المصادر الزائفة
قرأت منذ عدة أشهر تقريرًا رائعًا على ساسة بوست بعنوان “7 وظائف لا معنى لها تصل بك إلى الشهرة فورًا في الإعلام العربي” عن أهم التعريفات الوهمية للضيوف في البرامج التلفزيونية العربية.
خلال هذه الفترة وما قبلها، كنت أجمع أنا أيضًا قائمتي المفضلة لهذه الوظائف، خاصة فيما يتعلق منها بالاستغلال السياسي لها في الإعلام المصري. فإحدى أشهر وسائل التضليل المعروفة، هي استضافة أشخاص وإطلاق مسميات معينة عليهم، لإضفاء المصداقية والموضوعية، رغم عدم وجود أهمية أو حيثية لاستضافتهم، ومعظمهم في الأصل شخصيات مختلة تردد كلامًا فارغًا وهراءً كاملًا.
والآن، لنربط الأحزمة استعدادًا لرحلة من الغوص في بحر الهراء الإعلامي.
الشبيه
مجرد تشابهك في بعض ملامح أي شخصية مشهورة هو سبب كافٍ جدًا لاستضافتك في البرامج التلفزيونية، ونشر تصريحات منسوبة لك في الصحف والمواقع الإلكترونية.
هؤلاء الأشخاص وجدوا من جانبهم فرصة للظهور ونيل بعض الشهرة فلم يفوتوها.
بدأت الظاهرة قبل الثورة، لكنها كانت على استحياء عبر موقع “يوتيوب” بعد نشر فيديو لأحد الأشخاص يقوم بتقليد طريقة حديث الرئيس المخلوع حسني مبارك بطريقة كوميدية، وساعد على ذلك تشابهه في بعض ملامحه.
بعد الثورة استضافت بعض البرامج شبيهًا آخر لمبارك في بعض الحلقات، بمناسبة إنتاج فيلم وثائقي عن الساعات الأخيرة لمبارك قبل تنحيه عن الحكم، وقيام هذا الشبيه بدوره. لكن الأمور تطورت وتم استضافته بعد ذلك لمجرد تشابهه مع مبارك فقط ورواية بعض الحكايات الفارغة حول الأمر.
شبيه السادات
من أكثر الشخصيات التي ظهرت في وسائل الإعلام، ومنذ ظهوره تابعته وسائل الإعلام ونشرت أخبارًا عن قيامه بزيارة مشروع قناة السويس الجديدة، وتفقده مشروع مجمع مواقف طنطا، وإدلائه بصوته في انتخابات الرئاسة، وزيارته لموقع انفجار محيط وزارة الخارجية في سبتمبر من العام الماضي. وحل ضيفًا على الفضائيات ليقول كلامًا فارغًا وبائسًا يحاول من خلاله أن يبدو ظريفًا وشبيهًا بالسادات.
شبيه عبد الناصر
يظهر هذا الشخص بصفة دورية ليكون محورًا لتغطيات الإعلام المصري في المناسبات المتعلقة بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر، مثل ذكرى مولده وذكرى وفاته وذكرى 23 يوليو. ويصبح حضوره هو أهم ما في الذكرى بالنسبة للصحف والفضائيات التي تنقل عنه تصريحات، وتجري معه حوارات حول آرائه في السياسة والحياة بشكل عام!
ولم يفت هذا الشبيه بالطبع المشاركة في حفل الزار المقام لتمجيد السيسي، مؤكدًا في حوار صحفي أجري معه أن عبد الناصر لو كان حيًّا لكان قد قام بنفس ما يقوم به السيسي حاليًا.
“شبيه” عبد الناصر: الرئيس الراحل “كان هيعمل اللي بيعمله السيسي دلوقتي”
شبيه السيسي
ظهر للمرة الأولى بعد تداول صورة له على مواقع التواصل الاجتماعي من جانب وجهه الأيسر، ليلتقط الإعلام طرف الخيط ويتحرى عن صاحب الصورة وتجري معه لقاءات صحفية.
