العالم العربيالعربي الجديدرياضةمقالات العربي الجديد

كأس العالم.. تنبؤات ومبالغات عربية

تعد مباريات بطولة كأس العالم المقامة حالياً في روسيا من مواسم الهوس بالتنبؤ عند البشر، وخصوصاً التنبؤ بنتيجة المباريات، والفرق الفائزة والصاعدة، وغير ذلك من التنبؤات التي تزدهر بسببها شركات المراهنات التي تجني أرباحا طائلة من وراء ذلك الهوس، كما تتم الاستعانة بأحد الحيوانات في كل بطولة، ويتم تقديمه باعتباره عرّاف المونديال، بدءًا من الأخطبوط بول وحتى القط أخيل، بل إن جامعات وشركات تقوم بتطوير نماذج إحصائية ورياضية، وبرامج ذكاء اصطناعي، للتنبؤ بالنتائج، وتحديد حظوظ المنتخبات في الفوز بالمونديال.
قبل مباريات المنتخبات العربية في البطولة، كان عديدون ممن يسمون أنفسهم خبراء ونقادا رياضيين، وكذلك من غيرهم، على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر وتونس والمغرب والسعودية، يؤكدون، بكل ثقة، أن منتخبهم العربي سيصعد إلى الدور الثاني، ومنهم من طالب متابعيه بالاحتفاظ بنسخةٍ من تلك المنشورات، ليعودوا إليها بعد انتهاء مباريات الدور الأول، بعد أن يثبت صدق توقعاتهم وتنبؤاتهم. ودخل أحد المذيعين في “رهان” على الهواء مباشرة مع أحد المدربين على أن المنتخب المصري سيصعد إلى الدور من البطولة، وقدم المذيع تعهدا على نفسه بدفع مائة ألف جنيه مصري للمدرب، إذا خرجت مصر من الدور الأول. لتأتي مباريات المنتخبات العربية بمثابة فضيحة رياضية، امتزجت في بعض الحالات، مثل المنتخب المصري، بفضائح أخرى سياسية وأخلاقية وتنظيمية وإدارية بالجملة، وينفضح هؤلاء المتنبئون المزيفون بكل ما أوهموا به أنفسهم ومتابعيهم.

والملاحظ أن هؤلاء المتنبئين لم تقتصر تنبؤاتهم على الرياضة، بل هم حريصون أيضا على كتابة تنبؤات في شتى المواضيع، السياسة والفن مثلا، للفت الأنظار إليهم والحصول على تفاعل متابعيهم وإعجابهم، لكن المفارقة أن تنبؤاتهم نادرا ما تصيب. وعلى الرغم من ذلك لم يقل تفاعل المتابعين معهم إلا قليلا، فيبدو أن هؤلاء يعتمدون على أن الناس تنسى، وهو رهانٌ يبدو في محله هذه المرة.
وهناك مشكلة أخرى مرتبطة بهوس التنبؤ، لكنها مرتبطة حصرًا بالمنطقة العربية خصوصًا، ودول العالم الثالث بشكل عام، وهي المبالغة في تقدير الذات والقدرات الذاتية، وعدم قراءة الواقع بشكل صحيح، وصولا إلى حالة من الإنكار الكامل، فالمتنبئون بصعود منتخبهم إلى الدور الثاني تصوروا أن فريقهم مؤهل بالفعل، وأنه قادرٌ على مقارعة الكبار. وعندما كنت أناقش أحدا، في حالة منتخب مصر تحديدا، بشأن التوقعات المبالغ فيها، كان يرد بكل سذاجة أنه يعرف ما سيحدث، وأن المنتخب بالطبع سيذهب إلى دور الستة عشر، بل بالغ بعضهم بالقول إن المنتخب سيصعد إلى دور الثمانية، وهي مبالغة وصلت إلى لاعبي المنتخب أنفسهم، فقد كشف اللاعب السابق أحمد حسام (ميدو) أن اللاعبين أنشأوا مجموعة على تطبيق “واتساب” بعنوان “دور الثمانية”، ما يكشف عن أنهم كانوا يبالغون في تقدير أنفسهم، من دون أي سند من الواقع.
والحقيقة أن المنتخب المصري كان من الطبيعي أن يخرج من الدور الأول، لأنه لم يصعد منذ 28 عاما، ولم تكن للجيل الحالي أي خبرة في بطولة عالمية، وأغلبهم لم يشارك حتى في بطولة قارّية عدا كأس الأمم الأفريقية الأخيرة عام 2017، عدا لاعبين أو ثلاثة شاركوا في بطولات أخرى سابقة، مثل عصام الحضري وأحمد فتحي. وسيؤدي انعدام الخبرة العالمية هذا حتما إلى صعوبات كثيرة في أول مشاركة. وكان من الطبيعي أن يضع اللاعبون وجهازهم الفني والمسؤولون المصريون أهدافا متواضعة ومنطقية ومتدرّجة، تبدأ من تسجيل أهداف في شباك الخصوم أول مرة منذ 28 عاما، ثم تحقيق فوز واحد على الأقل من المباريات الثلاث، حتى يصبح هذا هو الفوز الأول للمنتخب المصري في تاريخ مشاركاته في المونديال، وسيكون هذا الفوز كافيا لتحقيق مشاركة مرضية بعد غياب.
وللأسف، أدت حالة الشعور بتضخم الذات، والطموحات غير الطبيعية، والأهداف غير المنطقية، في النهاية إلى ثلاث هزائم مريرة وصفر من النقاط. ولم يتحقق من المشاركة سوى إحراز هدفين ودخول عصام الحضري التاريخ باعتباره أكبر لاعب يشارك في تاريخ مباريات المونديال، فيما حلت مصر في المركز قبل الأخير، قبل منتخب بنما بفارق الأهداف فقط! عكس المنتخب التونسي مثلا الذي نجح في تحقيق أول فوز له منذ 40 عاما في المونديال، وبذلك أصبحت مشاركته ناجحةً، على الرغم من هزيمته القاسية أمام بلجيكا. وأيضا المنتخب السعودي الذي أحرز أول فوز له منذ 24 عاما، وبذلك أصبحت له ثاني أفضل مشاركة في كأس العالم بعد مونديال 1994.
يقول المفكر الصيني صن تزو، في عمله الشهير “فن الحرب”، إن من يعرف قدرات نفسه وقدرات خصمه يقود مائة معركة من دون خطر، ومن لا يعرف قدرات خصمه، لكنه يعرف قدرات نفسه، فقد يحرز نصرا ويلقى هزيمة، أما من لا يعرف قدرات خصمه، ولا يعرف قدرات نفسه، فسيخسر جميع معاركه.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى