ماذا فعل الوفد المصري في روما ليغضب الإيطاليين؟

انتظر المصريون أمس السبت المؤتمر الصحفي للنائب العام المساعد “مصطفى سليمان” ليشرح لهم ما حدث بالضبط أثناء تواجد الوفد المصري الذي كان يرأسه في العاصمة الإيطالية روما، لمتابعة قضية مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني في القاهرة مع السلطات الإيطالية.
هجوم إيطالي
قبل المؤتمر تعرض الوفد المصري لهجوم عنيف من سياسيين ووسائل إعلام إيطالية، وأعلنت إيطاليا استدعاء سفيرها في مصر للتشاور، كما أعلنت قطع التعاون مع الوفد المصري أثناء تواجده في روما وقبل انتهاء مدة زيارته.
فقد قال لويجي مانكوني، رئيس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان الإيطالي، في تصريح للإذاعة الرسمية الإيطالية، “أضيفت لوفاة جوليو ريجيني مأساة أخرى، فبعد شهرين ونصف من الأكاذيب المصرية، لا يمكننا استخدام عبارات لطيفة تجاه إهانة ذكائنا من الجانب المصري”.
وتابع القول “في الوقت الراهن ليست لدينا أية ضمانة على حسن نية مصر، ولا مفر من أن يسود الشك لأن الملفات الضخمة التي جلبها المصريون معهم، تستدعي ترجمة خاصة من اللهجة المصرية (إلى الإيطالية) وهذا يتطلب الكثير من الوقت، ثم ينبغي بعد ذلك التحقق من هذه الترجمة مع المحققين المصريين”، في إشارة إلى ملف من 2000 صفحة حمله الوفد المصري إلى روما.
وحث مانكوني حكومة بلاده على اتخاذ تدابير بحق القاهرة، بالقول “أنا أتفهم تكتم وزارة الخارجية الإيطالية، ولكن يجب أن يتم تبني تدابير عاجلة”.
وكان رئيس اللجنة البرلمانية لحقوق الإنسان قد وصف اليوم الأول من الاجتماعات بين المحققين الإيطاليين والمصريين في روما بأنه “كان مخيبا للآمال للمحققين الإيطاليين، بعد أن قدمت مصر معلومات منقوصة” وأضاف “إيطاليا ستلجأ آجلا أم عاجلا إلى إقرار تدابير ضد مصر، وذلك لمراوغة مصر لإيطاليا في المعلومات المقدمة”.
من جانبها، أكدت رئيسة البرلمان الإيطالي لاورا بولدريني، أنه “في مواجهة واقعة بهذه الفداحة، لا يمكن لإيطاليا إلا أن تستمر في السعي حتى الحصول على الحقيقة الكاملة”.
وقال بيان صادر عن الخارجية الإيطالية في روما إن قرار سحب السفير من مصر “يأتي عقب تطورات التحقيق في قضية مصرع الباحث الإيطالي جوليو ريجيني وخاصة الاجتماعات التي عقدت في روما بين فريقي التحقيق الإيطالي والمصري”.
وخلص إلى القول “بناء على هذه التطورات فإن المطلوب هو إجراء تقييم عاجل للعمل الأنسب في سبيل تعزيز الجهود الرامية للتأكد من حقيقة القتل الهمجي الذي تعرض له جوليو ريجيني”.
وكتب وزير الخارجية جينتيلوني تغريدة على حسابه في موقع تويتر “لقد استدعيت السفير في القاهرة للتشاور وما نريده هو شيء واحد: الحقيقة”.
وقالت وكالة الأنباء الإيطالية الرسمية عبر موقعها (أنساميد)، الموجه لمنطقة الشرق الأوسط، إن قمة روما بين المحققين الإيطاليين والمصريين انتهت بالفشل، وأن المحققين الإيطاليين قد أصيبوا بخيبة أمل لعدم الحصول على ما طلبوه من الجانب المصري.
المؤتمر الصحفي
“الدنيس رائع” جملة نسبتها صحيفة “لا ريبوبليكا” الإيطالية للنائب العام المساعد مصطفى سليمان، رئيس وفد التحقيق المصري في قضية ريجيني، خلال تناول الوفد لوجبته الأخيرة قبل عودته إلى القاهرة.
لم يتطرق سليمان في المؤتمر الصحفي إلى تفاصيل الوجبات التي تلقاها، ولا إلى مسألة تسليم الجانب الإيطالي 2000 صفحة باللغة العربية، منهم صفحات مكتوبة باللهجة العامية المصرية، بل حرص على التأكيد على أن الجانب المصري استجاب لـ98% من الطلبات الإيطالية، وفقا لتقديراته.
