في أحد مقاطع الفيديو التي تداولها مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي، تقوم مراسلة باستطلاع آراء مواطنين مصريين حول حادث مقتل السياح المكسيكيين في منطقة الواحات. ويبدو من إجابات هؤلاء المواطنين أنهم يحملون السياح مسؤولية مقتلهم، لكن أغرب تبرير لذلك ما قاله أحدهم عندما أرجع سبب مقتل السياح إلى استخدامهم سيارات دفع رباعي شبيهة بسيارات الإرهابيين! وكأن هناك خط إنتاج مخصص لإنتاج سيارات دفع رباعي بمواصفات معينة لا يستخدم الإرهابيون غيرها، ولذلك اختلط الأمر على قوات الجيش والشرطة فبادرت إلى قتلهم.
لوهلة قد يبدو الأمر مبالغة ساذجة من مواطن بسيط يحصل على معلوماته ويكون آراءه من وسائل الإعلام المصرية، لكن الأمر بالتأكيد سيتعدى ذلك عندما نعلم أن المخابرات الحربية المصرية أوقفت استيراد أي سيارات دفع رباعي إلى البلاد إلا بموافقتها! أي أنه قرار يعد امتدادا لطريقة تفكير المواطن إياه. وكأن ذلك سيقضي على الإرهاب أو سيعوق حركة الإرهابيين أو سيجعلهم غير قادرين على توفير سيارات دفع رباعي.
حادث قتل السياح احتوى أيضا على مفارقات أخرى لا تقل غرابة، حيث ظهر عدد جريدة “الوفد” المصرية في اليوم التالي للحادث، مؤكدا أن ما جرى أحبط عملية اختطاف لسياح، أي أن أجهزة الأمن أحبطت عملية اختطاف هؤلاء السياح عن طريق قتلهم!
وقد وصلت محاولات التبرؤ من المسئولية عن الحادث إلى مستويات كوميدية للغاية، بعد إعلان وزارة الداخلية أنها ألقت القبض على 195 شخصا “يشتبه في تورطهم في حادث مقتل السياح” (كأن الإرهابيين سرقوا طائرات الجيش المصري وقصفوا بها السياح ثم أعادوها مرة أخرى) في حين أعلنت النيابة أنها عثرت على مخزن متفجرات تابع لتنظيم ولاية سيناء في موقع الحادث (الموقع الذي كانوا يقولون إنه منطقة عسكرية مغلقة ومحظور الاقتراب منها قبل ذلك).
تذكرنا هذه القرارات والأساليب بعجائب وغرائب الحاكم بأمر الله الفاطمي غريب الأطوار، الذي كان يأمر بالشيء ونقضيه، ولم يكن يعرف أحد سببا لقراراته أو لماذا يصدرها ثم يتراجع عنها (بخلاف شهرته في سفك الدماء أيضا)، ومن غرائبه قيامه بمنع أكلة “الملوخية” ومنع بيع العنب وصلاة التراويح وغيرها العشرات من القرارات الغريبة المماثلة.
بدأ الأمر بعد استهداف أقسام ومديريات الشرطة بالهجمات والعبوات الناسفة، فكان الحل إغلاق الشوارع المحيطة بهذه الأقسام. وعندما حدثت هجمات أخرى استخدم فيها المسلحون الدراجات النارية، صدر قرار من مجلس الوزراء العام الماضي بمنع استيراد الدراجات النارية و”التوك توك” لمدة عام. وأصدر محافظ الإسماعيلية قرارا عجيبا يقضي بمنع ركوب أكثر من شخص واحد للدراجات النارية، لأن “الإرهابيين” يستخدمون شخصين لتنفيذ عملياتهم عن طريق هذه الدراجات، أحدهما للقيادة والآخر لإطلاق النار أو إلقاء القنابل، وبذلك يقضي المحافظ العبقري على الإرهاب.
هذه الأسباب صدر بها قانون وافق عليه مجلس الدولة ونشرته وكالة الأنباء الرسمية، يقول إن قسم التشريع بالمجلس وافق على مصادرة الموتوسيكلات، بهدف الحد من الجرائم التي أصبحت ترتكب بها!
وفي الجامعات، عندما أعجزت الحركة الطلابية السلطة عن مواجهتها رغم القتل والاعتقالات والانتهاكات العام الماضي، صدر قرار بإغلاق المدن الجامعية في جميع الجامعات لأجل غير مسمى، بالإضافة إلى تأجيل مستمر لموعد بدء الدراسة.
ولا ننسى بالطبع إغلاق محطة مترو التحرير لمدة طويلة تخوفا من استخدامها في الوصول إلى ميدان الثورة المصرية، وحتى بعد إعادة فتحها ظلت رهن الإغلاق مرة أخرى مع كل تفجير إرهابي جديد. بالإضافة إلى عمل بوابات للميدان وإغلاقه بشكل شبه كامل. حتى إن قطاعا حيويا مثل السكة الحديد تعطل لسبعة أشهر كاملة بعد مذبحة فض اعتصامي رابعة والنهضة لأسباب “أمنية”.
