العربي الجديدسياسةمصرمقالات العربي الجديد

عن مبارك في الحرب والحكم

مع حلول ذكرى حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973 كل عام، يطل علينا مجموعة من مدّعي الحكمة والموضوعية والحيادية، ليقولوا للمصريين إن حسني مبارك يجب تكريمه باعتباره من صناع نصر أكتوبر، مهما كان رأينا في سياساته وسنوات حكمه الثلاثين، كما يؤكدون أنه لم يكن خائنا على الرغم من مساوئه. لا تصمد هذه المقولات السمجة أمام نقاش “موضوعي” بحق لا يستغرق أكثر من دقائق. فأي تكريم هذا الذي يريد هؤلاء أن يحصل عليه مبارك، بعد كل التكريمات التي حصل عليها في سنوات عهده الأسود؟ ألم يكفهم ما قدمه مبارك لنفسه من تكريم وتضخيم مبالغ فيه للغاية لدوره في الحرب طوال الأعوام السابقة؟ ألم يسط مبارك على حرب أكتوبر لصالحه، بتهميش وطمس أي أدوار لقادة عسكريين آخرين، أبرزهم رئيس أركان الجيش المصري، الفريق سعد الدين الشاذلي، وقائد سلاح الدفاع الجوي، الفريق محمد علي إبراهيم، صاحب الدور الأبرز في التصدي للطيران الإسرائيلي طوال فترة الحرب، ورئيس هيئة العمليات، الفريق عبد الغني الجمسي، وغيرهم من القادة الذين تواروا لصالح “صاحب الضربة الجوية” التي نسبت لمبارك فقط، وكأنه هو من قام بتنفيذها وحده، وكذلك نسب إليها الفضل في تغيير مجريات الحرب على خلاف الحقيقة، وتم تأليف عشرات الأغنيات التي تمجّدها في ذكرى احتفالات أكتوبر كل عام.
كان سلاح القوات الجوية المصرية أضعف أسلحة الجيش المصري في ذلك الوقت، نظرا لتدميره بالكامل تقريبا عام 1967. ولذلك وضع رئيس أركان الجيش المصري في أثناء حرب أكتوبر، الفريق سعد الدين الشاذلي، خطة تتضمن قيام القوات الجوية بضربة تمهيدية بهدف مفاجأة إسرائيل، وإعادة الثقة في سلاح القوات الجوية، أما عن تأثير الضربة فقد كان مهما في بداية الحرب من حيث عامل المفاجأة، أما التأثير الفعلي فكان محدودا، ولم تؤثر في القدرات القتالية للجيش الإسرائيلي، ولم تمنعه من شن هجمات متواصلة ضد الجيش المصري الذي نجح في صدها، حتى حدثت محاولة تطوير الهجوم الفاشلة ثم الثغرة، كل هذا وسلاح القوات الجوية شبه مغيب عن مسرح الأحداث، ليس تقليلا من دوره، لكن إمكاناته حينذاك لم تكن تسمح له بأكثر من ذلك.
وعلى ذكر الشاذلي، يحتفظ التاريخ بواحد من أحط أدوار حسني مبارك في أثناء سنوات حكمه في تعامله مع قائده في أثناء حرب أكتوبر، فقد سجن مبارك الرجل بسبب معارضته اتفاقية كامب ديفيد، كما حرص بعد الإفراج عنه على طمس أي حديث عنه في أيٍّ من مناسبات الاحتفال بذكرى الحرب، كما حذف صورة الشاذلي، ووضع صورته مكانه في بانوراما حرب أكتوبر في تزوير فج وفاضح للتاريخ، ولم يحاسبه أحد على تلك الجرائم.
ويحتاج ما يقال عن دور مبارك في الحرب إلى إعادة نظر، فقد كان مسؤولا مباشرا عن “المذبحة” التي تعرّضت لها طائرات الهليكوبتر المصرية، والتي كان مقررا أن تقوم بإنزال جنود من سلاحي الصاعقة والمظلات خلف خطوط الجيش الإسرائيلي، لكن مبارك أمر بأن تقلع الطائرات الهليكوبتر بدون أي حماية من الطائرات الحربية الأخرى، وكانت النتيجة تدمير عدد كبير من الطائرات التي تحمل الجنود المصريين، ونكسة خطيرة أصابت الخطة المصرية الأصلية بسبب قرار مبارك، سمحت للإسرائيليين بشن هجماتهم المضادة بكل أريحية، ولولا بسالة المقاتل المصري ونجاحه في التصدّي لتلك الهجمات لكان للحرب نتيجة أخرى.
وأخيرا، يستحق ما فعله مبارك بعد “ضربته” الجوية هذه لعنات المصريين، فقد حكم البلاد ثلاثين عاما لم ير فيها المصريون إلا الفقر والذل في الداخل والخارج، فضلا عن الفساد الذي كان مبارك نفسه رمزا له. ولا حاجة لتفصيلٍ في ذلك، لأن ثورة يناير أغنتنا عن شرح موبقات ذلك العهد. ولذلك نقول لمن يزعم أن مبارك لم يكن خائنا: نعم، لم يكن خائنا، لكنه كان فاسدا ولصا وفاشلا وديكتاتورا، وهي كلها تؤدي إلى مآلات الخيانة الأصيلة. وإن كان الإنصاف الحقيقي يقتضي القول إن الحكم الحالي تفوق على مبارك بملايين المرات في حجم الضرر الذي ألحقه بمصر، هذا هو كل ما يمكن إنصاف مبارك به، أن كوارثه كانت فقط أقل، ويا له من مشهد بائس ذلك الذي يجعلنا نقارن كوارث حكام مصر بعضها ببعض، لنصل إلى “أفضلهم” في التسبب بالكوارث لشعب مصر.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى