“صراع الأجهزة” يتفاقم في مصر (1-2)
ظهرت كلمة “الأجهزة” وترددت بصورة كبيرة على ألسنة صحفيين ومذيعين وإعلاميين مصريين بصورة مكثفة ومعلنة وغير مسبوقة خلال الأسابيع الماضية، في مؤشر على ما يطلق عليه “صراع الأجهزة” المقصود بها المؤسسات الأمنية والسيادية في مصر، التي تضم على سبيل المثال (المخابرات العامة- المخابرات الحربية- الأمن الوطني).
الصراع على النفوذ
كان هذا عنوان مقال الكاتب الصحفي “عبد الله السناوي” في صحيفة الشروق أول أمس الجمعة، وفيه اعتبر السناوي أن “مصر تشهد أسوأ أنواع صراعات النفوذ بالقياس لأية مرحلة أخرى فى التاريخ المصري الحديث”، مؤكدا أن السبب الحقيقي لإقالة أحمد الزند وزير العدل ليس هو السبب المعلن عنه، وأن إساءته للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) ليست سوى حجة تم استغلالها ضده للإطاحة به، بعد أن تزايد نفوذه بشكل كبير داخل النظام وأصبح عبئا كبيرا عليه.
وكانت إقالة الزند قد فجرت غضبا كبيرا من إعلاميين محسوبين على النظام، هاجموا قرار إقالته رغم أنه صادر من الرئيس عبد الفتاح السيسي، وأكدوا أن القرار “يخدم الإخوان”.
وكشفت لميس الحديدي أن أسباب إقالة الزند أعمق من تصريحاته المسيئة عن النبي، وأن اسم الزند كان على رأس التعديلات الوزارية المزمع إجراؤها خلال أيام.
وقال موقع “هافنغتون بوست عربي” نقلا عن مصادر قضائية إن إقالة الزند جاءت في إطار صراع النفوذ بين المخابرات الحربية، وجهاز الأمن الوطني، وهو الصراع الذي ظهر خلال معارك سابقة، مثل ما حدث مع توفيق عكاشة.
المصادر قالت أيضا إن هناك “قائمة الدولة الموازية” التي أعدتها أجهزة سيادية مقربة من الرئاسة، تضم شخصيات عامة من رجال أعمال وسياسيين وصحفيين وإعلاميين ورجال دولة في القضاء أو الداخلية أو أجهزة رقابية، تمهيدا للتعامل معهم وإقصائهم من المشهد.
حماس واغتيال النائب العام
في السادس من مارس/ آذار الجاري، ظهر وزير الداخلية المصري “مجدي عبد الغفار” ليوجه اتهاما صريحا لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) بالتورط في اغتيال النائب العام السابق هشام بركات في يونيو/ حزيران العام الماضي. وتوقع محللون أن تشهد الأيام التالية تصعيدا مصريا ضد حماس قد يصل إلى مستويات غير مسبوقة.
لكن بعد أقل من أسبوع، وصل وفد من حركة حماس إلى القاهرة للقاء مسؤولين في المخابرات العامة المصرية. وصدرت تصريحات تؤكد قوة العلاقة بين الطرفين والرغبة في فتح صفحة جديدة.
هذه الزيارة فتحت الباب واسعا أمام الحديث عن وجود “صراع” بين الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في مصر، خاصة أن ذلك يتسق مع تصريحات محمود الزهار، عضو المكتب السياسي لحركة حماس، التي قال فيها إن اتهام الحركة بالتورط في اغتيال النائب العام يقتصر على وزارة الداخلية، لكنه “ليس رأي كل الأجهزة الأمنية في مصر”، مثل جهاز المخابرات العامة والمخابرات الحربية.
واستطرد “أنا لا أريد أن أدخل في التحليل، أقول إن ما ذكرته وزارة الداخلية ليس هو ما سمعناه من الأجهزة الأخرى قبل أقل من عام”.
