تركي آل الشيخ وأزمات الرياضة السعودية

على مدار الأشهر الماضية، تسبب رئيس الهيئة العامة للرياضة السعودية تركي آل الشيخ في العديد من المشكلات والأزمات مع دول عربية وكيانات إقليمية ودولية، بسبب سياساته وتصريحاته التي استفزت قطاعات واسعة من الجمهور، حتى مع دول تعد حليفة للسعودية على المستوى السياسي والاقتصادي. وهو ما أدى إلى الإضرار بشدة بصورة السعودية على المستوى الشعبي في العديد من البلدان.

وقد كان لافتا احتفاء جماهير عربية بهزيمة المنتخب السعودي بخماسية نظيفة أمام نظيره الروسي في افتتاح مباريات كأس العالم، وقد أكد نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي أنهم دائما ما كانوا يدعمون المنتخب السعودي في مبارياته، وأن تلك هي المرة الأولى التي يشجعون فيها منتخبا آخر في مواجهة منتخب عربي، لكنهم عزوا أسباب ذلك إلى فرحتهم في تركي آل الشيخ، الذي كان قد أثار استياءهم وغضبهم طيلة الفترة الماضية. وفي السطور التالية نستعرض أبرز تلك الأزمات التي أشعلها آل الشيخ.

مصر.. صدام مع الجميع
آخر تلك الأزمات هي المشكلة التي أثارها وزير الرياضة السعودي مع النادي الأهلي المصري، وقد بدأت منذ أواخر مايو/أيار الماضي، عندما اعتذر عن الرئاسة الشرفية للنادي ونشر بيانا هاجم فيه مجلس إدارة الأهلي برئاسة محمود الخطيب، وأتبع ذلك البيان ببيانات وتصريحات أخرى تهاجم النادي ومجلسه وجمهوره، بعد أن فشل في السيطرة على النادي اعتقادا منه بأن الملايين التي أنفقها على صفقات الأهلي الجديدة ستكفل له التحكم بالقرارات.

ورغم إعلانه مؤخرا تنازله عن الدعاوى القضائية التي كان يعتزم رفعها ضد النادي وطي صفحة الخلافات مع الأهلي في مداخلة هاتفية على قناة صدى البلد مع المذيع أحمد شوبير، فقد عاد مرة أخرى إلى افتعال المشكلات، بعد إعلان الوكيل القانوني له محمد حمودة أمس الأربعاء عن انسحاب شركة “صلة” السعودية من عقد رعاية الأهلي في السنوات الأربع المقبلة الذي تبلغ قيمته 500 مليون جنيه، وقال حمودة إن قرار الانسحاب جاء بسبب ما سماه “رد الفعل غير المقبول من النادي الأهلي لمبادرة تركي آل الشيخ” بعد أن تجاهل مجلس إدارة الأهلي كلام آل الشيخ ولم يصدر أي رد عليه.

وقد تفاعل مغردون مصريون على مواقع التواصل للرد على ما رأوه محاولة من آل الشيخ لابتزاز النادي، وأطلقوا وسم #الأهلي_فوق_الجميع، وكذلك وسما آخر يحمل إساءة لآل الشيخ أكدوا من خلالهما أن الأهلي أكبر من أي عقود أو أموال، داعين مجلس إدارة النادي إلى إعلان الانسحاب من الاتفاق مع شركة “صلة” أو مطالبتها بالشرط الجزائي المكتوب في العقد. وقد دشن نشطاء سعوديون وسما آخر يحمل عنوان #تركي_آل_شيخ_البطل للرد على الوسم المصري المسيء، وهو ما ينذر بمواجهة بين الجمهور المصري والسعودي بسبب آل الشيخ تعيد إلى الأذهان الصدام المصري الجزائري عام 2009 بسبب مواجهة المنتخبين المصري والجزائري في تصفيات كأس العالم 2010، وهو سيناريو حذر العديد من المتابعين والنقاد من تكراره إذا ما استمر تركي آل الشيخ في أفعاله.

لم تكن الأزمات التي تسبب بها تركي آل الشيخ في مصر مع جماهير الأهلي فقط، فقد استعدى جماهير الكرة المصرية بتصريحات عدها المصريون مستفزة عن النجم محمد صلاح، إذ أعرب آل الشيخ أكثر من مرة عن تمنياته بتعرض صلاح للإصابة حتى لا يلعب المباراة ضد المنتخب السعودي في كأس العالم. وبعد تعرض صلاح للإصابة بالفعل في نهائي دوري أبطال أوروبا، نشر تركي آل الشيخ عددا من الأخبار المفبركة حول حالة صلاح، مؤكدا أنه لن يستطيع اللحاق بمباريات الدور الأول من المونديال.

وقد أثارت تلك التصريحات الجمهور المصري ووصلت إلى درجة انتشار نظرية المؤامرة حول إصابة صلاح، واحتمال وجود دور لتركي آل الشيخ في تلك الإصابة. وبغض النظر عن استبعاد تلك الفرضية، فإن انتشارها على حسابات المصريين على مواقع التواصل تكشف عن مدى حنقهم من تصريحات وأفعال الوزير السعودي.

وقد شهدت الساعات الأخيرة قبل مباراة مصر والسعودية تحركات كثيفة من تركي آل الشيخ لتشتيت المنتخب المصري قبل المواجهة، فقد أعلن مرتضى منصور رئيس نادي الزمالك أن النادي قام ببيع لاعبيه طارق حامد وعلي جبر لنادي الأهرام الذي يمتلكه تركي آل الشيخ قبل المباراة بيوم واحد، وقد فوجئ اللاعبان بذلك الإعلان وأثار غضبهما لعدم استشارتهما في ذلك، لينفي نادي الأهرام تلك الأنباء بعد انتهاء المباراة، بعد أن أدت هدفها في تشتيت اثنين من أبرز لاعبي التشكيلة الأساسية للمنتخب.

كما تقدم رئيس نادي الزمالك ببلاغ للنائب العام ضد لاعب الأهلي والمنتخب وأحد أهم أعمدته الأساسية عبد الله السعيد قبل ساعات من المباراة، وهو ما رأى فيه مراقبون تورطا من منصور في مخطط تشتيت لاعبي المنتخب، خاصة أن تركي آل الشيخ تكفل بقيمة عقد مدرب الزمالك الجديد السويسري “آلان غروس” ما دعا نشطاء إلى القول بأن ذلك الدعم يعد “مكافأة” من آل الشيخ لرئيس الزمالك على دوره قبل مواجهة مصر والسعودية.

كما اتهم متابعون على مواقع التواصل مسؤولي اتحاد الكرة المصري بتعمد توريط نجم المنتخب محمد صلاح في أزمة مقابلة رئيس الشيشان رمضان قديروف، الأمر الذي جلب سخط الصحافة البريطانية عليه قبل المباراة وساهم في هزيمة المنتخب أمام السعودية. كما لم ينقطع آل الشيخ عن تصريحاته المستفزة بعد المباراة قائلا إنه لولا عصام الحضري لكانت النتيجة “تاريخية”.

ويرى قطاع من الجمهور المصري أن شراء تركي آل الشيخ لنادي الأهرام يأتي بهدف سحب البساط من النادي الأهلي ومحاولة السيطرة على الرياضة المصرية وتخريبها، عبر إغراء اللاعبين المميزين بالالتحاق بالنادي بمبالغ طائلة لا تستطيع الأندية الأخرى دفعها، خاصة مع عدم وجود قانون يلزم الأندية بوضع سقف لتعاقداتها. واتضح حرص آل الشيخ على مواجهة الأهلي عبر استعانته بمدرب الأهلي السابق حسام البدري رئيسا لنادي الأهرام، كما استعان بلاعبي الأهلي السابقين أحمد حسن وهادي خشبة وأسند إليهما مناصب كبيرة بالنادي الجديد. كما قام آل الشيخ بإفراغ الدوري المصري من عدد من اللاعبين المميزين واستقدمهم للعب في الدوري السعودي، مثل حسين السيد ومحمود كهربا وعصام الحضري وحسام غالي وشيكابالا وغيرهم.