شبيه آخر لم يكذب خبرًا وظهر على قناة المحور ليقول إن قناة الجزيرة حاولت استغلاله لتمثيل دور في فيلم يوضح وفاة السيسي أثناء وجوده في منصب وزير الدفاع مقابل 150 ألف دولار، وهو مبلغ مضحك يذكرني بالفنان أحمد راتب في فيلم “بخيت وعديلة” عندما قال لشيرين: الحب مبيتبعش ولا بـ100 ألف جنيه، لترد عليه: هي الـ100 ألف جنيه آخر حاجة وصل لها خيالك؟
أيضًا كيف ستذيع الجزيرة فيلمًا عن وفاة السيسي وهو يظهر في المناسبات المختلفة، وقتها لن يكون للفيلم المزعوم أي قيمة.
وفي النهاية يكفي أن تنظر جيدًا وتدقق في صورة الرجل: هل هو يشبه السيسي فعلًا؟ أم أنها مجرد خيالات لا صلة لها بالواقع.
قبل هذا “الشبيه” ظهر شبيه آخر، يعمل فنانًا استعراضيًّا، كانت جريدة “الشعب” أول من نبه إلى وجود تشابه بينه وبين السيسي. لكنها تناولته في إطار الحديث عن كونه بديلًا للسيسي لأنه – حسب زعم الجريدة- قتل وتم التكتم على خبر موته واستبداله بهذا الشخص، ليظهر في برنامج “مانشيت” نافيًا ذلك.
شائعة موت السيسي كانت قد انتشرت في أوساط معارضي الانقلاب أواخر عام 2013 بصورة جنونية، في إطار ترويج المخدرات الفكرية من قبل بعض متصدري المشهد الإعلامي في الفضائيات المعارضة للانقلاب، ورغم ثبوت كذب تلك الشائعة وعدم منطقيتها أو مصداقيتها، إلا أن البعض ما زال مصرًا عليها حتى الآن، ولم يخجل من أطلقها من الظهور مرة أخرى، واستمروا في نشر شائعات أخرى.
حفيد عرابي
يشترك مع شبيه السادات في كثرة اشتراكه في حفلات الهرتلة الإعلامية وتقديم النقوط في فرح تمجيد السيسي. يظهر مرتديًا ملابس تشبه ملابس أحمد عرابي، ويسير راكبًا حصانًا وسط زفة إعلامية مبتذلة.
ظهر للمرة الأولى في حلقة على قناة دريم قدمها المذيع حافظ الميرازي، عن الثورة العرابية عام 2011. لكنه اختفى لأكثر من عامين، قبل أن يعود أثناء الاستفتاء على الدستور بداية 2014 مؤيدًا له بالطبع. وظهر مرة أخرى ليقول إن السيسي يشبه جده عرابي. وذهب مرة ثالثة إلى مشروع قناة السويس الجديدة مثل شبيه السادات ليؤيد ويبارك ويلتقط الصور التذكارية مع السذج والبلهاء المسرورين به. كما يظهر في محافظة الشرقية أثناء الاحتفال بالعيد القومي لها، وتحرص الصحف على نشر تصريحاته باعتبارها كلامًا مهمًا.
” width=”800″ height=”450″ ]
شبيه مرسي
أكثر الجوانب بلاهة وابتذالًا في قضية الشبيه، وهما شخصان: أحدهما رمضان السوهاجي، بائع متجول يبلغ من العمر 66 عامًا، والثاني “محمد صادق” موظف بالمعاش بهيئة قناة السويس. وجدا نفسهما فجأة هدفًا للصحف والفضائيات بسبب تشابههما مع الرئيس المعزول محمد مرسي.
قناة العربية كانت أول من حاول استغلال هذا الشبه عبر استضافة “رمضان السوهاجي” في إحدى برامجها، وكأنه حدث هام، والمفارقة أن مؤيدي مرسي أشادوا بالرجل لأنه – كما قالوا- نجح في الدفاع عن مرسي وأفشل مخطط القناة! رغم أن الأمر بكامله لا يستحق أي اهتمام.
أما الشبيه الآخر، فقد تسابقت وسائل الإعلام في نشر تصريحات له يهاجم فيها مرسي خلال فترة حكمه، وكأنها تصريحات من شخص ذي حيثية.
شبيهة صافيناز
الهوس الإعلامي بالشبيه تجاوز كل حدود المنطق، وامتد إلى مجالات أخرى غير سياسية، مثلما قامت به جريدة “صوت الأمة” عندما قدمت فتاة قالت إنها أدت دورًا وصفته بـ”الساخن” في أحد الأفلام المجهولة، باعتبارها شبيهة للراقصة “صافيناز”.
شبيهات أخريات لصافيناز حددتهم وسائل الإعلام، منهم عارضة أزياء اسمها “نور المغربية”، وراقصة تسمي “برديس” شاركت في برنامج “الراقصة”، وممثلة تدعى “شيما الحاج”.
لم يكتفِ الإعلام إذن بتغطية أخبار الراقصة ورصد كل شاردة وواردة عنها، واختلاق الحكايات والأساطير عنها، ونشر أحد المواقع خبر قال إنه نقلًا عن “مصادر مقربة منها” وكأننا نتحدث عن حلف الناتو أو مجلس الأمن الدولي. بل واعتبر أن وجود فتاة من الممكن أن تحمل شبهًا في ملامحها خبرًا في حد ذاته.
شبيه المرشد
وأخيرًا يأتي “شبيه مرشد الإخوان” كآخر عنقود مسلسل الشبيه في الإعلام المصري، بعدما قالت جريدة “التحرير” إن سفير الهند في القاهرة “نفديب سوري” يحمل ملامح قريبة من ملامح الدكتور محمد بديع، وبدلًا من تناول تصريحاته أو نشر ما قاله، ركزت الجريدة على هذا الشبه باعتباره أهم ما في الخبر، ووضعته كعنوان له.
قد يكون متقبلًا نشر خبر أو اثنين على الأكثر عن وجود أشخاص يشبهون مشاهير السياسة وحتى الرياضة والفن، لكن عندما يتحول الأمر إلى أخبار تنشر بصورة دورية وتصريحات وحوارات وحلقات كاملة تتحدث عن هذا الهراء، لا تتعجب.. إنه الإعلام المصري.
مطاريد الإخوان
يهاجم الإعلام المصري قنوات الإخوان المعارضة للانقلاب باعتبارها منابر للتحريض على العنف، وأنها لا تقدم وجهة النظر المقابلة التي تعتبر ما حدث ثورة شعبية أطاحت بمرسي.
لكن ماذا عن الإعلام المصري نفسه، كيف يتناول الموضوعات الخاصة بجماعة الإخوان؟
المتابع لما يقدمه الإعلام، يجد أنه لا يقدم أي وجهة نظر للإخوان، باعتبارها “جماعة إرهابية” ويستعيض عن ذلك بشخصيات أخرى للحديث عن وجهة نظر الإخوان!
في حلقة من حلقات برنامج “السادة المحترمون” على سبيل المثال، استضاف “الواد يوسف الحسيني” على حد قول اللواء عباس كامل، أحمد خير، القيادي في حزب المصريين الأحرار، للحديث عن العلاقة المريبة بين الإخوان والولايات المتحدة! وهي مسخرة إعلامية بكل معنى الكلمة.
” width=”800″ height=”450″ ]
مع مرور الوقت ابتكر الإعلام طريقتين لمواجهة هذا النقص، الأولى: استضافة الخارجين من جماعة الإخوان، أمثال كمال الهلباوي وثروت الخرباوي وسامح عيد ومختار نوح ومحمد حبيب، والثانية: اختراع كيانات يقولون إنها خرجت من رحم الإخوان اعتراضًا على سياسة الجماعة وتبنيها للعنف.
تنوعت تلك الكيانات، ما بين “إخوان تائبون”، مرورًا بـ”إخوان منشقون”، وانتهاءً بـ”إخوان بلا عنف”، وظهر مجموعة من الأشخاص المجهولين باعتبارهم أعضاء سابقين في الإخوان ومؤسسين لتلك الحركات.
