هل تورطت الرئاسة المصرية بقضية مقتل ريجيني؟!
تواصل التخبط والارتباك في أداء الدوائر السياسية والأمنية والإعلامية في مصر، على خلفية الهجوم الإيطالي المتصاعد على الحكومة المصرية وتهديدها باتخاذ إجراءات تصعيدية في حالة عدم تعاون السلطات المصرية في الكشف عن قتلة الباحث الإيطالي جوليو ريجيني.
تورط رئاسي؟
آخر حلقات هذا الهجوم كان ما نشرته صحيفة “لا ريبابليكا” الإيطالية وترجمه موقع “مدى مصر” نقلا عن رسالة جاءت للصحيفة الإيطالية من مصدر مجهول قال إنه يعمل في الشرطة المصرية أرسل إليها بشهادته عبر البريد الإلكتروني حول ملابسات مقتل ريجيني، واعتمدت على تفاصيل تتفق مع ما توصل إليه تقرير تشريح جثمان الأخير في إيطاليا الذي لا يعرف تفاصيله سوى المحققين الإيطاليين.
وأضافت الصحيفة أن هذا المصدر اتصل أيضا بممثلي الإدعاء الإيطاليين، ويعتقد أنه موثوق لأنه أعطى تفاصيل عن تعذيب ريجيني لم يتم الكشف عنها على الملأ حتى الآن.
ووجهت الشهادة الاتهام لخالد شلبي مدير إدارة المباحث بمديرية أمن الجيزة، بأنه أصدر قرار القبض على ريجيني، لينقل بعدها إلى مقر الأمن الوطني ثم إلى المخابرات الحربية التي قامت بتعذيبه حتى فارق الحياة.
وكانت المفاجأة الثانية في الشهادة هي ادعاؤها أن السيسي اجتمع مع وزير الداخلية والسفيرة فايزة أبوالنجا، مستشارة الرئيس للأمن القومي، واثنين من قيادات الحرس الجمهوري، واتفق المجتمعون على إلقاء الجثمان بجانب طريق والقول بإن الجريمة حدثت بأغراض السرقة والمثلية الجنسية.
وكان صحيفة “الوطن” المصرية قد كشفت أن سبب تأجيل مغادرة الوفد المصري إلى روما هو إصرار الجانب الإيطالي على حضور “ضابط مباحث برتبة كبيرة بمديرية أمن الجيزة” والمتوقع أن يكون خالد شلبي، الذي تردد اسمه خلال الفترة الماضية في دوائر إعلامية غربية باعتباره أحد المشتبه بهم الرئيسيين في القضية، وهو ما يتفق مع رسالة الشاهد إلى الصحيفة الإيطالية.
تهديدات إيطالية
كان رئيس الوزراء الإيطالي، ماتيو رينزي، قد أعلن أمس الثلاثاء، أن موقف حكومة بلاده إزاء مقتل طالب الدكتوراه جوليو ريجيني في مصر، هو موقف واضح وقوي، معربا عن أمله في تعاون مصر مع فريق التحقيق الإيطالي، مؤكدا في رده على أسئلة عبر صفحته الرسمية على موقع فيسبوك “نحن نريد، نريد أن يتم العثور على الحقيقة”، متابعًا: “نحن لدينا هدف بسيط: سنتوقف فقط أمام الحقيقة”.
وعقد مجلس الشيوخ الإيطالي جلسة لمتابعة القضية، حفلت بمداخلات النواب التي حملت سيلاً من الاتهامات بـ “الكذب والتضليل والانحراف” للنيابة والداخلية والنظام بأكمله، وتهديدا علنيا بمواقف صارمة ضد مصر إذا لم تغير موقفها، وتأكيدات أن ما يحدث صراع بين أجهزة السلطة في مصر.
وهدد باولو جينتيلوني، وزير الخارجية الإيطالي في كلمته أمام المجلس باتخاذ إجراءات “قوية وصارمة” إذا لم يتغير الموقف من جانب مصر، مؤكدا أن روما لا تصدق تصريحات القاهرة بشأن رواية العصابة التي قتلت ريجيني، وأن المستندات التي حصلت عليها إيطاليا من الجانب المصري ليست كافية، كاشفا عن استدعاء السفير المصري في روما لإبلاغه القلق الإيطالي من مجريات التحقيق في القضية.
وأشار وزير الخارجية الإيطالي إلى مزاعم صادرة من أطراف في مصر حول تورط ريجيني مع أجهزة المخابرات وأنه عميل في القاهرة، وهو ما قاله رفعت السعيد رئيس المجلس الاستشاري لحزب التجمع، كما أشار إلى المقال الذي كتبه رئيس تحرير صحيفة “محمد عبد الهادي علام” الذي دعا فيه السلطات المصرية إلى كشف الحقيقة.
وأكد جينتيلوني أن إيطاليا لن تتوقف عن هذه القضية إلا بعد حصولها على الحقيقة الكاملة، مضيفا “نحن نريد الحقيقة الكاملة والجاني الحقيقي وليست الحقيقة المريحة”.
وكانت صحيفة ونشرت “كورييري ديلاسيرا” الإيطالية قد نشرت ملفا شاملا عن المختفين قسريا في مصر، تصدرته صورة ريجيني مكونة من صور 533 شخصا من المختفين قسريا، وبمجرد فتح موقع الصحيفة على شبكة الإنترنت يسمع الزائر صوت والدة ريجيني وهي تقول “نحن لا نتحدث عن حادث فردي”.
وقالت صحيفة “لا ستامبا” الإيطالية إن مصر “كذبت حتى على أمريكا” في قضية مقتل ريجيني، مضيفة في تقرير لها “مصر تصدر روايات كاذبة، ولا تتمتع بالمصداقية حول قتل ريجيني، ليس فقط للدبلوماسيين الإيطاليين”. مؤكدة أن وزير الخارجية المصري سامح شكري قال لنظيره الأمريكي جون كيري، إن ريجيني اشترك في عصابة إجرامية، تمتهن الجنس الجماعي السادي المازوخي، وأن هذه العصابة قامت بتعذيبه وقتله، وعندما توجهت الشرطة المصرية إلي مكان العصابة للقبض علي الجناة، اندلعت معركة بالأسلحة النارية، نتج عنها مقتل المتورطين جميعاً، بمعني أنه لا يوجد شهود عيان لإثبات ذلك.
وأرجعت الصحيفة ما حدث لريجيني باحتمالية وجود صراع بين الأجهزة الأمنية في مصر رح ضحيته الباحث الإيطالي.
تخبط مصري
الهجوم الإيطالي قوبل بمحاولة احتواء مصرية عبر وزارة الخارجية، التي صرح المتحدث الرسمي باسمها أنها ستمتنع عن الرد والتعقيب على هذه التصريحات التي وصفها بأنها “تزيد تعقيد الموقف”.
وقد استمرت المطالبات السياسية والإعلامية المصرية بضرورة الكشف عن الحقيقة للجانب الإيطالي تجنبا لتدهور العلاقات بين البلدين، وقال محمد العرابي وزير الخارجية المصري الأسبق في مداخلة لبرنامج “العاشرة مساء” على قناة “دريم” الفضائية، إنه التقى وفدا من البرلمانيين التابعين للحلف الاطلنطي كان من بينهم برلماني إيطالي، وأنه فهم من حديثه معهم أنهم “لديهم قناعات معينة من الصعب أن نستوعبها ونحن لم نقدم الدليل الذي يدحض تلك القناعات التي لدى إيطاليا” في إشارة لتورط أجهزة أمنية مصرية في القضية، مطالبا بتأجيل زيارة الوفد المصري في حال عدم امتلاكه أدلة واضحة تقنع الإيطاليين، معربا عن شكوكه في نجاح تلك الزيارة.
وانضم ياسر رزق، رئيس مجلس إدارة أخبار اليوم إلى رئيس تحرير الأهرام في انتقاده تعامل السلطات المصرية مع القضية، واصفا إياه في برنامج تلفزيوني بأنه “بالغ الرداءة”، مؤكدا أن “الدولة المصرية لن تتستر على المتورطين في مقتل ريجيني” لكنه أشار في نفس الوقت إنه “لا يتصور وقوف جهاز أمني وراء قضية مقتل ريجيني” متمنيا أن تكون رواية وزارة الداخلية عن تورط عصابة “خطف أجانب” في الواقعة صحيحة، مضيفا أن “كفاءة الأجهزة في هذه المرحلة الحالية في تاريخ مصر محل نظر”.
استمرار الدفاع
على الجانب الآخر، ما زال بعض الإعلاميين الموالين للنظام مصرين على الدفاع عن الرواية الرسمية لمقتل ريجيني، متبنين خطاب المؤامرة تجاه التهديدات الإيطالية.
فقد استبعد معتز عبد الفتاح أستاذ العلوم السياسية والمذيع بقناة المحور تورط أجهزة أمنية مصرية في قضية ريجيني، مستدلا على ذلك بأنه لا يوجد أي جهاز مصري أو مؤسسة مصرية لها تاريخ في تعذيب الأجانب، لأن التعذيب مقتصر على المصريين فقط، واعتبر أن مقتل الباحث الإيطالي وإلقاء جثته في الطريق في وقت زيارة وزيرة التعاون الاقتصادي الإيطالية للقاهرة يؤكد أن الداخلية لم تقتل ريجيني، زاعما بوجود جهات تريد الوقيعة بين مصر وإيطاليا. كما أرجع سبب سقوط الطائرة الروسية في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي إلى تخطيط مخابراتي.
واستنكر المذيع سيد علي الاتهامات بحق أجهزة الأمن المصرية، والمطالبات المتكررة بالإعلان عن الحقيقة، مضيفا أنه حتى لو كان هناك خطأ في قتل ريجيني فإنه “لا يجب أن تضع البلد كلها تحت المقصلة” مستدلا بالحديث الشريف “انصر أخاك ظالما أو مظلوما”.
وهاجم المذيع أحمد موسى الإعلاميين المصريين الذين أكدوا توصل الجانب الإيطالي للمشتبه بهم بقتل ريجيني، متهما إياهم بالكذب والعمل “ضد مصر لتدميرها”، على حد قوله.
وهاجم الصحفي أسامة الشاهد وزير الخارجية الإيطالي، مخاطبا إياه قائلاً: “احترم نفسك.. أنت مبتكلمش مستعمرة أنا مصري وبقولك لا ولن نكون كذلك”، متهما الأوربيين بالسعي لمحاصرة مصر.
وعلى الجانب الأمني، وصف اللواء مجدي البسيوني، مساعد وزير الداخلية الأسبق، حادث مقتل ريجيني بأنه “لعبة مخابراتية يتم استهداف مصر بها، للوقيعة بين البلدين”.
اختفاء مواطن مصري
ولجأ الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى قضية اختفاء المواطن المصري “عادل معوض” في إيطاليا لمحاولة إثبات أن مثل هذه الحوادث فردية ويجب تجاوزها “دون تداعيات سلبية على علاقات البلدين والشعبين الصديقين” حسب ما قال في رده على أسئلة وفد من الجمعية البرلمانية لحلف شمال الأطلنطي أمس الثلاثاء. معربا عن أسفه لمقتل ريجيني، وأكد مواصلة التعاون مع الجانب الإيطالي للوقوف على ملابسات الحادث وتقديم الجناة للعدالة.
ويأتي الاهتمام المصري المفاجئ باختفاء المواطن المصري رغم اختفائه منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لكن لم يتم الحديث عنه إلا في سياق رد الفعل على المطالبات الإيطالية بكشف حقيقة مقتل ريجيني.
تم نشره بموقع الجزيرة مباشر بتاريخ 4/6/2016
http://mubasher.aljazeera.net/news/%D9%87%D9%84-%D8%AA%D9%88%D8%B1%D8%B7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A6%D8%A7%D8%B3%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D9%82%D8%B6%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D9%82%D8%AA%D9%84-%D8%B1%D9%8A%D8%AC%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%9F