ولا تتوقف تدخلات تركي آل الشيخ في الرياضة المصرية عند هذا الحد، بل وصلت إلى الإعلام المصري أيضا، فقد تسبب في وقف إعلاميين مصريين عن العمل بسبب انتقادهم له، وكان المذيع أحمد سعيد آخر من أوقفوا عن العمل وحولوا للتحقيق من قبل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، بعد أن كشف عن تهديد الوزير السعودي له بالقتل، وقد جاء قرار المجلس بعد أن كتب آل الشيخ منشورا يعبر عن ثقته في أن السلطات المصرية ستتخذ إجراءات ضد المذيع، ما يكشف عن مدى النفوذ الذي يتمتع به وقدرته على فرض إرادته.

كما أجبرت السلطات المصرية عددا من المواقع الإلكترونية على حذف أخبار كانت قد نشرتها عن تركي آل الشيخ، ومنها أخبار عن اعتدائه على المطربة آمال ماهر، فضلا عن حجب موقع “في الفن” بسبب نشره هذا الخبر. واللافت أن آل الشيخ كان قد نشر على حسابه بموقع فيسبوك رابط تقرير نشره موقع “مصراوي” عن التحليل النفسي لشخصيته دون أن يكتب أي تعليق، قبل أن يقوم الموقع بحذف التقرير من دون إبداء أسباب، وكأنه يريد توصيل رسالة غير مباشرة أنه قادر على إجبار الموقع على حذف التقرير، وهو ما حدث بالفعل.

المغرب ومونديال 2026
ارتبط مونديال روسيا مع حدث استفز الجمهور المغربي، ألا وهو حسم سباق تنظيم كأس العالم 2026، الذي كانت تتنافس فيه المغرب مع ملف مشترك مقدم من الولايات المتحدة وكندا والمكسيك.

فمنذ أشهر عديدة قبل التصويت على الملف الفائز، أعلن تركي آل الشيخ أكثر من مرة عن دعمه للملف المشترك على حساب الملف المغربي، كما صرح أكثر من مرة بأن الملف الأميركي هو الأفضل، وبذل مجهودات كبيرة من أجل حشد أصوات الاتحادات الآسيوية والأفريقية لصالح الملف المشترك، الأمر الذي رآه المغاربة “خيانة” لهم وتناقضا مع تولي تركي آل الشيخ منصب رئيس الاتحاد العربي، خاصة أن جامعة الدول العربية كانت قد قررت دعم الملف المغربي أثناء اجتماعها بالسعودية في مايو/أيار الماضي، وأوصت بتقديم المساعدة اللازمة للمغرب تأكيدا على الروابط الوثيقة بين الدول العربية، وقد أعلنت الجزائر دعم ملف المغرب رغم الخلافات السياسية بين البلدين، بينما دعمت السعودية الملف المشترك رغم العلاقات الوطيدة بينها وبين المغرب.

‪تركي آل الشيخ ورئيس الاتحاد الأميركي‬ (مواقع التواصل الاجتماعي)

وقد عبر تركي آل الشيخ عن سبب دعم السعودية للملف المشترك في تغريدات سابقة قائلا إن “اللون الرمادي لم يعد مقبولا لدينا” في إشارة واضحة لموقف المغرب من أزمة حصار قطر، وأن السعودية تخيّر المغرب بينها وبين قطر، على طريقة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش “من ليس معنا فهو ضدنا”. وقد أعرب وزير الرياضة المغربي رشيد الطالبي عن أسف بلاده لما سماها “الخيانة” التي تعرض لها من “بعض الدول العربية” من دون أن يسميها، وذلك أثناء عملية التصويت على استضافة مونديال 2026.

