تصاعد قلق مؤيدي النظام المصري من “جمهورية فيسبوك”
“ما يكتب عليك بالفيصبوك وطنيطر، أكاذيب وقباحة وقلة أدب لا توثر فيك، أنت بين النخبة وبين المثقفين”، كان هذا ما قاله أحمد الزند وزير العدل الذي تمت إقالته من منصبه قبل أيام، موجها حديثه إلى المذيع توفيق عكاشة الذي أسقطت عضويته من مجلس النواب قبل أسابيع.
الزند لم يجد سوى “طنيطر” حسب تعبيره والذي هاجمه قبل 4 سنوات، ليلجأ إليه في محاولة أخيرة للتعامل مع أزمة تصريحاته عن النبي (صلى اله عليه وسلم) قبل إصدار قرار إقالته من منصبه. وقال حساب منسوب له ينشط على فترات متباعدة “أقر واعترف بأن تصريحي كان افتراضي وزلة لسان واستغفرت الله فور النطق به، ولم أقصد الإساءة للأنبياء وما كان ينبغي أن أقول هذا ورغم ذلك البعض استغل تصريحي لتهييج الرأي العام”.
وقال في تغريدات أخرى “تصريحاتي تثير جدلا فيما يتعلق بصالح الوطن وليس ضده.. وأكدت أنني اضطررت للتحرك من أجل الحفاظ على سمعة أسرتي وأستغفر الله”، وأضاف “جئتك معتذرا يا رسول الله.. يا من أطلقت سراح الكفار في فتح مكة المباركة .. أستغفر الله و أتوب إليه”. واللافت أن حسابا آخر منسوب للمذيع أحمد موسى قام بإعادة تغريد لهذه التغريدات قبل صدور قرار الإقالة.
السابقون واللاحقون
لحق الزند بمصير سلفه محفوظ صابر، الذي قدم استقالته في مايو/ أيار 2015، بعد حملات ضده على مواقع التواصل، بعد تصريحه بعدم إمكانية قبول نجل عمال النظافة للعمل في القضاء.
فمنذ ثورة يناير أثبتت مواقع التواصل الاجتماعي فاعليتها في النقد السياسي والحملات التي تؤثر على الرأي العام، كما أصبح ساحة للسخرية اللاذعة من الرئيس عبد الفتاح السيسي مع كل خطاب يلقيه أو لقاء تلفزيوني يظهر به أو أيا من أركان نظامه. كما نجحت هذه المواقع في حملات أخرى غير سياسية، مثل وقف برنامج “صبايا الخير” للمذيعة ريهام سعيد على قناة النهار في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عقب هجومها على فتاة تعرضت للتحرش وقيامها بنشر صور خاصة لها على الهواء.
غضب إعلامي
إقالة الزند أدت إلى حالة من الغضب لدى عدد من الإعلاميين المقربين منه، لدرجة أن بعضهم انتقد السيسي لأول مرة في مشهد نادر، موجهين سهام غضبهم في نفس الوقت تجاه مواقع التواصل الاجتماعي، التي اعتبروها المسؤول الأول عما حدث لوزير العدل السابق.
وقال المذيع أحمد موسى أحد المقربين من السيسي والزند، إنه لم ير في حياته دولة تدار من موقع فيسبوك، على حد قوله، مؤكدا أن إقالة الزند “غير دستورية”، وأن جماعة الإخوان المسلمين استغلت تصريح الزند للإطاحة به.
قبل تأكيد خبر الاستقالة أراد حمدي عبدالتواب، المتحدث باسم نادي القضاة وعضو اللجنة الإعلامية في وزارة العدل، توصيل نفس رسالة أحمد موسى، بالتأكيد على أن “من غير المعقول أن يقود فيسبوك تحريك الشارع أو إدارة الدولة المصرية ويحرك مسؤوليها.
كما علّق المذيع تامر أمين أول أمس الثلاثاء على قرار إعفاء الزند قائلًا “عفوًا يا سيادة الرئيس، وعفوًا لرئيس الحكومة، وعفوًا لنواب البرلمان الكرام، نحنا لسنا في دولة القانون والعدل وتقييم العمل، نحن في دولة فيسبوك”.
ورغم أن إقالة الزند لم تكن من الممكن أن تكون قد جاءت من أحد غير السيسي باعتباره رئيس الجمهورية، إلا أن أمين وجه كلامه لرئيس الوزراء شريف إسماعيل قائلا “أعفيت الزند لأنك حبيت تكسب بُنط وتاخد جماهيرية وشعبية متخيلة من فيسبوك وتويتر، قولت أركب الموجة وأمشي في الزفة، ودي كارثة كبيرة، ما حدث جريمة يجب أن لا تمر، طريقة مهينة في الإقالة، الزند أول واحد وقف في وجه جماعة الإخوان بعهد محمد مرسي، فضلًا عن أنه رئيس نادي القضاة، ورمز قضاة مصر، وبكرة فيسبوك يقوم عليك ونطالب بأنك تمشي”.
وأضاف “شيلوا جمهورية مصر العربية، وضعوا مكانها جمهورية فيسبوك العربية، أو جمهورية مصر الفيسبوكية والتويترية، ليس لدي مشكلة مع فيسبوك وتويتر، ولكن لدي مشكلة مع تعاملنا نحن معهما، فهما منبر من لا منبر له، ولكن كثير من الشباب يُسيئون استخدامهما”.
واعتبر أمين أنه إذا كانت الدولة تتخذ من فيسبوك وتويتر دافعا لقراراتها وموجها لسياساتها فإن ذلك “شر لا يمكن احتماله”، على حد قوله، مستنكرا أن تتخذ القرارات نتيجة لـ”موجات فيسبوك وضغوط تويتر”. متهما الموقعين بالتشهير ونشر الشائعات.
واتهم المذيع مجدي طنطاوي على قناة العاصمة مواقع التواصل بتحريف تصريحات الزند، موجها السباب لمن قاموا بمهاجمة الزند وتوجيه الشتائم له على مواقع التواصل الاجتماعي، واصفا إياهم ب”الكلاب”.
أما تهاني الجبالي، نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا السابق، فقالت إن الزند ضحية لمن وصفتهم بـ”كتائب السوشيال ميديا”، واصفة قرار إقالته بـ”قرار سياسي خاطئ”. قائلة إن عالم التواصل الاجتماعي “افتراضي”، ومن يظن أن مصر تُدار بـفيسبوك وتويتر “واهم”.
حسام بهجت وشادي أبو زيد
لعب فيسبوك وتويتر دورا كبيرا في حملات الدفاع عن المعتقلين السياسيين والتعريف بقضيتهم، ونجحت تلك الحملات في الضغط لإطلاق سراح الصحفي حسام بهجت في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بعد احتجازه لأيام من قبل المخابرات الحربية المصرية على خلفية تقرير صحفي كتبه عن محاكمات لبعض ضباط الجيش. كما أدى ضغط هذه المواقع إلى إحباط حملات الإعلام التقليدي الموالي للسلطة التي هاجمت “شادي أبو زيد” صاحب فيديو إهداء الواقي الذكري لأفراد الشرطة في ذكرى الثورة، كما أحبطت خطط وزارة الداخلية التي كانت تهدف إلى القبض عليه ومحاكمته.
تحريض رياضي وفني
يعد مرتضى منصور رئيس نادي الزمالك وعضو مجلس النواب أكثر المهاجمين لمواقع التواصل الاجتماعي، وكان قد عبر أكثر من مرة عن رغبته في إغلاقها.
فبعد اختياره رئيسا مؤقتا للجنة حقوق الإنسان بالبرلمان، علق منصور على النقد الموجه لرئاسته للجنة: “أنا لا اعترف بـالبكابورت اللي اسمه سوشيال ميديا ده، دا بكابورت ضارب اسمه سوشيال ميديا، والمعترضين يشربوا من الخرارة، وأنا مش بخاف”. وفي مداخلة هاتفية له في السابع من مارس/ آذار الجاري، قال منصور “هولع في أم الفيسبوك ده هجيب كبريت واولع فيه، أنا قاعد في البيت تعبان ومشغل وابور الجاز.. هولع في أم فيسبوك ده”.
وكان مرتضى منصور قد تعرض لحملة كبيرة من مواقع التواصل الاجتماعي تطالب بحظر استضافته في وسائل الإعلام وإغلاق قناته على يوتيوب، وانتشر هاشتاج بعنوان #بلوك_مرتضى احتل مرتبة متقدمة ضمن الأكثر انتشارا على تويتر خلال الأيام الماضية. بالإضافة إلى دعوات لإسقاط عضويته بالبرلمان.
على المستوى الرياضي أيضا، انتقد أحمد شوبير، نائب رئيس اتحاد الكرة الأسبق موقع فيسبوك في يناير/ كانون الثاني الماضي، وقال أنه “من أخطر المواقع على الإطلاق، وقد يكون من أتفه المواقع” محاولا استخدام تبريرات أخلاقية لهجومه بالربط بين مواقع التواصل والإبداع، قائلا إن “الإبداع في مصر مرتبط بالجسد العاري والإلحاد والشواذ” متابعا “ليس إبداعا أن نتطاول على رئيس أو مسئول أو ضابط يحرس حدود البلاد، أو موظف يخدم بذمة وضمير”.
ودخل المطرب محمد منير على خط الهجوم خلال إحدى حفلاته بجامعة القاهرة في فبراير/ شباط الماضي، قائلا إن الأمريكان والأوربيين كان لديهم هذا ال”هوس” المتعلق بمواقع التواصل في البداية قبل أن يقل هذا الهوس، داعيا الشباب إلى “التعلم والقراءة”.
“كتائب السوشيال ميديا”
الهجوم على فيسبوك وتويتر امتد إلى قضايا أخرى غير سياسية، فبعد الملاحظات التي كتبها مستخدمو مواقع التواصل عن أداء صحفية اليوم السابع “شيماء عبد المنعم” خلال تغطيتها حفل توزيع جوائز الأوسكار، هاجمت الصحيفة رواد موقعي فيسبوك وتويتر، ووصفتهم ب”كتائب السوشيال ميديا المريضة”.
وكتبت علا الشافعي الصحفية بالجريدة مقالا قالت فيه إن “الكارهون والشتامون على فيسبوك الذين أهالوا التراب على رأسها كشفوا الحقد والكره والتشوه النفسي الذى أصاب الكثيرين” حسب تعبيرها.
وقال “محمد صلاح العزب” الصحفي بالجريدة موجها حديثه إلى شيماء إن “السوشيال ميديا مستشفى مجانين كبيرة، طظ فيهم يا شيماء، ولا يهمك،” على حد قوله، وهو ما أدى إلى دعوات لمقاطعة الصحيفة، واستنكر الداعون للمقاطعة هجوم اليوم السابع رغم أن الصحيفة تحقق أرباحا كبيرة عبر تسويق موادها عن طريق مواقع التواصل.
دعوات للإغلاق
نجاح حملات النقد السياسي والاجتماعي عبر فيسبوك وتويتر دفع عددا من السياسيين والإعلاميين الموالين للنظام بإغلاق مواقع التواصل.
ففي فبراير/ شباط من العام الماضي، طالب أحمد المسلماني، المستشار الإعلامي للرئيس المؤقت السابق عدلي منصور مرتين بإغلاق مواقع التواصل الاجتماعي لمدة عام، زاعما أنها تعيق “بناء الوطن” و”مواجهة التحديات” وواصفا تلك المواقع بأنها “السلاح النووي الجديد” وأنه “عبء حقيقي علينا، ويمنع أي تقدم، لما فيه من سفه وتخلف عقلي، لن يجعل هناك فرصة للأفكار”.
وطالب مصطفى بكري السيسي بوضع تشريع لمحاسبة الشباب على آرائهم المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي، مؤكدا أن فيسبوك أصبح “يستخدم للتحريض ضد مؤسسات الدولة والإرهاب”. وأضاف إن فيسبوك “يعبر عن بيئة منحطة، وتعليقات تسيء للدين والقيم والأخلاق”، داعيا إلى حبس 5 أو 6 من مستخدمي الموقع ليكونوا عبرة لغيرهم. وبعد انتخابه عضوا بمجلس النواب أعرب بكري عن نيته في تقديم قانون “يضع ضوابط لمواقع التواصل الاجتماعي”.
وفي مايو/ أيار 2015، أقام أحد المحامين برفع دعوى قضائية تطالب بحذف موقع فيسبوك عن مصر نهائياً.
وفي فبراير/ شباط الماضي، قال سياسيون ونواب برلمانيون إنه من الضرورة وضع تشريعات لتقييد عمل مواقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك وتويتر”، ووصفوها بأنها تمثل خطراً على الأمن القومي المصري.
هذه الحملات تعيد إلى الأذهان قيام نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك بقطع الاتصال بشبكة الإنترنت والهواتف المحمولة قبل جمعة الغضب في الثامن والعشرين من يناير/ كانون الثاني 2011، فقد اتخذ نظام مبارك نفس الموقف الذي يطالبون به نظام السيسي احاليا، كما يحمل النظامان نفس الرؤية تجاه مواقع الإنترنت ويعتبرانها خطرا عليه.
تجدد المخاوف
في بداية العام الجاري، أوقفت شركة “اتصالات مصر” للهاتف المحمول خدمات فيسبوك المجانية بشبكتها عقب حملة تسويقية ضخمة أطلقتها منذ شهرين للترويج للخدمة. وذكر موقع “ذي فيرج” theverge، المتخصص في شؤون الاتصالات والتكنولوجيا العالمية، أن إدارة موقع فيسبوك للتواصل الاجتماعي أكدت أن مصر أوقفت برنامج توفير خدمات الإنترنت المجانية لأكثر من ثلاثة ملايين مصري، وهو ما أثار المخاوف مرة أخرى من أن يكون هذا القرار مقدمة لحظر مواقع التواصل.
وكانت وزارة الداخلية قد أعلنت في ديسمبر/ كانون الأول الماضي عن إغلاق ما يزيد على 3300 صفحة على موقع فيسبوك وصفتها “بالإخوانية الإرهابية” والتي تحرض على “العنف والشغب” والقبض على نحو 250 شخصا قالت إنهم وراء التحريض على العنف وإثارة القلق في الآونة الأخيرة.
وفي منتصف العام الماضي اتفقت الداخلية مع إحدى الشركات الأمريكية العاملة في مجال مراقبة وسائل الاتصال والتواصل الإلكتروني تحت عنوان “مشروع رصد المخاطر الأمنية لشبكات التواصل الاجتماعي” قبل أن تعلن وقف الاتفاق إثر دعاوى قضائية أقامها حقوقيون. لكن ذلك لم يمنع الوزارة من تهديد من سمتهم “مروجي الأفكار الإرهابية” على مواقع التواصل، إذ توعدتهم بالملاحقة، ونشر موقع “البوابة نيوز” تصريحا على لسان مصدر أمني يقول “كلهم متراقبين وهيتجابوا”.
تم نشره بموقع الجزيرة مباشر بتاريخ 3/17/2016
http://mubasher.aljazeera.net/news/%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%B9%D8%AF-%D9%82%D9%84%D9%82-%D9%85%D8%A4%D9%8A%D8%AF%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B8%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%8A-%D9%85%D9%86-%D8%AC%D9%85%D9%87%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A%D8%B3%D8%A8%D9%88%D9%83