في انتظار أحمد شفيق
“سأعود قريباً جداً إلى مصر”. هكذا أخبرنا، قبل أيام، الفريق أحمد شفيق، المرشح الخاسر في انتخابات الرئاسة المصرية عام 2012، من دون أن يحدد موعداً لعودته، مؤكدا أنه “لا توجد له أي مشكلة مع الدولة”.
يذكّرك هذا التصريح بمقولة “الانقلاب يترنح” التي نشرها معارضون للانقلاب بحسن نية، لكن مسلسل “عودة شفيق” تفوق على تلك المقولة في الفترة الأخيرة، فمن الصعب إحصاء عدد المرات التي أكد فيها أحمد شفيق أنه سيعود إلى مصر “قريبا جداً”، من دون أن يتحقق ذلك، أو ربما يكون اليوم لدى شفيق بعام مما نعد، أو أن “العمرة” التي أعلن أنه ذاهب ليؤديها منذ عام 2012 لم تنته بعد. وهو الذي كان، بعد خسارته الانتخابات الرئاسية في حينه، سارع إلى مغادرة مصر بحجة أداء العمرة، لكن الأيام مرت من دون عودته، ليكتشف المصريون وجوده في دولة الإمارات. وطوال مدة إقامته في الخارج، أكد شفيق مرات عديدة أنه عائد إلى مصر بعد فترة قصيرة. ووصف في أغسطس/آب 2012 الحديث عن خوفه من العودة بسبب البلاغات المقدمة ضده بـ”الأمر المضحك”.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2012، قال شفيق إنه سيعود إلى مصر “في أي دقيقة يراها”، وأنه سيعمل بالسياسة من داخل مصر. وبعد ستة أشهر، عاد شفيق في أبريل/نيسان 2013، ليقول إنه سيعود، وأطلق تهديدات عديدة جوفاء، على طريقة “قد أعذر من أنذر”. وكان قد بشّر أنصاره قبلها بشهر عن “عودته الوشيكة” إلى مصر. وفي الشهر نفسه، قال شفيق إن عودته إلى مصر ستكون في الأسابيع القليلة المقبلة، وأنه ينتظر الانتهاء من أمور خاصة به في الخارج، ثم يعود إلى القاهرة.
التقى شفيق، في تلك الفترة، بشخصيات سياسية معارضة لحكم محمد مرسي، ونسبت له تحركات استهدفت إنهاء رئاسة مرسي. وقبل 30 يونيو/حزيران 2013 بثلاثة أيام، زادت الثقة في نبرة الرجل، عندما قال إنه سيعود ولن يستطيع أحد أن يمنعه. وبالفعل، بلغت ثقة الرجل ذروتها بعد مظاهرات “30 يونيو” مباشرة، وبشّر أنصاره بعودته خلال ساعات أو أيام.
“قصة مسلسل “في انتظار شفيق” الذي مازالت حلقاته تتزايد، حتى تفوقت على المسلسلات التركية، من دون أن تبدو نهاية لها”
كان من الطبيعي بعد عزل مرسي أن يعود شفيق إلى مصر، وبالفعل، أعلن أن ساعات قليلة باتت تفصله عن العودة. لكن، يبدو أنه لم يحسب حساباته جيدا، فقد مرت ساعات وأيام وشهور لم يعد، ليخرج علينا في سبتمبر/أيلول 2013، ليحدد موعد عودته خلال شهر.
عاد شفيق مرة أخرى. لكن، ليس إلى مصر، بل إلى وعوده المتكررة بالعودة إليها، مشترطا إعلان براءته، أولاً، من القضايا المنسوبة إليه قبل العودة. تحقق له ما أراد، وصدر الحكم ببراءته في قضية “أرض الطيارين” التي كان متهما فيها مع علاء وجمال مبارك في ديسمبر/كانون الأول 2013، وكان قد صدر حكم قضائي مماثل بتبرئته في قضية الفساد في وزارة الطيران قبلها بثمانية أشهر، ليؤكد شفيق أنه “سيعود إلى مصر”، لكن العودة لم تتحقق أيضاً.
ويبدو أن أحمد شفيق ملّ من كثرة وعوده بالعودة، فقرر الحصول على استراحة قصيرة، وأوكل المهمة لشخص يُدعى ياسر قورة، أحد قيادات ما يسمى حزب الحركة الوطنية، الذي أعلن، في بيان رسمي في يناير/كانون الثاني 2014، أن شفيق سيعود في القريب العاجل، بمجرد رفع اسمه من قائمة ترقب الوصول والممنوعين من السفر، وأن محاميه بدأ إجراءات رفع اسمه من القائمة. وأنه سيخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة التي وعد عبدالفتاح السيسي عشرات المرات بإجرائها من دون أن تتم، ويبدو أن هذه الانتخابات تجمعها وحدة المصير مع شفيق، فلا انتخابات ستجري، ولا شفيق سيعود.
وأصدر شفيق بيانا، في يونيو/حزيران 2014، أعلن فيه أنه بصدد العودة إلى مصر “في الأيام القليلة المقبلة”، كما تولى مهمة التبشير بعودته شخص آخر من حزبه، يُدعى أسامة الشاهد، أعلن في ديسمبر/كانون الأول 2014 أن شفيق سيعود إلى القاهرة خلال أيام. وكان شفيق قد عاد في سبتمبر/أيلول 2014 إلى استئناف نشاطه، مؤكدا العودة خلال ساعات أو أيام، لكنه تعلّم الدرس هذه المرة، واشترط إنهاء كل القضايا الأخرى ضده، والتي كان يتهم “الإخوان المسلمين” بتلفيقها له، في أثناء عهد محمد مرسي، لكنه لم يجرؤ، هذه المرة، على اتهام نظام السيسي بأي شيء.
أخيراً، نصل إلى العام الحالي، قال شفيق، في بدايته، إنه سيعود عند رفع اسمه من قوائم ترقب الوصول والممنوعين من السفر. ليس هذا فحسب، بل بدأ يتصور تفاصيل العودة وتراوده الخيالات، فقال، نهاية يناير/كانون الثاني 2015، إن عودته ستكون فجراً، حتى تكون في هدوء، ويتجنب المظاهرات الحاشدة التي ستكون في استقباله، وأن وزير الداخلية وعده بتجهيز سيارة مصفحة من مطار القاهرة حتى وصوله إلى منزله.
ومع مرور أكثر من عامين على عزل محمد مرسي، وثلاثة أعوام منذ سفر شفيق، لا زال الأخير في مكانه لا يبارحه، وباتت عمرته غير المنتهية مصدراً للتندر والسخرية بين المصريين. أما أنصاره، فقد قسا قلب شفيق تجاههم، على الرغم من توسلاتهم الحارة له، وقيامهم بحملات تطالبه بالعودة إلى مصر، تجاهلهم، وتنصّل منهم، وأنكر صلته بهم خوفا من غضب السيسي. كانت الحملة بعنوان “أنت الرئيس”، وأثارت وقتها غضبا عارما تجاهه من النظام، إلى درجة أنه اضطر إلى تفسير العنوان بصورة مضحكة للغاية، قائلا إن الحملة تقصد “رئاسة الحزب”.
تدور أحداث مسرحية “في انتظار غودو” حول رجلين يدعيان فلاديمير واستراغون، ينتظران شخصا يدعى غودو، لكنها تنتهي من دون أن يأتي. وهي قصة مسلسل “في انتظار شفيق” الذي مازالت حلقاته تتزايد، حتى تفوقت على المسلسلات التركية، من دون أن تبدو نهاية لها.