تونس والشوالي
بلد آخر تسبب آل الشيخ في استعداء جماهيره، حين سب المعلق التونسي الشهير عصام الشوالي ومواطنه هشام الخلصي ووصفهما بـ”الخونة والحشرات”، مما أثار عاصفة من الانتقادات على المستوى الذي وصل إليه المسؤول الأول عن الرياضة السعودية. خاصة أن سباب تركي آل الشيخ كان بسبب كلمة مغلوطة نسبت إلى الشوالي لم يتفوه بها، لكن تركي آل الشيخ أعاد نشر إساءته مرة أخرى على صفحته بموقع فيسبوك، وهو ما دعا رئيس جمعية الصحفيين التونسيين إلى الرد عليه ومطالبته بالاعتذار، مؤكدا أنه لن ينزل إلى مستوى الحديث الذي تفوه به آل الشيخ، كما تعهدت الجمعية في بيان لها بمقاضاة آل الشيخ أمام المحاكم التونسية والدولية. وكان لافتا كذلك أن الجمهور السعودي نفسه قد استنكر الإساءة لعصام الشوالي ودشن وسم #الشوالي_في_قلوبنا فاحتل المركز الأول بالمملكة لفترة طويلة.

الكويت
الأزمات التي تسبب بها تركي آل الشيخ بدأت منذ توليه منصبه بفترة قليلة، واستهلها مع دولة الكويت، بعدما هاجم الوزير الكويتي خالد الروضان ووصفه بأنه “مرتزق” بعد زيارة الأخير إلى الدوحة لتقديم الشكر لدولة قطر على مساهمتها في رفع الإيقاف عن الرياضة الكويتية.

وقد أدى هجوم آل الشيخ إلى إعراب الكويت عن أسفها من تلك الإساءة بحق أحد وزرائها، كما هاجم إعلاميون كويتيون آل الشيخ، ودشن مغردون كويتيون وسم #محشوم_خالد_الروضان للرد على الإساءة.

وكان آل الشيخ قد حاول أن ينسب إلى نفسه الفضل في صدور قرار رفع الإيقاف عن الرياضة الكويتية، زاعما أن الوساطة السعودية فقط هي التي قادت لحل المشكلة، فظهر آل الشيخ متحدثا عن مجهوداته لحل الأزمة، وتحدث الإعلام السعودي عن “مسيرة” آل الشيخ لرفع الإيقاف عن الرياضة الكويتية، لكن قيام المسؤولين الكويتيين بتوجيه الشكر إلى دولة قطر على مساهمتها الفعالة في ذلك القرار أغضب آل الشيخ والمسؤولين السعوديين.

لم يكن ذلك الهجوم هو الأول من تركي آل الشيخ بحق مسؤول كويتي، فقد هاجم قبل ذلك الشيخ أحمد الفهد الأحمد الصباح رئيس المجلس الأوليمبي الآسيوي، قائلا في مداخلة هاتفية إنه “أصغر من أن يهدد المملكة العربية السعودية ورياضتها”، على حد قوله. كما اتهمه بتلقي التعليمات من الدوحة، وتحدث في مرة أخرى عمن سماهم “أقزام آسيا” لتقوم اللجان الإلكترونية السعودية بتدشين وسم مسيء يحمل هذا الاسم حمل هجوما على أحمد الفهد بشكل غير مباشر من دون تسميته، وشارك في الوسم عدد من المطربين السعوديين الذين يعملون مع تركي آل الشيخ، مثل راشد الماجد وعبد المجيد عبد الله وماجد المهندس ورابح صقر. وتزامن ذلك مع هجوم إعلاميين سعوديين على الاتحاد الآسيوي لكرة القدم أيضا متهمين إياه بأنه “دمية” بيد الشيخ أحمد الفهد. رغم أن رئيس الاتحاد الآسيوي سلمان بن إبراهيم آل خليفة هو شخصية بحرينية.

الاتحاد الأوروبي
على المستوى الدولي دخل تركي آل الشيخ في مشكلة محرجة مع رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا) ألكسندر تشيفرين بعد أن نفى الأخير معرفته بآل الشيخ.

وكان آل الشيخ قد هاجم رئيس الاتحاد الأوروبي واصفا إياه بـ”المتلون”، زاعما أن الأخير طلب مقابلته وأنه رفض، داعيا إياه إلى اتخاذ موقف ضد مجموعة قنوات “بي إن سبورتس”. ليرد حساب يويفا على تويتر نافيا مزاعم آل الشيخ قائلا إن رئيس الاتحاد لا يعرف آل الشيخ، ولذا لا يوجد سبب للقائه، ما تسبب في إحراج كبير للأخير والإضرار بسمعة السعودية على المستوى الدولي.