في مصر: أنت قيد الاعتقال لأن قريبك متهم
في التاسع والعشرين من فبراير/ شباط الماضي، خرج وزير العدل المقال “أحمد الزند” بتصريح قال فيه إنه يفكر في إصدار تشريع ملحق لقانون الإرهاب يعاقب والدِى من سماهم “الإرهابيين”: أي الأب أو الأم، أو متولى التربية “الذين يتركون أبناءهم يهاجرون ويتغيبون عن محل إقامتهم بالأشهر أو السنوات، ويقولون إنهم لا يعرفون عنهم شيئاً، لأن هؤلاء مجرمون سلبيون” على حد قوله.
وأضاف “الذى يترك ابنه، أو من عُهِد إليه بتربيته دون أن يتفحص أحواله، وأين ذهب، ولا يعرف مصيره، فهذا ساعد ولا شك في الجريمة الإرهابية”.
أثار التصريح انتقادات واسعة من المواطنين والحقوقيين، لكن سلوك قوات الأمن المصرية خلال السنوات الماضية، وخاصة في الحوادث الأخيرة، ينبئ عن تبني وزارة الداخلية المصرية والنيابة العامة لمبدأ عقاب الأهل والأقارب، وحتى الجيران، بشكل غير مباشر.
ويعتبر احتجاز أقارب المتهمين والمطلوب ضبطهم –خاصة أقارب الدرجة الأولى- ممارسة أمنية شائعة في مصر منذ ما قبل ثورة يناير، بهدف إجبار المتهم على تسليم نفسه. كما كان احتجاز النساء والأقارب قد تسبب في غضب واسع لأهالي سيناء قبل وبعد ثورة يناير، وأدى إلى حدوث احتكاكات عديدة بين الأهالي وقوات الشرطة.
مختطف الطائرة
كانت آخر تجليات هذا الأمر هو القبض على 12 من أقارب وجيران “سيف الدين مصطفى” المتهم باختطاف الطائرة المصرية في قبرص أول أمس الثلاثاء، بينهم شقيقته، واحتجازهم بقسم شرطة حلوان، “لمعرفة الأسباب والدوافع الحقيقية وراء خطف الطائرة ومدى علمهم بجرائم المتهم” وفقا لما صرح به مصدر أمني لصحيفة “الأخبار” المصرية الحكومية. وهو سلوك يثير تساؤلات عن سبب القبض عليهم إذا كان الأمر مجرد استجواب وليس بسبب اتهامهم بجريمة محددة. حتى مع التأكيد على إطلاق سراحهم بعد الانتهاء من الاستجواب.
المتهمون بقتل ريجيني
أما الواقعة الثانية فكانت حبس شقيقة وشقيق وزوجة وزوج شقيقة أحد الأفراد الخمسة الذين قتلتهم قوات الأمن بزعم تورطهم في اختطاف وقتل الباحث الإيطالي “جوليو ريجيني”، بتهمة “التستر على مجرم وإخفاءه عن العدالة، والاحتفاظ بمتحصلات سرقة المتهم مع علمهم بنشاطه الإجرامي”. يأتي ذلك رغم إعلان النائب العام المصري تشكيل فريق بحث جديد في القضية بعد إعلان إيطاليا رفضها للرواية المصرية حول سبب وفاة ريجيني، وهو ما يدل على عدم تورط القتلى الخمسة في القضية. كما أعلنت عائلة ريجيني أن المتعلقات التي أعلنت وزارة الداخلية العثور عليها لا تخص ابنهم.
تزامن هذا السلوك الأمني المصري مع إفراج السلطات البلجيكية عن “فيصل شفو” المتهم الوحيد بالضلوع في تفجيرات بروكسل، وهو ما دفع مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي ونشطاء إلى المقارنة بين اكتفاء الشرطة البلجيكية بالقبض على المشتبه به ثم إفراجها عنه وبين تصفية الشرطة للأفراد الخمسة مباشرة.
وقالت النيابة البلجيكية، في بيان، إن “المؤشرات التي أدت إلى اعتقال المدعو فيصل شفو لم يعززها تطور التحقيق الجاري. وبناء عليه، أفرج قاضي التحقيق عن الشخص المذكور”.
رئيس مباحث شبرا
في أوائل مارس/ آذار الجاري، قتل المقدم “مصطفى لطفى” رئيس مباحث قسم ثانى شبرا الخيمة على يد شخص يدعى “محمد وحيد” وشهرته “كوريا”. لتلقي قوات الشرطة القبض على زوجة ووالدة المتهم، وتقوم النيابة بتجديد حبسهما بزعم أنهما شاركتا في إخفاء المتهم، و”حيازة أسلحة نارية ومقاومة السلطات”. قبل أن تقوم الداخلية بتصفية المتهم نفسه بعد نحو 10 أيام من الحادث.
المفارقة أن الضابط القتيل نفسه كان قد ألقى القبض على والدة وشقيقات متهم كان قد ذهب للقبض عليه ولم يجده، وعندما ذهب الأب إلى قسم الشرطة قال له الضابط القتيل “ابحث عن ابنك كي أفرج عن زوجتك وبناتك” وفقا لنداء نشره الأب في الصحف موجها إلى وزير الداخلية ليستغيث به مما لحق بأسرته.
وفي سبتمبر/ أيلول عام 2014، نشرت المواقع المصرية خبرا عن القبض على عدد من أقارب متهمين هاربين من أحد السجون بمدينة المحلة بمحافظة الغربية، للضغط على المتهمين لتسليم أنفسهم للشرطة.
عائلات خلف القضبان
منذ انقلاب الثالث من يوليو/تموز 2013 تقبع عشرات الأسر بكاملها داخل القضبان بتهم مختلفة. أبرزها المصور الصحفي عمر عبد المقصود المعتقل منذ فبراير/ شباط 2014، وشقيقيه الاثنين إبراهيم وأنس المحتجزان معه في ذات القضية، بالإضافة إلى القبض على والده أثناء زيارته له في 11 يناير/ كانون الثاني الماضي، بدعوى محاولته إدخال هاتف محمول له.
كما تعاني أسرة الدكتور محمد البلتاجي من ذات الأمر، فبعد مقتل أسماء البلتاجي أثناء فض اعتصام رابعة العدوية في أغسطس/ آب 2013، ألقت قوات الأمن القبض على البلتاجي بعد أسبوعين من المذبحة، كما ألقت القبض على نجليه “أنس” الذي صدر حكم ضده بالسجن لمدة 5 سنوات، و”خالد” الذي ألقي القبض عليه في سبتمبر/ أيلول الماضي، ثم أفرج عنه في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، لكن حكم عليه في يناير/ كانون الثاني الماضي بالحبس لمدة عامين وكفالة 50 ألف جنيه. كما تطارد قوات الأمن الابن الأصغر “حسام” البالغ من العمر 13 عاما.
ولم تنج السيدة “سناء عبد الجواد” زوجة البلتاجي من محاولة حبسها خلف القضبان، فصدر حكم أول درجة بحبسها لمدة 6 أشهر بزعم قيامها بالتعدي على حرس سجن طرة، إلا أن الحكم النهائي صدر بتغريمها مبلغ 200 جنيه.
عائلة الشويخ
بدأت معاناة عائلة الشويخ مطلع ديسمبر/ كانون الأول 2013 حينما اعتقل الوالد جمال متولي الشويخ، ليلحق به ابنه عمر الطالب بجامعة الأزهر في مارس/ آذار 2014، وبعدها بأشهر اعتقل الابن الأكبر عبد الرحمن بعد ثلاثة أشهر من إنهائه الخدمة العسكرية. وأخيرا الابن الصغير عبد العزيز (17 عاما) الذي بات مطاردا هو الآخر بعد الحكم عليه عسكريا بـ15عاما في قضية ملفقة.
وقد حكم على عمر بالسجن خمس سنوات و100 ألف جنيه غرامة، ولا يزال يحاكم في قضية أخرى، كما حكم على عبد الرحمن مدنيا بالسجن سنتين وغرابة 250 ألف جنيه وعسكريا بالسجن ست سنوات، ولا يزال اسمه كذلك مدرجا في قضيتين عسكريتين أخريين.
الأب والابن
عائلات أخرى ينتمي أفرادها إلى جماعة الإخوان المسلمين تتعرض لنفس المعاناة، منها أسرة الدكتور عصام الحداد مساعد الرئيس المعزول محمد مرسي للشؤون الخارجية، الذب ألقي القبض عليه منذ الانقلاب حتى الآن، إضافة إلى نجله جهاد الحداد المعتقل منذ سبتمبر/ أيلول 2013.
وانضم الدكتور محمود غزلان عضو مكتب الإرشاد إلى ابنه يحيى محمود غزلان في السجن بعد القبض عليه في يونيو/ حزيران الماضي. كما تشمل القائمة خيرت الشاطر نائب مرشد الجماعة ونجله سعد.
وألقي القبض على الدكتور عاشور الحلواني ونجله أحمد عاشور الحلواني بتهمة التخابر مع النرويج إلى جانب اتهامات أخرى منذ 28 من نوفمبر/ تشرين الثاني 2014. واعتقل “عيد دحروج” بسجن العقرب وحكم عليه بالمؤبد، فيما عرف بقضية التخابر مع حماس، فيما يقبع الدكتور عبد الرحمن عيد دحروج بسجن برج العرب بعد الحكم عليه بالحبس عامين بتهمة الانضمام لجماعة محظورة، وصلاح الدين عيد دحروج بسجن وادي النطرون بعد أن حكم عليه بالسجن خمس سنوات بنفس التهمة. فضلا عن عشرات الأسر الأخرى تتعرض للتنكيل بأكثر من فرد بها.
الشقيقان
ألقت قوات الشرطة القبض على الدكتور عبدالله شحاتة، أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، ورئيس اللجنة الاقتصادية بحزب الحرية والعدالة، ومساعد وزير المالية الأسبق، يوم الجمعة 28 من نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، إضافة إلى شقيقه أسعد، ومازالا معتقلين حتى الآن.
وكانت عائلة الحقوقي الراحل أحمد سيف الإسلام حمد ضحية هذا النوع من العقاب، بعد القبض على نجله علاء عبد الفتاح وابنته سناء سيف، قبل الإفراج عن سناء والإبقاء على علاء داخل السجن حتى الآن.
وتعاني الأسر التي لها أكثر من فرد داخل القضبان من توزيع أفرادها على عدة سجون في محافظات مختلفة، وهو ما يعيق الزيارات ويجعلها في منتهى الصعوبة، إضافة إلى تكلفتها المالية الباهظة التي لا تستطيع بعض الأسر الوفاء بها نتيجة اعتقال رجالها.
تم نشره بموقع الجزيرة مباشر بتاريخ 3/31/2016
http://mubasher.aljazeera.net/news/%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D8%A3%D9%86%D8%AA-%D9%82%D9%8A%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B9%D8%AA%D9%82%D8%A7%D9%84-%D9%84%D8%A3%D9%86-%D9%82%D8%B1%D9%8A%D8%A8%D9%83-%D9%85%D8%AA%D9%87%D9%85