“رجل لن يكرره الزمن” هكذا وصفت إحدى مستخدمي موقع “تويتر” الرئيس المصري المعزول محمد مرسي في إحدى تغريداتها. فيما قال شخص آخر إنه “أشرف رئيس جمهورية” مستشهدا ببيت الشعر الشهير “في الليلة الظلماء يفتقد البدر”. بينما أنشأ شخص ثالث صفحة على موقع “فيس بوك” تدعو لترشيح مرسي لجائزة نوبل للسلام.
يحكي أحد الأصدقاء عن حوار دار بينه وبين شخصين، الأول سوري والآخر بوسني. يؤكد السوري أن ما أنجزه مرسي في عهده لم ينجزه أحد قبله من زعماء تاريخ مصر! أما البوسني، فتحدث عن “المؤامرة التي قام بها الكفار على الخلافة الإسلامية الوليدة في مصر، على يد مرسي” ولم يقبل بأي مناقشة حول صحة ما يقول.
وفي تغريدة على حسابه الشخصي، قال الأستاذ “جمال ريان” إن مرسي “رمز الكرامة العربية والإسلامية، مضيفا “أشهد أن هذا أشرف رئيس شرعي مدني في تاريخ مصر”.
(بالتأكيد هو أشرف رئيس مدني في تاريخ مصر، لأنه ببساطة الرئيس المدني الوحيد في تاريخ مصر! طبعا بدون احتساب الطرطور عدلي مسعود أو عطية منصور أو عهدي محمود أو أيا كان اسم الشخص العجيب الذي أتوا به ليجلس على كرسي الرئاسة عقب الانقلاب، فقد كان السيسي هو الحاكم الفعلي).
هذه نماذج من موجة عجيبة من تضخيم الأوصاف وإطلاق مسميات مبالغ فيها بصورة كبيرة جدا على مرسي وعهده.
فرغم عشرات المشاكل والاضطرابات والفوضى التي شهدها العام الذي حكم فيه مرسي وحكومته، إلا أن هذا العام تحول عند البعض إلى عام رائع وكأن مصر كانت جنة الله في الأرض، وأنها كانت تعيش في النعيم الذي قطعه الانقلاب وحول مصر إلى خراب.
يقول “حمدي شفيق” صاحب صفحة ترشيح مرسي لجائزة نوبل للسلام، إن مصر لن تجد أبدا رئيسا مثل مرسي “مانديلا العرب” حسب قوله، وأنه أتعب من بعده، لأنه صاحب “إنجازات تاريخية” على حد وصفه،
وهذه الإنجازات هي -حسب المقال-: حفظه للقرآن الكريم، وحصوله على الدكتوراه، ورفضه المبيت في القصر الجمهوري، وتناوله الطعام مع الحراس والطباخين، ورفضه تعليق صورته في المكاتب الحكومية (كأن تلك إنجازات لرئيس جمهورية، وكأنه حفظ القرآن وحصل على الدكتوراه بعد توليه منصب الرئاسة مثلا)، بالإضافة إلى تطبيق الحد الأدنى للأجور (لم يحدث) وعمله على إنتاج أول سيارة مصرية ، وأول جهاز كمبيوتر (لم يحدث أيضا).
بعض الأشخاص الطيبين حاولوا التجويد، فاخترعوا أسبابا وهمية للانقلاب على مرسي، ودبجوا المقالات المطولة لشرحها، وكلها تدور حول مشروعات وطنية عظيمة أو خطط إستراتيجية مذهلة بدأ العمل بها وتوقفت مع الانقلاب.
ولعل أشهر “كذبة” من هذه الأكاذيب التي تم تسويقها، هي شهادة العالم النووي الباكستاني “عبد القدير خان” عن نية مرسي إعادة تشغيل مفاعل نووي مصري لتخصيب يورانيوم يسمح بتوليد الكهرباء، وإنشاء مفاعل آخر تستلمه مصر بعد ثلاث سنوات لنفس الغرض،
وأضاف أن هذا الأمر أرعب الغرب لأن هذا معناه انتهاء مشكلة الكهرباء في مصر للأبد. بالإضافة إلى اتفاق مرسي على صفقة صواريخ ضخمة مع روسيا (داعمة الأسد والسيسي) كانت قادرة على تدمير إسرائيل.
لم تتوقف الشهادة المزعومة الكاذبة عند هذا فحسب، بل أضافت أن مصر استلمت في عهد مرسي غواصتين ألمانيتين طالما ضغطت إسرائيل على ألمانيا حتى لا تمتلكهما مصر، لأنها قادرة على ضرب حاملة طائرات إذا امتلكت مصر الصواريخ المناسبة للغواصتين.
بالإضافة إلى اتفاق مرسي مع الهند على تصنيع قمر صناعي عسكري لمصر يكشف لها شوارع إسرائيل “شارع شارع” على حد قول الرجل.
كما أن هذا القمر الصناعي مزود بتقنيات لتحديد أهداف الصواريخ، وأنه لولا الانقلاب لأصبحت مصر اليوم على مقربة من امتلاك هذا القمر الصناعي.
