تنظيم الموتى الأحياء
بشّرتنا الصحف المصرية، قبل أيام، بخبر مقتل قائد الجناح العسكري لتنظيم ولاية سيناء، في قصف جوي جنوب رفح في محافظة شمال سيناء، وأن “الإرهابيين” تأثروا كثيراً بمقتله. سعدت للغاية بالخبر، لكني لم أستطع منع نفسي من التفكير فيه، بعد أن أصابتني ظاهرة “ديجا فو” التي تجعل الإنسان يشعر أنه رأى شيئا ما من قبل. صدّقت مشاعري، عندما وجدت خبرا بتاريخ 18 يناير/كانون الثاني عام 2014، عن مقتل قائد الجناح العسكري لتنظيم ولاية سيناء من قبل.
لا بأس، قد نخطئ مرة. لكن، المهم أننا صححنا الخطأ وقضينا عليه، لكني، للأسف، وجدت خبرا ثالثاً، في أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه، عن القبض على الشخص نفسه. فقد أصبح موقع “غوغل” أشبه بلعبة طريفة، نستطيع بها أن نكشف عن الكثير، فبمجرد كتابة “مقتل القائد العسكري لتنظيم ولاية سيناء” على الموقع، تظهر لك عشرات الأخبار بتواريخ مختلفة تتحدث عن الأمر نفسه.
هذا عن قائد الجناح العسكري، أما باقي “القادة”، فحدث ولا حرج. لدينا، مثلاً، شادي المنيعي، يؤكد الإعلام المصري، غير مرة، أن صاحب هذا الاسم زعيم التنظيم خلافا للحقيقة، فقد أعلن عن مقتله مرات عديدة، كانت أولها في الحادي والعشرين من ديسمبر/كانون الأول عام 2013، ثم كانت الثانية في الأسبوع الأخير من شهر مايو/ أيار عام 2014، كما قتل مرة ثالثة في أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه، ووقتها ظهر المنيعي في لقطة مصورة، وهو يقرأ خبر مصرعه الذي نشره الإعلام المصري، فرد الأخير على تلك الصور، متهما الجماعة بـ”الهلوسة”، وأن الصورة مفبركة، وفقا لصحيفة اليوم السابع. لكن، لم يمنع ذلك الإعلام المصري نفسه من إعلان مقتل شادي المنيعي مرة رابعة بعدها بشهر، وعرفنا حينها من المصاب بالهلوسة حقا.
لم يكن الأمر أحسن حالاً مع كمال علام (أمير جماعة التوحيد والجهاد تارة، والقائد العسكري لتنظيم ولاية سيناء تارة أخرى، حسب الصحيفة التي تقرأها ومزاج محرر الخبر أو من يمليه) الذي أعلن عن مقتله في يناير/كانون الثاني 2014، هو وستة من كبار مساعديه في كمين أمني. لكن، يبدو أنهم لم يجدوا الأمر مقنعاً بما يكفي، فنشروا الخبر نفسه في أبريل/نيسان من العام نفسه، مصحوباً بصورة زعموا أنها لجثته، ونسبوا الأمر لـ”نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي” الذين قالوا إنهم تداولوا الصورة، قبل أن يعلنوا الخبر للمرة الثالثة في الثاني من يوليو/تموز الماضي، عقب تنفيذ العملية الكبرى ضد مقرات للجيش في الشيخ زويد، وقالوا، هذه المرة، إن جثمانه انشطر نصفين، لتأكيد وفاته، ونشروا الصورة نفسها التي نشرت في أبريل، وقالوا، أيضاً، إن النشطاء تداولوها على مواقع التواصل الاجتماعي.
المضحك أن أحد المواقع الإخبارية نقل عن مصادر عسكرية، في ذلك الوقت، أن مقاتلا آخر، يدعى باسل حسين محارب، قد قتل في العملية نفسها. لكن، عند الحديث عن تاريخ القتيل، أكد الموقع أنه سبق أن تم قتله قبل عامين، وكأنه عاد إلى الحياة ثانية، ليشترك في عملية الشيخ زويد، ليموت مرة أخرى، أو أن العودة من الموت أصبحت من السيرة الذاتية لمقاتلي التنظيم، وليس مستبعدا أن يتفاخر كل منهم بعدد مرات الإعلان عن مقتله فيما بينهم.
الآن، عرفت سبب عدم استطاعة القائد السابق للجيش الثاني، اللواء أحمد وصفي، تسليم سيناء متوضئة خلال أسبوع، حسبما وعد في السابع من سبتمبر/أيلول عام 2013، والعجز عن إعلان سيناء خالية من الإرهاب خلال أيام، وفقا لما بشرتنا به صحيفة الأهرام في الثالث والعشرين من الشهر نفسه في العام نفسه، فقد اتضح أن مقاتلي الجماعات المسلحة الذين يقتلهم الجيش تدب فيهم الحياة، ويعودون إلى القتال حتى يتم قتلهم مرة أخرى، وهكذا. أي أننا أمام مجموعات من “الزومبي”، وليسوا مقاتلين من البشر.