الديمقراطية “المتآمرة” على السيسي
فوجئنا بممتاز القط يطل من شاشة فضائية مصرية جديدة، انفردت بجمع شخصيات منتمية لنظام حسني مبارك وعبد الفتاح السيسي، ومعادية لكل القيم الإنسانية النبيلة. وممتاز القط، هو صاحب مقال “حمال الهموم” الذي أشفق فيه على المخلوع مبارك من حرمانه من متع المأكولات الشهية، مثل الملوخية والبامية ومحشي الكرنب والفلفل والباذنجان، حتى عرف في الوسط الصحافي والإعلامي بـ “ممتاز طشة الملوخية”. وله تصريح في برنامج تلفزيوني، عقب أكثر الانتخابات البرلمانية تزويراً وفجاجة عام 2010، قال فيه، إن هذا المجلس سيكون الأشرس في معارضته النظام، بسبب وجود سيداتٍ كثيرات فيه، وهو مستوى من الموالسة، لم يجرؤ مصطفى بكري نفسه على وصوله، في ذلك الوقت، حتى إنه تصنّع الدهشة والاستغراب من هذا التصريح، وقرّر أن يلعب دور المعارضة الحقيقية، ويستنكر ما قاله القط الذي لم يكن ظهوره في الفضائية إياها هو الجديد، بل الجديد أنه صار يقدم برنامجاً بعنوان “حصرياً مع ممتاز”، وكأنه من أعلام الفكر والثقافة، أو من نجوم المجتمع، وكأن الجمهور سيتهافت لمشاهدة برنامجه “الحصري”.
لم يخيّب الرجل ظننا فيه، فقد صال وجال مطلقاً هراءً كثيراً يميزه منذ عهد المخلوع، حتى قال، في إحدى حلقات برنامجه قبل أيام، إن الديمقراطية “سرطان” يصدّره لنا الغرب، وإن أشياء كثيرة تندرج تحت اسم الديمقراطية، ولا تناسب ثقافتنا ولا قيمنا ولا تراثنا ولا أخلاقنا.
للإنصاف، لم يكن ممتاز القط أول من ابتدع هذه الطريقة في التحذير من “الديمقراطية”، فقد سبقه أشخاص من عينته، انصب تركيزهم على التحذير من الانتخابات البرلمانية، مستخدمين طريقة عجيبةً، مفادها أن سيطرة أي تيار على البرلمان (وهذا طبيعي يحدث في جميع دول العالم) ستكون خطراً داهماً على السيسي، لأن ذلك التيار سيتآمر عليه.
تأمل سيل البلاغات التي أمر النائب العام بالتحقيق فيها، ضد رجال أعمال بتهمة “التآمر على السيسي”، والسبب، وفقاً لمقدمي البلاغات، رغبة هؤلاء في انتزاع أكبر عدد من مقاعد مجلس النواب المقبل، ما اعتبروه خطراً داهماً على محبوبهم. فقد تقدم أحدهم، يطلق على نفسه “عضو تحالف معاً تحيا مصر” ببلاغ للنيابة العامة، اتهم فيه رجل الأعمال، أحمد أبوهشيمة، ووزير النقل الأسبق، محمد منصور، وصاحب شركات عامر جروب، فرج عامر، ورئيس حزب مستقبل وطن، محمد بدران، بالتآمر على الرئيس، من خلال البرلمان المقبل. واتهمهم أنهم “يريدون إفراز برلمان رأسمالي، من أجل التهرب من الضرائب، والمساهمة في تشكل الحكومة، وبسط نفوذهم لإيقاع الرئيس عبد الفتاح السيسي في نفق مظلم”.