وقد انتشر هذا الهراء حتى اعتمدت عليه مقالات رأي لعدد من الكتاب الجادين. وانتشرت شائعة أخرى على لسان الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، تقول إن إسرائيل كانت خائفة من مرسي، لدرجة أنها سحبت 200 عميل لها من مصر خوفا منه! وأن الإعلام المصري لو كان قد ساند مرسي لأصبح زعيما لكل العرب.
سبب ثالث انتشر على مواقع الشرعية على لسان “ديلما روسيف” رئيسة البرازيل (وهي بالمناسبة تحتل مكانة متقدمة في ماكينة نسج الأساطير عن مرسي، فقد انتشرت لها شائعات أخرى كثيرة) حيث تقول إنها اتفقت مع مرسي على أن تبني مصر قلعة صناعية واقتصادية تنافس بها العالم، تتضمن أكبر مصنع للإسمنت في العالم، وشركة لصناعة شاحنات النقل، وأن مرسي قدم دراسة جدوى عن مشروع لصناعة الطائرات تشترك فيه قطر وتركيا، وأن الحلم كاد أن يتحقق لولا الانقلاب العسكري.
من الطبيعي أن يعقد معارضو الانقلاب مقارنات بين ما يقوم به السيسي ومرسي، لمحاولة إثبات أفضلية الأخير، لكن المقارنات تحتوي على أمثلة من قبيل أن السيسي انحنى بصورة مبالغ فيها قبل إلقائه خطابه الأخير في الأمم المتحدة، بينما وقف مرسي منتصب القامة، ويعدون ذلك دليلا على كرامة وقوة مرسي بينما السيسي ذليل منعدم الكرامة… إلخ.
وتعدى ذلك إلى نشر أحد الأشخاص صورة تجمع بين الاثنين في الأمم المتحدة، مع الآية التي تقول “أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم”.
تدخل في المقارنة أيضا معايير مثل نشر صورة لمرسي وهو يؤم الصلاة أمام عدد من الشيوخ، في مقابل صور للسيسي وسط الفنانين، وحديث عن مرسي الذي كرم العلماء حفظة القرآن، والسيسي الذي يعتمد على الراقصات.. إلخ.
(لاحظ أن مرسي قابل فنانين أيضا في عهده، كما قام السيسي بتكريم حفظة القرآن في أكثر من مناسبة دينية مثل الاحتفال بليلة القدر في رمضان الماضي، لكن هذا لن يفيد طبعا في الصورة التي يراد لها أن ترسم، وكأن ذلك إن صح مبرر لبيان أفضلية مرسي على السيسي).
الأمر نفسه ينطبق على الدكتور هشام قنديل، رئيس الوزراء في عهد مرسي، فقد وصفه “أحمد عبد العزيز” عضو الفريق الرئاسي السابق بأنه “أشرف وأنبل من تولى هذا المنصب في تاريخ مصر”.
لماذا قرر هؤلاء إطلاق هذه الأوصاف والألقاب على حكومة هشام قنديل؟ هل حققت نتائج باهرة في أي من الملفات التي عملت عليها؟ هل حدثت طفرة نوعية في أي من مجالات الحياة؟ الإجابة لا.
قد يقول قائل إن الانقلاب لم يترك فرصة لمرسي أو قنديل لتحقيق ما وعدوا به، لكن هذا الرد يثبت ما نقول وليس العكس، إذ كيف يتأتى أن نصف شخصا ما بأنه عظيم وعبقري ونعترف في نفس الوقت أنه لم يكن لديه الوقت الكافي لتحقيق ما وعد به؟ ومن أين جاءت هذه العظمة المفترضة؟
لا ننكر أن هناك مواقف جيدة لمرسي، خاصة فيما يتعلق بملف العدوان على غزة واستضافة اللاجئين السوريين، وهي مواقف أشرف كثيرا من مواقف السيسي المخزية الحالية، لكنها قطعا لا تكفي لتصنيف مرسي باعتباره أحد عظماء التاريخ.
ففي المقابل، هناك الكثير من الملاحظات والانتقادات الحقيقية لعهد مرسي (ليس هنا مجال تفصيلها، كما أنها ذكرت كثيرا) فهو لم يحقق الكثير مما وعد به، وامتلأ العام الذي حكمه بالفوضى والاضطرابات، ولم يستطع السيطرة على الدولة (طبعا هناك مؤامرات لكنها من بديهيات السياسة، ومن لم يستطع أن يواجهها فليبحث عن عمل آخر).
كل ذلك لا يتنافى مع تفهمنا لبعض أسباب تلك المبالغة، فهي رد فعل على حملة شيطنة قذرة تقوم بها وسائل الإعلام المصرية المؤيدة للانقلاب وتلصق بمرسي والإخوان كافة الموبقات، من الاتهام بالعمالة والجاسوسية، مرورا بشائعات بيع مصر وغيرها.