النائب العام المساعد حرص على التأكيد عدة مرات على أن استقبال الوفد المصري وتوديعه كان بصورة طيبة وحسنة، مكررا أكثر من مرة جملة “وكان اللقاء طيبا” في وصف الاجتماعات مع الجانب الإيطالي، كما ذكر أنه تمت دعوة الوفد المصري مرتين على غداء من جانب السلطات الإيطالية، وأن الزيارة “كانت من قبيل المجاملة الدولية والمعاملة بالمثل التي طلباتها السلطات القضائية المصرية”.
سجل المكالمات
خلال المؤتمر أيضا أكد سليمان بشكل غير مباشر صحة تصريحات الجانب الإيطالي التي أفادت بعدم التوصل إلى نتائج محددة من الاجتماعات بين الجانبين، فقد أكد رفض الجانب المصري تسليم تسجيلات لجميع المكالمات التي تم إجراؤها في منطقة الواقعة، والتي تصل إلى مليون مكالمة، بحجة أن ذلك مخالف للدستور ويمثل انتهاكا لـ”السيادة الوطنية”، وهو ما أثار سخرية مستخدمي مواقع التواصل، الذين قارنوا بين ما قاله النائب العام المساعد، وبين قيام “عبد الرحيم علي” المذيع وعضو مجلس النواب بإذاعة تسجيلات شخصية خلال برنامجه “الصندوق الأسود” طوال أشهر طويلة دون أن يحاسبه أحد.
ورغم تأكيد النائب العام المساعد أن الدستور المصري “يمنع تقديم سجل المكالمات لأي جهة أجنبية” فإنه قال في جزء آخر من المؤتمر الصحفي إنهم سيقومون بتسليم الجانب الإيطالي سجل مكالمات 3 أشخاص كانوا على علاقة بريجيني.
وكانت الحكومة المصرية قد أوقفت خدمة التصفح المجاني “فري بيسكس” لموقع فيسبوك بعد أقل من شهرين، بسبب رفض فيسبوك طلبات من القاهرة بتمكينها من مراقبة المستخدمين.
وكشف الشاعر “عبد الرحمن يوسف” في مقال على موقع “عربي 21” أن أجهزة الأمن المصرية قد تعاقدت مع شركة هاكينج تيم (Hacking Team) الإيطالية (وهي شركة متخصصة في مجال تكنولوجيا المراقبة والاختراق) للتنصت على المواطنين، واختراق حساباتهم، وخصوصياتهم، وهو ما مكن الشركة من اختراق مصر تقنيا، وتمكن إيطاليا من معرفة آخر فيديو شوهد فيه ريجيني، وتمكنت من معرفة أسماء ضباط بعينهم متورطين في قتله.
تفريغ الكاميرات
خلال مؤتمر النائب العام المساعد، برر الأخير عودة الوفد المبكرة إلى القاهرة بوجود “إضراب” في المطارات الإيطالية، وهو ما جعلهم يعجلون بالعودة، رغم أن إيطاليا كانت قد أعلنت مسبقا “قطع التعاون” مع الوفد أثناء وجوده، ولم يصدر بيان مشترك بين الجانبين كما كان مفترضا.
أما فيما يخص موضوع تفريغ كاميرات المراقبة بمحطات المترو في المناطق التي كان يتردد عليها ريجيني، فقد أنكر سليمان وجود تسجيل لهذه الكاميرات “لأسباب تقنية” على حد قوله، لأن التخزين يحذف المشاهد بشكل أتوماتيكي، وأكدت الشركة الأمريكية المنتجة لهذه الكاميرات أن هناك برنامجا يمكنه استرجاع تلك المشاهد، لكن النيابة لم تصل لنتيجة في هذا الشأن، كما أن هناك برنامجا تنتجه شركة ألمانية ولكنه “باهظ الثمن” واحتمالات استرجاعه للملفات تبلغ 50% فقط، وأنهم طلبوا مساعدة الجانب الإيطالي في هذا الأمر.
وأدرج مصطفى سليمان في حديثه قضية اختفاء المواطن المصري “عادل معوض” منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، محاولا الإيحاء بعدم رضى الجانب المصري عن سير تحقيقات الجانب الإيطالي في القضية.
رواية الجانب الإيطالي
صحيفة “لا ريبابليكا” الإيطالية كشفت أن الملف المكون من 2000 صفحة باللغة العربية الذي سلمه الوفد المصري للإيطاليين كان يحتوي على 30 ورقة مكتوبة باللغة العامية المصرية، لدرجة ان المترجمين العرب في الجلسة لم يستطيعوا فهم المكتوب فيها. ونشر الصحفي بالتلفزيون الألماني “وليد الشيخ” صورة لإحدى صفحات الملف الذي تسلمه الجانب الإيطالي، ليتضح أنها صفحة مكتوبة بخط اليد وبخط يصعب قراءته.
