أثارت الحكاية التي رواها أحد شيوخ الأزهر في خطبة الجمعة سخرية واسعة، وهي المتعلقة بإصابة أحد الأشخاص بالشلل أثناء محاولته الدعاء على السيسي بعد الانقلاب، وشفاؤه منه عند محاولته الدعاء على شخص آخر.
مصدر السخرية ليس فقط من المحاولة البائسة من قبل رجل الدين لنفاق الحاكم والتزلف له، بل لأن الملايين قد دعوا على السيسي خلال العامين الماضيين، منهم بالطبع أهالي آلاف القتلى والمعتقلين والمفقودين والمصابين، وكل من أصابهم الظلم من هذا الشخص، دون أن يصيبهم هذا الشلل المزعوم، بل انطلق لسانهم يكيل الدعوات على أمل الاستجابة.
لكن على الجانب الآخر، تثير ردود أفعال البعض تساؤلات حول حقيقة موقفهم إذا كانت الآية معكوسة، هل كانوا سيقابلون الأمر بنفس هذا القدر من السخرية.
انطلق رجل الدين في روايته المزعومة عن الشلل من منطلق طالما اعتمد عليه إسلاميون من كافة التيارات، سواء كان إسلامًا سياسيًّا أو حركات لا تمارس السياسة، واستخدموه لحكاية روايات ملفقة ومفبركة لتوصيل معاني معينة إلى جمهورهم وإقناعهم بصواب أفعالهم.
هذا المنطق مفاده أن العصاة سيصيبهم عذاب الله في الدنيا قبل الآخرة، وأن الطغاة والظالمين والفاسقين لن ينتظروا الآخرة ليتلقوا جزاءهم، بل سيكون العقاب دنيويًّا بعد فترة قصيرة، وأحيانًا في نفس لحظة ارتكابهم للظلم أو المعصية.
الجميع يذكر الحكاية الشهيرة التي انتشرت كالنار في الهشيم عن الفتاة التي تحولت إلى حيوان زاحف بعد إهانتها للقرآن وقيامها بإلقاء المصحف على الأرض. وتحولت القصة إلى أسطورة تناقلها كثيرون وطبعت منشورات وأرسلت رسائل عبر البريد الإلكتروني والمنتديات تتبنى هذه القصة المكذوبة التي تعتمد على نفس الأساس الذي استند إليه الشيخ السيساوي.
ولماذا نذهب بعيدًا، فهناك قصة أخرى مكذوبة عن وفاة رسام الكاريكاتير الدنماركي الذي أساء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم حرقًا، وأن الدنمارك تتكتم على الخبر. وقام أحد الأشخاص بنشر فيديو لسقوط إحدى المذيعات على الهواء بعد إصابتها بالإغماء، وكتب تعليقًا مفاده أن المذيعة كانت تستعرض الرسوم المسيئة للرسول فسقطت ميتة على الفور، وحصل الفيديو على أكثر من مليون و400 ألف مشاهدة. رغم أن المذيعة لا علاقة لها بالموضوع أصلًا، وكانت تتحدث عن موضوع آخر، لكن الشخص الذي نشر الفيديو استغل جهل الجمهور باللغة التي تتحدث بها المذيعة ليثبت يقين المسلمين ويكسب الأجر والثواب على دفاعه عن الإسلام بالكذب والغش!
شائعة أخرى عن قيام الدنمارك بحرق المصحف في الساحة الكبرى بالعاصمة كوبنهاجن، ردًّا على المقاطعة الإسلامية لمنتجاتها، وذلك يوم السبت القادم (لم يتم تحديد أي سبت بالضبط لكنه لا يأتي أبدًا، وكل من يقرأ الخبر يقوم بنشره باعتباره خبرًا عاجلًا سيحدث يوم السبت القادم لقراءته، والنتيجة أننا أصبح لدينا الآلاف من أيام السبت التي ستشهد حرق القرآن على مدار السنوات الماضية). ودار الزمن ليأتي قس متطرف يدعى “تيري جونز” ليحرق القرآن عام 2012، لكن في هذه المرة لم تتناوله الشائعات بسوء عكس ما حدث في أزمة الرسومات الدنماركية لسبب غير مفهوم.
كما نذكر جميعًا الرؤيا المزعومة التي بدأت منذ سنوات عديدة، ووجدت طريقها إلى جميع الأجيال حتى اليوم، منذ عصر ما قبل شبكة الإنترنت، مرورًا بالمنتديات والبريد الإلكتروني وحتى الفيس بوك، وهو التنبيه الذي يحذر من اقتراب يوم القيامة، ويعتمد على رؤيا رآها “الشيخ أحمد” حامل مفاتيح الحرم النبوي، مفادها أن يوم القيامة قد اقترب، وأن على الجميع الاستغفار والتوبة.
كما تحذر الرسالة من عدم قراءتها، وتهدد من يهملها بالإثم والويل والثبور وعظائم الأمور، وأن من لا يقوم بإرسالها خلال 96 ساعة من قراءته لها لأصدقائه وعائلته فستصيبه مصائب عديدة. فهذا رجل كذب الرسالة ففقد ولده في نفس اليوم. وذاك طبيب أهملها فلقي مصرعه في حادث سيارة.
وعلى الجانب الآخر بشرت الرسالة من ينشرها بالرزق والخير الوفير، وحددت مدة هذا الرزق بأنه خلال 40 يومًا تقريبًا، وأن الحد الأدنى للإرسال 25 نسخة، فهناك من نشرها فرزقه الله 25 ألفًا من المال، وقام آخر بنشرها، فرزق بـ96 ألفًا (ليس 95 ولا 100 بل 96، أرأيتم دقة أكثر من هذا؟).
حتى هذا المنطق يمكن دحضه في السياسة، فها هو حافظ الأسد، أحد أبرز المجرمين في التاريخ الحديث، الذي حكم سوريا بالحديد والنار، وقتل الآلاف من السوريين وعذب عشرات الآلاف في أقبية السجون، مات على عرشه دون أن يمس بسوء، ووجد السوريون أنفسهم مضطرين إلى الخروج لتوديعه وذرف الدموع عليه، حتى لا يتعرضوا للتنكيل من قوات الأمن، وخلفه ابنه في منصب الرئيس.
قبل أن نسخر من شيخ السلطة الأزهري البائس، يجب أن نراجع منطقنا في الحديث عن الدين وعقاب الظالمين والفاسقين.