أما عن مشكلة حوادث القطارات والمزلقانات فحدث ولا حرج عن الحلول “الحاكمية” لمواجهتها، نسبة إلى الحاكم بأمر الله، منها على سبيل المثال ما صرح به وزير النقل العام قبل الماضي عن قانون يمنع الأشخاص من عبور المزلقان إلا بعد النظر يمينا ويسارا للتأكد من عدم وجود قطار! وكأن المواطنين أصبحوا هم المسئولين عن الحوادث وليس الإهمال والفساد، وكأن سيادة الوزير سيعين موظفين لمراقبة المواطنين (وليس القطارات) والتأكد من التفاتهم يمينا ويسارا قبل العبور، وإلا سيتحمل المواطن مسئولية موته! واستمر الوزير في الإبداع مؤكدا أن هذا القانون يوقع عقوبات على من يخالف هذه التعليمات حتى ولو كان مجني عليه، أي ميتا.
أما وزير البيئة، فقد تفتق ذهنه عن فكرة عبقرية لمواجهة مشكلة القمامة، ليست القضاء عليها لا سمح الله، بل تعيين “حراسة” عليها، للقيام بالإبلاغ عن أي حرائق تشتعل بها، وهو ما يذكرنا بالنكتة الشهيرة التي تتحدث عن حفرة في إحدى القرى يقع فيها الكثير من الأهالي، وبعد أن أعياهم البحث عن حل للمشكلة، توصلوا إلى ضرورة نقلها بجوار المستشفى بدلا من ردمها!
نفس أسلوب التفكير في حلول توصلت إليه وزيرة الصحة السابقة “مها الرباط” التي طالبت الأطباء العام الماضي بـ”هش” القطط المنتشرة في المستشفيات الحكومية حتى لا يكونوا سلبيين في التعامل مع مشكلة تردي أحوال المنشآت الصحية التابعة للدولة، على طريقة “أشعل شمعة بدلا من أن تلعن الظلام” أو “هش القطة بدلا من أن تقوم بتصويرها ومطالبة الحكومة بتحمل مسؤولياتها”.
لا يبدو النظام في مصر منشغلا بتدارك كارثة السياح المكسيكيين واستعادة حركة السياحة المنهارة أصلا مرة أخرى، والدليل على ذلك التوقف المستمر لحركة الملاحة في مطار القاهرة الدولي، حيث توقفت الملاحة يوم الاثنين الماضي للمرة الرابعة في أقل من أسبوعين لمدة ساعة ونصف، بسبب وجود تدريبات عسكرية في سماء القاهرة، وهو ما أدى في كل مرة إلى تكدس الركاب وتأخر مواعيد الرحلات وارتباكها، وهو ما يذكرنا هذه المرة بأجواء كوريا الشمالية وليس الحاكم بأمر الله.
وجاء تشكيل الحكومة المصرية الجديدة برئاسة شريف إسماعيل، لنجد سيلا من السياسات الحاكمية التي انهالت على رؤوسنا، بدءا من وزير التعليم الجديد، الملقب بوزير الأخطاء الإملائية، الذي طالب المدرسين بإعطاء دروس خصوصية بعد انتهاء اليوم الدراسي، بدلا من أن يضع خطة لمواجهة الظاهرة وتقليصها.
فيما تقمص “أحمد زكي بدر” دور القذافي، عندما صرح بأنه مقتنع بضرورة عدم عودة أي مسؤول سابق لشغل منصب جديد بما فيهم هو، رغم أنه قبل منصب وزير التنمية المحلية بعد أن كان وزيرا للتعليم في عهد المخلوع مبارك.
بينما حصل وزير النقل الجديد على الجائزة الكبرى، بعد تصريح سابق له أثناء تقلده منصب رئيس هيئة الطرق والكباري، قال فيه إن إصلاح الطرق سيؤدي إلى زيادة حوادث السيارات، وبالتالي يجب أن نترك الطرق كما هي حفاظا على أرواح المواطنين، وكأن مصر لا تحتل مرتبة متقدمة للغاية في أعداد حوادث الطرق التي تودي بحياة الآلاف سنويا.
ويزول العجب من اختيار هكذا مسؤول عندما نعلم أن أرباح الشركة التي يمتلكها نجله تضاعفت أرباحها 30 ضعفا بعد توليه منصب رئيس هيئة الطرق والكباري، ويبدو أنهم كافأوه بتعيينه وزيرا، وهكذا تكون مصر أقرب ما يكون لحالها في عهد الحاكم الفاطمي غريب الأطوار.
كتبت هذه المقالة بموقع عربي21 بتاريخ 9 نوفمبر، 2015