العالم العربيالعربي الجديدسياسةمقالات العربي الجديد

إلى أولتراس أردوغان

“نحن نختلف عن الآخرين” مقولة تلخص مرضا إنسانيا لم يسلم منه أحد، فالجميع تقريبا يتصوّر أنه وحيد زمان عصره وأوانه، وأن مصيره لن يكون مختلفا عن الآخرين ممن سلكوا مسلكه الذي يودي قطعا إلى التهلكة.
قلناها نحن أنفسنا، عندما قمنا بالثورة، وأطلقنا على أنفسنا صفاتٍ من نوعية أننا “أعظم جيل في تاريخ مصر“، وزعمنا أن ثورة يناير “أعظم ثورة في التاريخ”، وأن الشعب المصري “أعظم شعب في العالم”، ولم يكن أي من ذلك صحيحا، فثورة يناير مثل أي ثورة أخرى، حدثت مثلها وأعظم منها، ولم تشفع لها تلك العظمة في أن يتم احتواؤها وهزيمتها والقضاء عليها تماما، مثلما حدث لثورتنا، والشعب المصري ليس أعظم شعب وليس الأسوأ، هو مثل أي شعب آخر، قد يخرج أفضل ما فيه، وقد يخرج أسوأ ما في داخله، حتى نحن جيل الثورة، فينا الثوار وفينا المنافقون والكذابون والأوساخ، مثل أي جيل آخر.
تذكّرت هذا الكلام في نقاشاتي مع أولتراس أردوغان من الإسلاميين المصريين، وهم يدافعون بحماسةٍ عن التعديلات الدستورية التي ينوي تمريرها في استفتاء الشهر المقبل.. وتطوّع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في إصدار بيانٍ، ربط فيه بين النظام الرئاسي والإسلام. المفارقة أنني وجدت من يدافعون عن أردوغان، متجاهلين الحقيقة الكونية البسيطة التي استخلصها التاريخ الإنساني كله، وتقول ببساطة إن أي شخصٍ، مهما بلغ من العبقرية والذكاء

والقدرات الخارقة، لا ينبغي أن يستمر في السلطة مدةً تزيد عن عشر سنوات حدا أقصى. ومع ذلك، تجد أمثال هؤلاء يستهينون بتلك الحقيقة الواضحة، ومستخدمين أساليب لا تختلف كثيرا عن أساليب أولتراس عبد الفتاح السيسي، أو أي ديكتاتور بائس آخر، من قبيل الربط بين شخص أردوغان والاستقرار، والحديث عن أن الأوان لم يحن بعد لأن يترك أردوغان السلطة (لا أدري متى يحين هذا الأوان، بعد 50 عاما أم ماذا؟) بينما يحيلك بعض منهم إلى “أوروبا والدول المتقدمة”، ويتحدّث في العموميات، ويسألك متذاكيا: وهل الدول الأوروبية وأميركا لا يوجد فيها نظام رئاسي؟ نعم، يا سيدي، يوجد عندهم نظام رئاسي، ولكنهم لا يتركون شخصا في السلطة أكثر من 20 عاما، كما يريد أردوغان أن يفعل، وحتى لو كان هناك من يريد أن يفعل ذلك لن يستطيع، وإذا كان أردوغان يرى فعلا أن النظام الرئاسي أفضل، فليتنح عن السلطة، حتى لا يستفيد من تعديل الدستور.
والمضحك أن هؤلاء الأشخاص أنفسهم برّروا الخلاف بين أردوغان ورئيس الوزراء التركي السابق، أحمد داود أوغلو، قبل نحو عام، بأنه قد حان أوان التغيير! حسنا هم رأوا أن داود أوغلو يجب أن يتم تغييره، ولم يمض عامان في رئاسته الحكومة، بينما أردوغان نفسه موجود في السلطة منذ عام 2002، ولم يروا أنه “حان أوان التغيير” معه.
كان من الأفضل لأردوغان أن يتنحّى بعد أن قضى أكثر من 12 عاما رئيسا للوزراء، حقق خلالها ما يشبه المعجزة لتركيا، وإذا كانت شهوة السلطة قد تمكّنت منه (فأردوغان بشر قبل كل شيء) فكان يمكنه أن يستمر رئيسا وحاكما فعليا كما هو الآن، لكنه اختار الطريق الأصعب له ولتركيا، وقرّر المغامرة والدخول في مشكلاتٍ لا ضرورة لها، بل ودخل في مرحلة توجيه التهديدات المباشرة للدول الأوروبية بأن رعاياها لن يتمكّنوا من السير آمنين في الشوارع، إذا ظل الاتحاد الأوروبي على موقفه المعادي لبلاده.
خطابات أردوغان التي برّر فيها دوافع التحول إلى النظام الرئاسي غير مقنعة، من قبيل أن

النظام الرئاسي سيجنب البلاد الانقلابات! وكأنه لم تحدث انقلابات في نظم رئاسية في عدد من البلدان، وكأن تركيا لم تكن مستقرةً في ظل نظام برلماني، تحت قيادة “العدالة والتنمية” طوال الخمسة عشر عاما الماضية. وبعض تفاصيل تعديلات التحول إلى النظام الرئاسي الدستورية التي يريد أردوغان تمريرها مخيفة، فهي تلغي منصب رئيس الوزراء، وتعطي الرئيس الحق في تعيين أعضاء في المجلس الأعلى للقضاء، والحق في إعلان الطوارئ قبل عرض القرار على البرلمان الذي يحق له اختصارها أو تمديدها أو رفعها. هذه هي التعديلات التي ينوي أردوغان تمريرها، ورآها الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أقرب إلى روح الإسلام!
وأخيرا، مجرد الربط بين شخص أردوغان والاستقرار فشل في حد ذاته، وإذا نجحت تلك التعديلات، ومد الله في عمر أردوغان، سيبقى في السلطة حتى عام 2029، أي أنه سيكون قد أتم 27 عاما في السلطة، وهي مدة لا تختلف كثيرا عن المدد التي قضاها ويقضيها زعماء في دول العالم الثالث ودولنا العربية المنكوبة. أما إذا تعرّض أردوغان لمكروه، لا قدر الله، وانهارت التجربة، لأنها ارتبطت بشخص واحد، فسنجد “أولتراس” أردوغان ودراويشه يولولون ويتباكون على الخليفة السلطان الذي تعرّض لمؤامرات الأعداء، وسنجدهم يبررون ما حدث بكل المبررات والأسباب، ما عدا السبب الحقيقي الذي طالما صمّوا آذانهم عنه، وسيرجعون الأسباب إلى عوامل خارجية، من دون أن يدركوا أنهم السبب، وأن رجلهم أردوغان لم يتبع سنةً كونيةً بسيطةً، يمكن أن تجنبه، هو والتجربة التركية، أي مصير سيئ، لا قدّر الله.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى