السيسي و”أهل الشر”.. قصة لا تنتهي
في مداخلة هاتفية أمس الاثنين مع المذيع “عمرو أديب” على قناة “اليوم” المشفرة، كرر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مصطلح “أهل الشر” في إطار حديثه عن استعدادات الجيش المصري لمواجهة التهديدات المحتملة.
قال السيسي في مداخلته “انتو متعرفوش قوة الجيش المصري، والله.. وبسم الله ما شاء الله ولا قوة إلا بالله، لسه.. احنا ساكتين ومستنيين وبنستعد لأهل الشر، وكنا عاملين توسعة للطريق من العريش لغاية الشيخ زويد، والتى تصل بالحدود مع قطاع غزة، وكل المقاولين تعرضوا لمحاولات عرقلة”.
لم تكن هذه المرة الأولى التي يتحدث فيها السيسي عن “أهل الشر” دون أن يوضح من المقصود بالضبط، فقد أشار إليهم أكثر من مرة منذ تنصيبه رئيسا لمصر، وظهر في معظم هذه المرات أن السيسي يفضل عدم الكشف عن تفاصيل معينة بخصوص المشروعات التي يفتتحها خوفا من أهل الشر هؤلاء، وهو ما يتماشى مع أسلوبه المفضل في التلميح وليس الحديث بصورة صريحة.
ففي أول حوار تلفزيوني له عقب إعلانه الترشح للانتخابات الرئاسية في مايو/ آيار 2014، ظهر المصطلح للمرة الأولى على لسان السيسي، أثناء تقديمه الشكر للعاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، داعيا الله أن يحفظ المملكة من “أهل الشر”.
أما المرة الثانية فكانت أواخر العام نفسه، فقد حذر السيسي المصريين من “أهل الشر” الذين لا يريدون للمصريين أن يروا التعمير والإصلاح والبناء، على حد قوله.
ورغم أن السيسي وعد المصريين في خطابه الذي ألقاه في مارس/ آذار 2014 بأن هذه ستكون المرة الأخيرة التي يظهر فيها بالزي العسكري بعد تركه لمنصب وزير الدفاع وترشحه لمنصب رئيس الجمهورية، إلا أنه خالف ذلك وارتدى الزي العسكري بعد عام وشهرين من توليه منصبه، بعد هجمات وصفت بالأكبر داخل سيناء قام بها تنظيم “ولاية سيناء” أواخر يونيو/ حزيران من العام الماضي. وتحدث السيسي في كلمته هناك عن “أهل الشر” الذين قاموا باغتيال النائب العام السابق هشام بركات، دون أن يوجه أصابع الاتهام أيضا إلى أيه جهات أو أشخاص.
وفي مايو/ آيار عام 2015، وأثناء حديثه عن بعض التفصيلات الخاصة بالميزانية وحجم الإنفاق على المشاريع القومية في كلمته خلال الندوة التثقيفية للقوات المسلحة، قال السيسي “أنا مش عايز أقول كل حاجة بالتفصيل وبقول الأرقام بشكل سريع علشان أهل الشر الموجودين بنشاور لهم على الخير يخلوه شر”.
المرة الثانية التي ارتدى فيها السيسي الزي العسكري كانت في كلمته أثناء افتتاح تفريعة قناة السويس في أغسطس/ آب 2015، لم يتخل السيسي عن مصطلحه المفضل، حتى وهو يخاطب عددا من رؤساء وملوك من دول العالم حضروا حفل الافتتاح.
كرر السيسي كلمة أهل الشر خلال هذه الكلمة مرتين في فقرة واحدة من خطابه، عندما قال “بفضل الله تصدينا للإرهابيين لتقديم الصورة الحقيقية للإسلام السمح وليس القتل والتدمير للإنسانية في مواجهة أهل الشر الذين يحاولون إيذاء مصر والمصريين وعرقلة مسيرتها، وسنظل نحارب الإرهاب وهذه القوى من أهل الشر للانتصار عليها”.
بعد هذا الخطاب بأيام قليلة، كانت الندوة التثقيقية للقوات المسلحة على موعد ثان مع أهل الشر، حيث أكد السيسي أنه لن يبيع الوهم للمصريين أو يكذب عليهم كما يردد أو يروج البعض، لافتا إلي أنه كان لا يريد أن يتحدث في تلك الامور أمام الرأي العام لأن “أهل الشر موجودون ويترصدون لنا لإفساد ما نقوم به”. مضيفا: “في حاجات المفروض ما أقولهاش هنا، لأن أهل الشر شر يعني”.
وبعد حادث سقوط الطائرة الروسية فوق سيناء أواخر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، زار السيسي مطار شرم الشيخ في التاسع والعشرين من نوفمبر/ كانون الثاني، قائلا إن الهدف من الزيارة هو طمأنة الناس داخل وخارج مصر، مشيرا إلى أن “أهل الشر بيحاولوا يعرقلوا كل النجاح اللي مصر حاولت تعمله”.
وفي التاسع والعشرين من نوفمبر/ كانون الثاني الماضي، كرر السيسي للمرة الثانية خلال شهر الحديث عن “أهل الشر” في تصريح يشبه ما قاله أول مرة عنهم. إذ قال خلال احتفالية إطلاق مشروع تنمية شرق بورسعيد “أنا حريص أزرع الأمل في نفوس الناس، وهنزرع الأمل بكل ما أوتينا من قوة وإرادة”، متابعًا: “خلصنا المرحلة الأولى من الشبكة القومية للطرق، اللي هتساهم في ربط المناطق الصناعية والمطارات، وفي مشاريع وكلام كتير مرضاش اقوله عشان أهل الشر”.
أما العام الحالي (2016) فكان نصيبها من أهل الشر مرتين، بخلاف الأخيرة مع عمرو أديب، كانت الأولى في يناير/ كانون الثاني الماضي، خلال احتفالية إطلاق الموقع الإلكتروني لمشروع “بنك المعرفة”، عندما وجه السيسي التحية إلى “شبابنا الأبطال من القوات المسلحة والشرطة المدنية, يضربون أروع الأمثلة فى التضحية والفداء لحماية الوطن ومقدساته من أهل الشر الذين أرادوا أن يزرعوا الفوضى والعنف فى أرضنا الطيبة”.
وفي فبراير/ شباط، وفي خطابه الذي أثار موجة واسعة من السخرية على مواقع التواصل، بسبب كلمات مثل “صبح على مصر بجنيه” و”أنتم مين” قال السيسي إن هناك مصنعين لإنتاج الغاز لن يصرح بمكانهما “حتى نتجنب أهل الشر وحتى لا يضرنا أحد”.
وصل المصطلح إلى الصحفيين والمحللين الذين يتناولون خطابات السيسي، إذ أكد عماد الدين حسين، رئيس تحرير صحيفة الشروق، أن السيسي في هذا الخطاب خاطب “أهل الشر”، محددا إياهم بأنهم “الإخوان” وكل من يحمل السلاح وكل من يعارض بغرض التشويه” حسب قوله.
ودائما ما تتبنى وسائل الإعلام المصرية المقربة من النظام خطابا يرجع أسباب أي إخفاقات أو انتكاسات إلى مؤامرات تقودها أطراف داخلية وخارجية، وهو الخطاب الذي يتناغم مع مصطلح أهل الشر الذي يبدو غامضا وغير محدد ويسمح بتوجيه أصابع الاتهام إلى مجموعة واسعة من الدول والمؤسسات والكيانات والأفراد لتحميلها المسؤولية عن أي سلبيات. كما يتماشى مع التلميحات التي يوجهها السيسي لأشخاص غير معروفين في خطاباته.
ولم تكن هذه المرة الأولى أيضا التي يقوم فيها السيسي بمداخلة هاتفية مع برنامج القاهرة اليوم، حيث سبق أن قام بمداخلة معه منتصف الشهر الماضي، تحدث خلالها عن الشباب والألتراس واستعرض فيها عددا من الجهود التي تبذلها الحكومة في مشروعات قائمة وأخرى تم تنفيذها على أرض الواقع. وجاءت تلك المكالمة بعد إحياء رابطة “ألتراس أهلاوي” الذكرى الثالثة لضحايا مذبحة ستاد بورسعيد، التي سقط فيها 72 قتيلا، وهتف أعضاء الرابطة ضد المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة السابق مطالبين بإعدامه.
تم نشره بموقع الجزيرة مباشر بتاريخ 3/8/2016
http://mubasher.aljazeera.net/news/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%B3%D9%8A-%D9%88%D8%A3%D9%87%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1-%D9%82%D8%B5%D8%A9-%D9%84%D8%A7-%D8%AA%D9%86%D8%AA%D9%87%D9%8A