المفارقة أن العنوان الرئيسي لصحيفة الوطن المصرية –المقربة من أجهزة أمنية- صباح يوم زيارة وفد حماس إلى مصر كان تأكيدا من مصادر أمنية بأن مصر لن تستقبل أي وفود من حماس، وأن الحركة فشلت في تهريب أسلحة إلى سيناء.
الإعلام مرآة الصراع
انعكس صراع الأجهزة على أداء وسائل الإعلام المصرية، فرغم أن الأيام التالية لاتهامات وزير الداخلية شهدت تحريضا إعلاميا ضد الحركة، ودعوات للتدخل العسكري في غزة، إلا أن زيارة وفد الحركة الأخيرة إلى مصر غيرت هذه الدعوات.
كانت صحيفة الأهرام قد قالت في افتتاحيتها يوم الثامن من مارس/ آذار الجاري، تعليقا على اتهامات وزير الداخلية لحماس “لم يكن مستغربا أن نعلم أن حركة حماس وراء كل هذا الشر، فالمصريون يعرفون أن حماس هي إحدى أذرع التنظيم الدولي للإخوان، ويعرف المصريون أيضا الدور الذى لعبته حماس فى اختطاف ثورة الشعب فى 25 يناير، وراحوا يروجون زورا وبهتانا أن إخوان الشيطان هم من فجر الثورة، مع أن الثورة بريئة منهم ومن شرهم الى يوم يبعثون”.
إلا أن الصحيفة نشرت مقالا للكاتب “محمد أمين المصري” دافع فيه عن الحركة وهاجم منتقديها قائلا “نرى نفرا من السياسيين المصريين المغرضين الذى لا يدركون معنى السياسة، يحرضون الدولة على ضرب حماس. وهؤلاء لم يدركوا بعد أن حماس حركة مقاومة لطالما نالت إعجابنا وستظل حركة مقاومة لولا السياسة الملعونة التي اقتصت من رصيدها فى قلوب العرب والمصريين”.
أما الإعلامي وائل الإبراشي فبدل موقفه من اتهام حماس بالإرهاب إلى دعوة الإعلام المصري لعدم الهجوم عليها.
ففي حلقة 6 مارس/ آذار، قال الإبراشي عن حماس إنها “أصيبت بجميع أمراض السلطة، وبدلا من أن تراجع مواقفها وتصارح نفسها وتعترف بتدخلها في شئوننا الداخلية، تصرفت على أنها جزء من الجماعة الارهابية” قاصدا جماعة الإخوان المسلمين.
وفي السادس عشر من نفس الشهر، قال الإبراشي عن حماس إنها “كانت توجه نيرانها في وجه العدو الصهيوني فقط وليس الدول العربية” داعيا وسائل الإعلام المصرية إلى التوقف عن الهجوم على الحركة عقب الزيارة الأخيرة إلى مصر واللقاء مع مسؤولي المخابرات المصرية، متمنيا أن تعود حماس إلى “طبيعتها” ولا تتدخل في الشأن الداخلي المصرين على حد قوله.
لكن أطرافا آخرين في الإعلام المصري لم يتراجعوا عن توجيه الاتهامات لحماس والتحريض عليها، في مؤشر على امتداد “صراع الأجهزة” إلى الأدوات الإعلامية التي تتحكم بها.
فقد كرر عبد الرحيم علي، عضو مجلس النواب، ورئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير صحيفة “البوابة نيوز” اتهاماته ضد الحركة في برنامجه التلفزيوني يوم الجمعة الماضي، زاعما أنها قامت مع جماعة الإخوان بإنشاء معسكرات تدريب وتهريب السلاح والأموال من أجل قتل المصريين خلال ثورة 25 يناير” على حد قوله، كما كرر اتهاماته لحماس باقتحام السجون وتهريب المساجين أثناء الثورة، وارتباطها بتنظيم ولاية سيناء والتنسيق معه في عملياته ضد الجيش المصري في سيناء.
كما حذفت بوابة الأهرام تصريحا لموسى أبو مرزوق، نائب رئيس المكتب السياسي لحماس، كان قد أدلى به ونشرته البوابة، وأشار فيها إلى فتح صفحة جديدة في العلاقات مع مصر. وأضاف “انتهت زيارتنا لمصر العزيزة، ولم نجد من هذه التكهنات شيئاً بل على العكس تماماً وجدنا مسؤولين يحملون لفلسطين كل الحب، ولقضايا مصر كامل المسؤولية”.
وجاء إعلان محكمة مصرية قبل 5 أيام تحديد يوم 31 مارس/ آذار لنظر أولى جلسات دعوى قضائية تطالب بإدراج حماس كـ”منظمة إرهابية” بالتزامن مع وجود قيادات من الحركة الفلسطينية بالقاهرة.
وهذه الدعوى الثانية التي تحدد فيها محكمة مصرية، جلسة لنظر دعاوي تلاحق “حماس”، حيث حددت محكمة الإسكندرية للأمور المستعجلة قبل ذلك جلسة 23 مارس/ آذار لنظر دعوى مقامة من أحد المحامين للمطالبة بإدراج “حماس” منظمة إرهابية استنادًا للاتهامات الرسمية لها والمرتبطة باغتيال النائب العام السابق.
وفي يونيو/ حزيران الماضي، ألغت محكمة استئناف مصرية السبت حكما قضائيا سابقا اعتبر حماس “منظمة ارهابية” في قرار وقتها رحبت به الحركة الفلسطينية واعتبرته “تصويبا لخطأ سابق”.
مقتل الطالب الإيطالي
مع مرور أسابيع على مقتل الطالب الإيطالي “جوليو ريجيني” بالقاهرة بعد تعرضه للتعذيب، بدأت تظهر مؤشرات على تورط أجهزة أمنية مصرية في القضية، وأن ما حدث للطالب الإيطالي والكشف عن مقتله يقف وراءه صراع الأجهزة في مصر.
أحمد الزند وزير العدل المقال نفسه اعترف في نفس الحوار الذي تسبب في إقالته أن الطب الشرعي المصري قدم تقريرًا “حقيقيًّا” عن الإصابات الموجودة بجثمان الطالب الراحل، مشددا على أنه لا يريد الحديث في الأمر، حتى لا يتم استغلاله من قبل من وصفهم ب “اللي بالي بالك”. وقال الدكتور مصطفى الفقي، إن هذا التصريح من جانب الزند هو السبب الحقيقي لإقالته من منصبه.
وجاءت حكاية “الشاهد المزيف” لتؤكد هذا السيناريو، بعد أن استضاف المذيع أحمد موسى شخصا ادعى أنه شاهد ريجيني وهو يتشاجر مع شخص أجنبي خلف مبنى القنصلية الإيطالية قبل اختفاءه، قبل أن يتضح كذبه. ونقل موقع “انفراد” عن مصادر أن الشاهد ذهب لحلقة أحمد موسى مستقلاً سيارة تابعة لوزارة الداخلية.
مؤشر آخر كشف عنه بوضوح “محمد الهواري” رئيس أكاديمية أخبار اليوم، خلال حوار تلفزيوني، إذ أرجع بطء التوصل للأسباب الحقيقية وراء مقتل ريجيني إلى أن وزارة الداخلية لم تجد حتى الآن “كبش فداء”، على حد قوله.
وكانت صحيفة نيويورك تايمز قد كشفت أن ريجيني تعرض للاحتجاز من قبل الشرطة، وفقا لما ذكره مسؤولون أمنيون لها. وهو ما يتسق مع “الكتاب السري” الذي أصدرته وزارة الداخلية ووزعته على جميع مديريات الأمن والإدارات العامة بالوزارة وتضمن أوامر بإخطار مكتب الوزير وقطاع الأمن الوطني ببيانات أي شخص اجنبي يتم القبض عليه قبل اتخاذ أي إجراء حياله. ويشير هذا الكتاب إلى احتمالية تورط ضباط من جهاز أمني آخر داخل الوزارة غير جهاز الأمن الوطني في احتجاز ريجيني وتعذيبه حتى الموت.
الباحث الحقوقي المصري أيمن سرور ذهب إلى نفس الأمر، عندما قال في تصريحات للجزيرة في فبراير/ شباط الماضي أن الحادث يكشف وجود نوع من الصراع المكتوم بين الأجهزة الأمنية الداخلية في مصر “الأمن الوطني والمخابرات الحربية والمخابرات العامة والأمن القومي”.
صراع الجيش والشرطة
على الرغم من تأكيد المسؤولين على قوة العلاقة بين الجيش والشرطة، إلا أن حالات عديدة شهدتها البلاد أدت إلى تصاعد الحديث عن خلافات كبيرة بين المؤسستين.
ففي أبريل/ نيسان 2015 شهد قسم شرطة “شبين الكوم” بمحافظة المنوفية حصارًا من قوات الشرطة العسكرية بعدما اصطحب أفراد كمين أمني طيارًا حربيًا إلى القسم بعد رفضه إظهار رخصة القيادة الخاصة به أثناء مروره بالكمين، واحتاج الأمر إلى تدخل قائد المنطقة المركزية ومحافظ المنوفية ومدير الأمن لحل الموقف.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2014 احتجز ضابط بالقوات البحرية في قسم شرطة محرم بك، وهو ما أدى إلى حصار الشرطة العسكرية وقوات البحرية قسم الشرطة لحين تسلم زميلهم المحتجز، وحدثت مشادات بين أفراد الجيش والشرطة أدت إلى إصابة أحد أفراد قوة القسم.
وفي اكتوبر/ تشرين الأول 2014 قام ضابط جيش باصطحاب قوة من الشرطة العسكرية والقبض على أفراد كمين للشرطة واقتيادهم لأحد معسكرات الجيش وتوقيفهم فيما يسمى “التكدير” بعد حدوث مشادة كلامية بين ضابط الجيش وأفراد الكمين، قبل تدخل لجنة مشتركة من الجيش والشرطة للمصالحة بين الطرفين.
وفي 2 مارس/ آذار 2014 أطلق أحد ضباط الجيش عدة رصاصات في الهواء للتفريق بين أمين شرطة بقسم إمبابة وأحد أفراد القوة العسكرية المُكلفة بحماية القسم، مما أدى لانطلاق وابل من الطلقات في الهواء والقنابل المسيلة للدموع من الطرفين. وردد أمناء الشرطة بالقسم هتاف “يسقط حكم العسكر”. وانتهى الموقف بالمصالحة وانسحاب القوة العسكرية المسؤولة عن تأمين القسم.
الصراع داخل الجهاز الواحد
مستوى آخر من الصراع كشف عنه، وهو ما يحدث من توترات داخل الجهاز الواحد، وأبرز مثال لذلك الخلافات الدورية التي تحدث بين ضباط وأمناء الشرطة، والتي كان آخرها القبض على 7 أمناء شرطة ينتمون لائتلاف أمناء الشرقية، قبل ظهورهم فى أحد البرامج التلفزيونية للحديث عن أزمة أمناء الشرطة الأخيرة.
وكان مواطنون قد حاصروا مديرية أمن القاهرة بعد مقتل سائق على يد أمين شرطة، وهي حادثة تكررت بصورة كبيرة خلال الأشهر الماضية.
كما شهدت العلاقة بين الضباط والأمناء احتقانا نتيجة رفض الأمناء القيام بتحليل للكشف عن تعاطيهم المخدرات من عدمه، مطالبين بخضوع الضباط أيضا لهذا التحليل.
تم نشره بموقع الجزيرة مباشر بتاريخ 3/21/2016
http://mubasher.aljazeera.net/news/%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AC%D9%87%D8%B2%D8%A9-%D9%8A%D8%AA%D9%81%D8%A7%D9%82%D9%85-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%B5%D8%B1-1-2