وأضافت الصحيفة أنه عندما سأل الجانب المصري عن تفريغ كاميرات محطة المترو، اتضح أن هناك كاميرا واحدة فقط هي التي تعمل من بين 56 كاميرا موجودة وفقا لما قاله الوفد المصري الذي قال إنه لم يقم بتفريغ الكاميرا الوحيدة التي تعمل حتى الآن، رغم مرور شهرين على الواقعة، وأنه بصدد إرسال الأخيرة إلى ألمانيا للقيام بذلك التفريغ.
لماذا غضب الإيطاليون؟
قال الناشط السياسي المصري وائل غنيم إن السبب الأساسي الذي جعل الجانب الإيطالي يصعد من لهجته مع الحكومة المصرية هو متعلقات ريجيني الشخصية التي ادعت وزارة الداخلية المصرية أنها وجدتها داخل بيت أفراد الأشخاص الذين قتلتهم الشرطة بزعم تورطهم في قتل ريجيني، حيث توصل الجانب الإيطالي إلى عدم وجود أي دليل على وجود علاقة بين العصابة المزعومة وريجيني، وبالتالي اقتنع الجانب الإيطالي بمعرفة الأمن المصري بقتلة ريجيني وأنه يتستر عليهم، وأصبح لديهم اقتناع كبير بتورط جهاز أمني مصري في تعذيب ريجيني وقتله.
وعلق المذيع “باسم يوسف” على ما حدث للوفد المصري في روما قائلا “شغل الفهلوة والتلات ورقات اللي بينفع هنا ما ينفعش برة وده دليل ان الأجهزة الأمنية والسياسية بتاعة البلد طلعت من التاريخ وبقت برة نطاق الحضارة من زمان. اللي حصل ده ممكن يتلخص في لسان حال الجانب الايطالي: “امشي ياض العب بعيد بلاش تهريج”. ده منظرنا برة دلوقتي. رخصتنا منك لله”.
ووصفت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية السيسي بأنه “خائف للغاية من شرطته أكثر من اهتمامه بسحب السفير الإيطالي” في إشارة لتورط أجهزة أمنية في القضية ورغبة السيسي في التستر عليها لدرجة المغامرة بالعلاقات مع إيطاليا.
كما انتقد المذيع عمرو أديب تعامل الدولة المصرية مع الأزمة، قائلا: “مصر خسرت الكثير أمام العالم بعد هذه الأزمة”، مستنكرا رفض مصر تقديم أرقام هواتف محمولة للجانب الإيطالي؛ بحجة احترام الدستور المصري، متابعا: “كل أرقامنا الهاتفية على المشاع، والدولة المصرية لا تتعاون مع إيطاليا أبدًا، إنت عايز تقولي إنك متقدرش تسلم أرقام تليفوناتنا؟ ده إحنا مكالمتنا على البحرى، دستور مين؟ روحوا لعبد الرحيم علي يجيبلكم المكالمات، مفيش حد فينا مصدّق الكلام ده، إنتوا بتعملوا فينا كده ليه؟ إحنا غلطانين يا جماعة، إحنا اتغلبنا، إحنا معملناش شغلنا صح” وتابع “احنا افتكرنا إن الجانب الإيطالي هيزهق ويمل.. واحنا لم نقم بعملنا بالشكل المطلوب”.
واختتم أديب حديثه قائلا “ريجيني هيفضل في رقبتنا، الحكاية ما دخلتش على الطاليان، وبصراحة ما دخلتش عليّا أن كمان، ولو في حد مصدّق اللي بيتقال يبقى أنا كذاب”.
المعارضة الإيطالية
كان هذا تفسير المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية لأزمة العلاقات المصرية الإيطالية بعد سحب السفير الإيطالي من مصر، قائلا إن هناك ضغوطا من المعارضة الإيطالية على الحكومة لاتخاذ إجراءات تصعيدية ضد مصر.
ونشرت صحيفة “اليوم السابع” تحليلا للأزمة تضمن نفس الرؤية من تحميل المعارضة الإيطالية المسؤولية عن التصعيد بين البلدين. ووصفت الصحيفة زعماء المعارضة بأنهم “يقدمون مصالح أحزابهم الضيقة على حساب مصلحة الحكومة الإيطالية، حتى وإن كانت النتيجة أن تفقد إيطاليا شريكاً مهما مثل مصر” على حد قولها.
تم نشره بموقع الجزيرة مباشر بتاريخ 4/10/2016
http://mubasher.aljazeera.net/news/%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D9%81%D8%B9%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%88%D9%81%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%B1%D9%88%D9%85%D8%A7-%D9%84%D9%8A%D8%BA%D8%B6%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%8A%D8%B7%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%8A%D9%86%D8%9F