لم يدرك صاحب البلاغ أن أحد من اشتكاهم للنيابة، محمد بدران، هو الطفل المدلل للسيسي،
ويعمل وفقاً لتوجيهاته، من أجل تكوين ظهير شعبي، يسيطر على البرلمان، أي أن هذا التحالف يعمل لصالح السيسي، وليس العكس. وليس أدل على ذلك من ظهور بدران بجانب السيسي، في حفل افتتاح تفريعة قناة السويس، ومصادرة أعداد جريدة الصباح، بسبب مقال يصف بدران بأنه “طفل الرئيس”.
أما البلاغ الآخر، فاتهم رجل الأعمال، نجيب ساويرس، وعائلته، بشراء أحزاب للسيطرة على مجلس الشعب، لإفشال السيسي، وإصدار قرارات على هواهم، “يرضخ الرئيس لها أو يشغلون المجلس ضده، طبقاً للدستور، حتى تقوم البلد كلها عليه”.
المضحك أن أياً من (المتهمين) لا يطمح إلى ذلك أصلاً، على الرغم من مشروعيته، بل تبرعوا جميعاً لصندوق “تحيا مصر” منذ إنشائه، ولا يخفون دعمهم السيسي في كل مناسبة، وتنشط أذرعهم الإعلامية في تمجيد الأخير، بمناسبة ومن دون مناسبة، وأنفق أحدهم (أبو هشيمة) 300 مليون دولار دفعة واحدة، في أثناء زيارة السيسي إلى نيويورك، في إعلانات ترويجية للنظام، تدعو إلى السياحة والاستثمار في مصر، حتى إن جريدته (اليوم السابع) تعتبر إحدى وسائل الإعلام المقرّبة جداً من قصر الرئاسة، وبدأ الاثنان تعاوناً في مجال إعداد دورات تدريبية للتوعية بأخطار حروب الجيلين، الرابع والخامس! ويبدو واضحا أن الابتزاز بالبلاغات أتى أكله جيداً.
اعتمدت البلاغات المقدمة ضد هؤلاء على تقارير منشورة على موقع “البوابة نيوز” الذي يمتلكه الصحافي عبدالرحيم علي، وهو أيضاً صاحب إسهامات كبيرة في مجال التحذير من الانتخابات. تأمل ما قاله بشأن تخطيط حزب النور للحصول على الأغلبية في البرلمان المقبل (وهذا شرعي، بغض النظر عن هزلية الانتخابات أصلاً، وعن حزب النور أيضاً) لكن علي اعتبر ذلك “خطة لإحراج السيسي”، و”إعادة لسيناريو الإخوان في السيطرة على البرلمان”، وكأنها تهمة.
وكانت الكاتبة، لميس جابر، الأكثر صراحة من بين هؤلاء، بعدما دعت السيسي إلى حل البرلمان، وإعادة الانتخابات إذا حصل السلفيون على الأغلبية. ولا تُنسى رموز ونخبٌ عديدة قادوا حملات إعلامية عقب ثورة يناير، تدعو إلى منع تصويت الأميين، أو اعتبارهم نصفَ أصوات المتعلمين، وغيرها من الدعوات. ويتطابق حديث هؤلاء مع ما قاله الفنان جميل راتب، في فيلم البداية، محذراً البسطاء من البطل (أحمد زكي) لأنه “ديمقراطي”، أي أنه “كافر” و”ملحد”، ويعترض على قضاء الله وقدره. وكان هذا المشهد يُبث، قبل ذلك، للدلالة على استغلال التيارات الدينية سذاجة البسطاء من الشعب، والتغرير بهم، وإيهامهم أن الديمقراطية “حرام”. ولم يدر في خلد أحد أن أنصار السيسي “المدنيين الليبراليين الديمقراطيين المحاربين للفاشية الإسلامية”، كما يقدمون أنفسهم، سيكونون من يروّج للتحذير من الانتخابات بعد ذلك. حتى لو كانت انتخابات هزلية بين مرشحين، يتنافسون على تقديم فروض الولاء والطاعة للسيسي، ويحاول كل منهم إثبات أيهم الأكثر تبعية له، وإخلاصاً في خدمته.