الجزيرة نتسياسةمصر

رسائل السيسي.. خلط التواريخ لقمع المعارضين

منذ انقلاب 2013 في مصر يختار نظام السيسي توقيتات معينة لتوجيه رسائل قمع وتخويف لمعارضيه، وهو ما تكرر هذا العام في الذكرى الخامسة لمظاهرات 30 يونيو/حزيران التي مهدت لانقلاب الثالث من يوليو/تموز الذي أطاح فيه السيسي بالرئيس المنتخب محمد مرسي.

وتكشف هذه الرسائل عن نوع من ولع السيسي ونظامه بلعبة التواريخ ورسائل القمع حتى لو استخدم كافة سلطات الدولة من أجل ذلك، بما فيها السلطة القضائية.

رسائل الذكرى الخامسة
ففي الذكرى الخامسة لمظاهرات 30 يونيو، زار وزير الداخلية الجديد محمود توفيق ميدان رابعة العدوية، الذي شهد أكبر مذبحة بتاريخ مصر الحديث وفقا لمنظمة هيومن رايتس ووتش، والذي قررت السلطات تغيير اسمه إلى ميدان هشام بركات النائب العام السابق.

وبدا الوزير حريصا على توضيح الرسالة، إذ قال إن اختياره زيارة الميدان (الذي شهد اعتصام المدافعين عن شرعية مرسي لأسابيع عدة عقب الانقلاب) جاء لكونه “شهد أحداث عنف وقتل وتخريب من جماعات إرهابية باسم الدين”.

حتى تغيير اسم ميدان رابعة نفسه يحمل رسالة، فقد كان النائب العام السابق هشام بركات هو الذي أصدر أمر الفض، وكانت قوات الشرطة تحمل مكبرات صوت لتقول للمعتصمين إن الفض جاء بناء على تعليمات النيابة العامة، وصدر قرار تغيير اسم الميدان في الثامن من أغسطس/آب 2015 قبل ستة أيام فقط من الذكرى الثانية للفض.

وصدرت في الوقت نفسه أيضا قرارات بالتحفظ على مئات المقرات والأراضي والسيارات التابعة لجماعة الإخوان المسلمين وأعضائها، فضلا عن أموال وممتلكات أخرى.

كما تم تعيين نجل هشام بركات ممثلا للنيابة في القضية المعروفة إعلاميا بـ”التخابر مع قطر” بعد مقتل والده في الرابع من يوليو/تموز 2015، أي بعد يوم من الذكرى الثانية للانقلاب، وتحدثت وسائل الإعلام التابعة للسلطة عن أن الابن “سيثأر” لوالده، مما دفع كثيرين إلى القول إن سياسة النظام تعتمد على “الكيد”.

وكانت النيابة استبقت الذكرى الثانية لفض اعتصام رابعة (أغسطس/آب 2015) بإحالة المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين وعدد من قادتها إلى المحاكمة بتهمة “الاعتصام المسلح” بميدان رابعة. وبدا وقتها أن النيابة تعمدت أن يخرج البيان في ذلك الوقت بالتحديد لتوصيل رسالة سياسية حتى قبل أن تجهز ملف القضية، فلم يحدد البيان وقتها عدد المتهمين المحالين إلى المحكمة ولا أسماءهم أو الجريمة التي أدين بها كل واحد منهم، قبل أن تضم المئات من المعتصمين إلى ملف القضية بعد أن أوصلت الرسالة التي أرادتها السلطة.

أما ابنة هشام بركات التي تعمل قاضية، فصرحت قبل أيام بأنها “تنتقم لوالدها” بطريقتها، والتي قالت إنها “تطبيق العدالة على كل المتطرفين”، وهو ما أثار استهجان المتابعين الذين استنكروا أن تتحدث قاضية عن مفاهيم مثل الانتقام لا علاقة لها بعمل القضاء وتطعن في حيادية القاضية ونزاهتها. ووصف الناشر هشام قاسم تلك التصريحات بأنها صادمة، وبأنها كفيلة بإبطال أي أحكام تصدر عنها وإحالتها للتحقيق القضائي.

القضاء المصري كان على موعد لتوجيه رسالة أخرى قبل الذكرى الخامسة من الانقلاب عندما حدد يوم 30 يونيو موعدا للنطق بالحكم في قضية مذبحة رابعة، التي يحاكم فيها المئات من المعتصمين والصحفيين بدلا من محاكمة قتلة المعتصمين، وهو ما اعتبره مراقبون “تسييسا فجًّا للقضاء المصري بلا أي محاولات للتجمل والتظاهر بخلاف ذلك”، وفقا لما كتبه الصحفي محمد أبو الغيط على حسابه بموقع فيسبوك، والذي اعتبر ذلك التاريخ “رسالة مكايدة” من النظام المصري إلى معارضيه، قبل أن تضطر المحكمة إلى تأجيل النطق بالحكم إلى جلسة 28 يوليو/تموز الجاري بدعوى حضور المتهمين لأسباب أمنية.

استغلال القضاء
ولم تكن هذه الحالات هي الأولى، فقد تورط القضاء المصري في رسائل سياسية عبر تواريخ محددة، إذ صدر الحكم الأول على الرئيس المعزول محمد مرسي بالسجن المؤبد في قضية التخابر مع قطر يوم 18 يونيو/حزيران 2016، تزامنا مع ذكرى الانتخابات الرئاسية عام 2012، وتحديدا جولة الإعادة التي تغلب فيها مرسي على الفريق أحمد شفيق.

وقبلها، انعقدت الجلسة الأولى لمحاكمة مرسي في القضية الأخرى المسماة “الهروب من سجن وادي النطرون” يوم 28 يناير/كانون الثاني 2014، وهو اليوم الذي يصادف مظاهرات “جمعة الغضب” التي تمكّن خلالها المتظاهرون من هزيمة قوات الشرطة في محافظات مصر وإجبارها على الانسحاب من الشوارع.

وقبل تلك المحاكمة بيوم واحد (27 يناير/كانون الثاني) أصدر الرئيس المؤقت عدلي منصور قرارا بترقية السيسي إلى رتبة مشير، في مفارقة أرادها السيسي أن تكون واضحة، ففي الوقت الذي سيصبح فيه مشيرا سيحاكم مرسي بتهمة الهروب من السجن.

السيسي ويناير
كما يتعمد السيسي الاحتفال بيوم 25 يناير من كل عام باعتباره عيدا للشرطة المصرية فقط دون الالتفات إلى أنه يوافق ذكرى ثورة يناير/كانون الثاني 2011 التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك، ولم يقم بأي إجراء في ذكرى الثورة إلا إلقاء كلمات مقتضبة، في حين تحضر الثورة في خطاباته وكلماته المرتجلة في معظم الأوقات باعتبارها مرادفا للفوضى والتخريب ودلالة على الخطر الذي تعرضت له الدولة في أوقات سابقة قبل أن يتدخل هو لإنقاذها.

ولا تترك وسائل الإعلام المؤيدة للسلطة ذكرى أحداث الانقلاب أو مذبحة رابعة تمر إلا وتعيد التذكير بها، وتركز على أن جماعة الإخوان وقياداتها هي المسؤولة عن سقوط الدماء وليس السلطة بهدف القضاء على أي بادرة للتعاطف الشعبي مع الضحايا.

كما تشدد السلطة الإجراءات الأمنية وتحاصر الشوارع والميادين الرئيسية وتحولها إلى ثكنة عسكرية، خاصة ميداني التحرير ورابعة العدوية، وتصدر وزارة الداخلية بيانات “تهديد” للمعارضة بهدف ردعها عن التظاهر في تلك الأيام، وهو ما أدى إلى تحويل ذكرى الأيام المرتبطة بالثورة إلى ذكريات لسقوط ضحايا جدد، مثل ذكرى 25 يناير/كانون الثاني 2014 التي سقط فيها أكثر من 90 قتيلا.

 

تم نشر هذا المقال بتاريخ 7/3/2018

الرابط الأصلي للمقالة

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى