إعلامالعربي الجديدمصرمقالات العربي الجديد

أزمة الخطاب الرسمي المصري عن أحداث سيناء

يعاني الخطاب الرسمي الصادر عن المؤسسة العسكرية المصرية من عيوب عديدة، لا تجعله عائقاً فحسب في فهم ما يجري في سيناء، بل ربما يكون معبّراً عن واحدٍ من جوانب الأزمة. ويمكن تحديد جوانب تلك العيوب في الآتي:
أولا: يأتي العيب الأهم والأخطر في التعتيم الشديد الذي تفرضه السلطات على حقيقة ما يحدث في سيناء، فلا يوجد إحصاء دقيق، يوثق عدد الضحايا الذين يسقطون في سيناء، سواء من الجيش أو الشرطة أو المدنيين، مع التعامل باستهانةٍ بالغةٍ مع الضحايا المدنيين الذين يسقطون من قذائف الجيش، إلى درجة أن السيسي نفسه قال في إحدى المرات، بلامبالاة غريبة، إنهم يدفعون “الدية” لأهالي أي قتيل مدني يسقط من الجيش، وكأنه ينفذ بالحرف المثل الشعبي “اللي تعرف ديته اقتله”.
ثانيا: في أحيان كثيرة، يسقط ضحايا من الجيش المصري من دون أن يصدر أي بيان عن المتحدث العسكري باسم القوات المسلحة يشرح فيه تفاصيل الحادث، ويقدم معلومات دقيقة عما يحدث، بل يمر الحادث مرور الكرام، حتى تأتي حوادث أخرى.
ثالثا: يحرص خطاب المتحدث العسكري باسم الجيش المصري على اتباع أسلوب واحد ومكرّر عند التعامل مع الحوادث التي يقرّر إصدار بيان عنها، ففي جميع هذه الحوادث يؤكد المتحدث العسكري أن قوات الجيش تصدّت لهجوم المسلحين، وأنها كبدتهم خسائر جسيمة في الأرواح والمعدات، لكن الصور ومقاطع الفيديو التي يبثها تنظيم ولاية سيناء، بعد ذلك، تكذب كل ما ينشره المتحدث العسكري، إذ تظهر الصور سيطرة كاملة للمسلحين على مواقع الجيش التي يهاجمونها، واستيلاءهم على الأسلحة والمعدات الموجودة في تلك المواقع دون مقاومة تذكر.
بعد ذلك، يصدر المتحدث العسكري بياناتٍ دوريةً، تزعم مقتل عشرات، وربما مئات المسلحين، من دون توضيح كيف استطاع المتحدث تحديد هذا العدد، ولا من هم هؤلاء المسلحون، ولا

أسماؤهم أو جنسياتهم، أو أي معلومات عنهم، إلى درجة أننا لو جمعنا الأرقام التي يعلنها المتحدث العسكري، باعتبارهم مسلحين قتلهم الجيش في سيناء، لوجدنا العدد يتخطى 10 آلاف شخص، من دون أي مبالغة، وهو عدد من المستحيل وجوده في تلك البقعة من سيناء، إلا لو كنا نتحدث عن جيشٍ كامل يستطيع تحقيق أكثر بكثير من مجرد شن هجمات متقطعة على كمائن الجيش، لكن الحرص على تحديد أعداد مهولة لقتلى مزعومين من المسلحين يأتي في إطار الحرص على إبراز صورة الجيش، وكأنه ينتقم من قتلة جنوده، وتنشر الصحف المصرية تلك البيانات بعناوين موحدة تقريبا تبدأ بالعبارة نفسها “الجيش يثأر لشهدائه في سيناء”.
رابعا: يبشرنا المتحدث العسكري، في بعض بياناته، بأن القوات المسلحة نجحت في مهاجمة المسلحين في مخابئهم، وقتل العشرات منهم، وغالبا ما تأتي تلك البيانات بعد كل هجوم تتعرّض له قوات الجيش، لكن السؤال هنا: طالما كان المسؤولون في الجيش يعرفون مكان المسلحين منذ البداية، فلماذا لم يوجهوا ضرباتهم إلى تلك الأماكن، قبل أن يحدث الهجوم؟ نحن هنا أمام احتمالين: إما أن البيان كاذب تماما، أو أن هناك تراخياً يصل إلى حد التواطؤ في مواجهة المسلحين.
خامسا: في إطار سياسة “الثأر”، تأتي بعض البيانات الكوميدية التي تحاول إظهار أنه تم تحقيق “العدالة”، ففي 2014 أسقط تنظيم بيت المقدس طائرة حربية مصرية، وأدى الحادث إلى مقتل طاقم الطائرة، ليأتينا بيان المتحدث العسكري بعد الحادث بأيام ليؤكد مقتل “المسلح الذي أسقط الطائرة”، هكذا من دون بيان اسمه أو أي معلومات عنه، أو صور لجثته، أو حتى كيف عرفوا أن ذلك الشخص هو الذي أسقط الطائرة.
ورأينا، على سبيل المثال، بيانات دورية تؤكد مقتل قيادات في جماعة أنصار بيت المقدس في سيناء عدة مرات، فقد تم الإعلان عن مقتل شادي المنيعي، أحد قيادات تنظيم ولاية سيناء، أكثر من خمس مرات، ظهر المنيعي في إحداها في لقطة مصورة، وهو يقرأ خبر مصرعه الذي نشره الإعلام المصري! ولم يكن الحال أحسن حالا مع قيادات أخرى، مثل كمال علام، الذي أعلن عن مقتله ثلاث مرات، وأبو أسامة المصري وغيرهم.
سادسا: يؤسس النظام الحالي، بقيادة عبد الفتاح السيسي، شرعيته على محاربة ما يسمى

“الإرهاب” الذي يعرّفه بأنه كل من يعارض النظام. وبالتالي، نستطيع أن نفهم المغزى من الإصرار الرسمي على تسمية المسلحين بأنهم تنظيم “أنصار بيت المقدس” وليس “تنظيم ولاية سيناء”، لأن الاعتراف بوجود تنظيم الدولة في سيناء سيكون اعترافا بالفشل الذريع في محاربة الجماعات المسلحة التي يقدم النظام نفسه باعتباره محارباً شرساً لها، لكن النتيجة كانت أن “الإرهاب” توسع، وانتقل إلى أماكن أخرى غير سيناء، ودخل تنظيم الدولة بقوة إلى واجهة الأحداث، وظهرت تنظيمات جديدة، مثل “المرابطون” وحركات مثل “حسم” و”لواء الثورة” وغيرها من الجماعات التي تستخدم العنف ضد النظام.
الطريف أن المتحدث العسكري نفسه بدا وكأنه غائب تماماً عن تلك التطورات، عندما صرح بأن “داعش” لا يستطيع التفكير في دخول مصر! وكأن “ولاية سيناء” تنتمي إلى تنظيم آخر غير داعش، والأطرف أن هذا التصريح جاء بعد أيام قليلة من إسقاط داعش طائرة الركاب الروسية فوق سيناء.
وتأتي السقطة الكبرى، عندما انتشرت صور قتلى الجيش المصري الذين سقطوا في أحدث عملية لتنظيم ولاية سيناء منتصف شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وأسفرت عن مقتل 12 جنديا، في تسريب مقصودٍ، بدا وكأنه بغرض ابتزاز مشاعر المصريين بهؤلاء الضحايا، وتوجيه اللوم للشعب على مقتلهم! خصوصاً بعد تصاعد الانتقادات الموجهة للنظام، نتيجة الأزمة الاقتصادية الطاحنة، وتصاعد شكاوى المواطنين، كما أننا لم نجد أي صور لأي قتلى من المسلحين، على الرغم من زعم المتحدث العسكري أنه سقط منهم 15 قتيلا، وذلك من دون أدنى اعتبار لما قد تسببه صور الجنود القتلى من تأثير على الحالة المعنوية لزملائهم في سيناء.
ويبقى أن هذه الصور إنما تدين تقصير الدولة والنظام في حماية أرواح جنوده، ولا تستدعي إلا مشاعر الغضب والمطالبة بمحاسبة المسؤولين عن هذا الفشل، وليس التماس الأعذار لتلك القيادات، أو تحميل الشعب مسؤولية موتهم.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى