سياسةمصرملحق جيل

عشان لو “جلالته” جه ميتفاجئش

بعد زيارة رئيس الوزراء المصري “محلب” لمعهد القلب القومي، وعلامات المفاجأة التي بدت على وجهه من تردي أحواله، انطلقت حملة من الأطباء عبر “فيسبوك” بعنوان “عشان لو جه ميتفاجئش” تعتمد على نشر صور المستشفيات والمستوصفات الطبية الحكومية وحالتها البائسة، وانتشار الحيوانات والقمامة وغياب أي خدمات فيها، لفضح الحكومة ورئيسها الذي حاول تمثيل دور الجاهل بأحوال الطب في مصر. كما أدى نجاح الحملة إلى تطبيقها في مجالات أخرى مثل المدارس والجامعات والمصالح الحكومية.

لم يخلُ الأمر من استغلال سياسي، أو تاريخي في هذه الحالة، إذ نشرت صفحة الملك فاروق على “فيسبوك” صور لحال المستشفيات في عهد الملكية، ومثيلاتها في العصر الحالي مأخوذة من صفحة “عشان لو جه ميتفاجئش” في مقارنة تؤكد الصفحة أنها لصالح الملكية بلا شك.

كتبتُ من قبل عن لعبة الصور، وأنه لا يوجد أسهل منها، إذ يكفي أن تأتي بأفضل صور لقضيتك التي تريد الدفاع عنها، وأسوأ صور تمثل الموضوع أو القضية التي تريد أن تهاجمها وتثبت خطأها، لتصبح لديك مقارنة من الممكن أن تقنع بها قطاعاً لا بأس به من المتابعين.

سوء الأحوال وتردّيها حالياً لن يجعلنا نحنّ للعصر الملكي، ببساطة لأن الحال في العصر الملكي لم تكن أفضل على الإطلاق، بل قد يكون العكس هو الصحيح.

وقد انتشرت هذه اللعبة بشدة بين أنصار العهد الملكي، إذ قاموا بذلك في عدة مجالات، مثل نشر صور لشوارع نظيفة قبل يوليو 1952 وشوارع أخرى قذرة في الوقت الحالي، وأيضاً المقارنة بين طالبات الجامعة زمان “غير المحجبات واللاتي يبدين أنظف وأجمل” وطالبات الجامعة بحجابهن البسيط وعلامات الفقر على وجوههن. وكأن المطلوب ألا يتعلمن لفقرهن أو لحجابهن، وكأن نسبة التعليم في العصر الملكي كانت مرتفعة بين الإناث وهو غير صحيح، إذ لم تتعدَّ أعداد الطالبات العشرات بين سيدات مصر اللاتي لم يكنّ يتلقين أي قدر من التعليم إلا نادراً.

في نفس الإطار، يمكنني مثلاً أن آتي بصور لمستشفى السلام الدولي، أو مستشفى سرطان الأطفال بما تبدو عليه من نظافة ورقي، وأقارنها بصور تظهر بؤس الوحدات لصحية في الريف المصري في عهد فاروق. ويمكنني أيضاً أن أنشر صوراً لفندق فخم أو شوارع منطقة الزمالك حالياً، وأقارنها بمثيلاتها القذرة في العصر الملكي في الريف المصري الذي كان يحتوي على أكثر من ثلاثة أرباع السكان، ليعرف أنصار الملكية أنهم يدافعون عن سراب.

جاءت صفحة فاروق بصور لأفضل المستشفيات في عصر الملكية، وفاتها أن الفلاحين المصريين لم تكن لديهم هذه الرعاية الصحية، وأن معدلات الوفيات بينهم كانت عالية جداً نظراً لغياب أي نوع من أنواع الوحدات الصحية أصلاً، وأن الصور التي جاءت بها لمستشفيات في العاصمة لا يعني أن عهد فاروق كان الأفضل. لأن النسبة العظمى من المصريين كانت تعيش في الأرياف في فقر مدقع، ولم يكونوا يستطيعون دخول هذه المستشفيات، لأن هذه الخدمة الطبية كانت لنسبة قليلة جداً من الشعب.

من المعروف أن عصر الملكية انتشرت فيه الأوبئة والأمراض مثل الكوليرا، التي حصدت المصريين حصداً، وأدت إلى مقتل الآلاف منهم عام 1947، كما كان معروفاً أن الفلاحين مثلاً لم يكونوا يعرفون الأحذية أصلاً، وكانوا يسيرون حفاة من شدة فقرهم.

ويعتبر أفضل مرجع لحال المستشفيات في العصر الملكي هو كتاب “ساعة عدل واحدة: الكتاب الأسود عن أحوال المستشفيات المصرية 1937 -1943” كتبه “آرثر سيسيل ألبورت” وهو طبيب بريطاني عمل في مصر لمدة 6 سنوات أستاذاً للطب الإكلينيكي بمدرسة طب قصر العيني بجامعة فؤاد الأول، وصف بدقة أحوال المستشفيات المصرية البائسة، وأنواع الإهمال والفساد فيها.

وقد قام الكاتب بلال فضل بعرض فصول الكتاب في سلسلة مقالات أوضحت بما لا يدع مجالاً للشك أن الحديث عن أفضلية العصر الملكي محض أوهام يعيشها أصحابها في محاولتهم الوصول إلى زمن ماضٍ يطلقون عليه الزمن الجميل ليحنّوا إليه ويعتبروه هو النموذج الذي يجب أن نقتدي به.

لا يعني هذا أن أحوال الطب في مصر أفضل حالياً مما كانت عليه في العصر الملكي، لكن يعني أن لا شيء تغير في مصر، وأن العهدين يتنافسان في السوء والرداءة، وأن هذا العصر لو كانت به شبكات التواصل الاجتماعي الموجودة حالياً، لكان الأطباء قد أنشأوا صفحة بعنوان “عشان لو جلالته جه ميتفاجئش”. وكفانا خداعاً للنفس والحنين الزائف لزمن نريد أن نقنع أنفسنا أنه كان جميلاً.

_____________

تم نشره بقسم ملحق جيل بموقع العربي الجديد بتاريخ    6/19/2015

الرابط الاصلي

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى