصد منه تفضيل الأمن على التعليم، كما أعرب قبل ذلك عن رفضه تطوير السكك الحديدية قائلا إن المبلغ المرصود للتطوير (10 مليارات جنيه) يمكن أن يوفر عائدا جيدا إذا أودع بالبنك, وفي مؤتمر الشباب الأخير، قال إن تطوير التعليم لا يتحقق بتناول الطعام، كما أخبر المصريين أنه سيختار علاج المرضى بدلا من إطعامهم، كما دعا لتطوير الجامعات، لكنه قال بنفس الوقت إنه لا توجد أموال لتحقيق ذلك.
تحميل الشعب مسؤولية الأوضاع التي يعانيها امتزج بخطاب التخويف الذي يظهر بصورة متكررة في أحاديث السيسي، في إطار حديثه عما سماه “تطور الدولة المصرية” قائلا إن التجربة لا تقاس بمؤشر الأسعار فقط، ضاربا المثل باعتصامي رابعة والنهضة، دون أن يوضح الغرض من ذلك التذكير، وما إذا كان بغرض تخويف المصريين من الاعتراض حتى لا يلاقوا مصير معتصمي رابعة والنهضة، أو الفخر بفض الاعتصامين وقتل المئات من المصريين وإصابة الآلاف.
وتظهر مفردات التهديد والوعيد بخطاب السيسي في أكثر من مناسبة، ففي أكتوبر/ تشرين الأول 2016 صرح بأن “حجم ضبط النفس من الدولة تجاه الشعب كان كبيرا لتجنب حالة الاحتقان السائد” وهو ما أثار تساؤلا عن سبب قيام الرئيس بفصل الدولة عن الشعب وتصويرهما ككيانين منفصلين، وتهديد الشعب بالقمع بصورة مباشرة، وهو تهديد تكرر أكثر من مرة، مثل حديث السيسي عن استعداد الجيش للانتشار خلال 6 ساعات في حال حدوث أي اضطرابات.
تم نشر هذا المقال بتاريخ
8/4/2018