واستغل الإعلام إحدى هذه الحركات “إخوان بلا عنف” للتحريض على اعتصامي رابعة والنهضة قبل فضه، ونقلت عنها إن الإخوان نقلوا أسلحة كيماوية وصواريخ من سوريا إلى الاعتصامين، وكانت هذه “الحركة” مصدر هذا الخبر الذي تصدر الصفحة الأولي من “الأخبار” في فضيحة وسقطة منحطة تجعلها شريكة في جريمة الفض.
غير هذا التحريض، أطلقت “إخوان بلا عنف” تصريحات تتحدث عن كل الموضوعات تقريبًا، من حماس إلى قطر إلى تركيا، وكأنهم لديهم مصادر معلومات من داخل هذه الأماكن، والإعلام من جانبه لم يقصر في نقل هذا الهراء طالما جاء في سياق يأتي على هواهم.
أما “إخوان تائبون” فظهرت في محاولة ساذجة لتلفيق تسجيل صوتي للدكتور “محمد البلتاجي” القيادي في جماعة الإخوان المسلمين، عبارة عن اقتطاع أجزاء من حديث للبلتاجي أثناء اعتصام رابعة، يهاجم فيه السيسي ويحمله مسئولية المذابح التي تجري بحق معارضي الانقلاب، لكن “الحركة” قامت بـ”حركة” ساذجة وحذفت الجزء الأول وأبقت باقي الحديث ليبدو وكأنه يمدح السيسي.
في الفيديو الأصلي يتحدث البلتاجي عن “مرشد الشرطة” الذي يضرب المواطنين ويهينهم، لكن “الحركة” حولت “مرشد الشرطة” إلى “مرشد الإخوان” الذي يضرب الشعب على قفاه.
ومؤخرًا تنازع أعضاء “إخوان منشقون” مع بعضهم، بسبب لقاء السيسي بعدد منهم دون الآخرين، وظهرت بوادر الانشقاق داخل المنشقين!
صقر المخابرات
شخص ما ظهر فجأة في الإعلام اسمه تامر الشهاوي، أطلق على نفسه لقب “صقر المخابرات الحربية” ويتم استضافته في البرامج التلفزيونية تحت هذا المسمى العجيب، ليتحدث عن ثورة 25 يناير وما جرى فيها، وعن الحرب على الإرهاب وغيرها من الموضوعات. والغريب أن “أماني الخياط” و”أحمد موسى” عرفاه مرة بـ”الأستاذ” وأخرى بـ”السيد” دون أي ذكر لرتبته العسكرية المفترضة، رغم أن الصحف تطلق عليه لقب “اللواء”.
آراء ومداخلات “صقر المخابرات” لا تختلف كثيرًا في مضمونها عن حواديت وحكايات الخبراء الاستراتيجيين من عينة سامح سيف اليزل وحمدي بخيت وثروت جودة وغيرهم من تشكيلة “صقور المخابرات”، الذين انهالوا على رؤوسنا عقب ثورة يناير. لكن المختلف بالنسبة للشهاوي هو لقبه المضحك الذي منحه ركنًا خاصًا استحقه بجدارة في هذا المقال.
مؤسس المخابرات القطرية
وعلى ذكر الخبراء الاستراتيجيين، فقد ظهر اللواء “محمود منصور” في البداية باعتباره خبيرًا استراتيجيًّا مثل غيره، لكنه مثل “صقر المخابرات” تفتق ذهنه عن حيلة تجعله مميزًا عن أقرانه من الاستراتيجيين والتكتيكيين والتخطيطيين والاستاتيكيين، فقدم نفسه بعد فترة من ظهوره في وسائل الإعلام، باعتباره مؤسسًا للمخابرات القطرية، ليتحدث عن الشأن القطري وما يجري داخل أروقة الأسرة الحاكمة هناك، والعلاقات بين أفراد النظام الحاكم. على اعتبار أن مشاركته في تأسيس المخابرات القطرية في ثمانينيات القرن العشرين – إن صحت- تجعله على اطلاع بكل ما يدور هناك في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، أي بعد أكثر من 30 عامًا.
سأكتفي هنا بذكر مثال واحد لإحدى روائع تصريحات مؤسس المخابرات القطرية وتجلياته، تاركًا القارئ يبحث عن باقي هذه الروائع إذا أراد، وهي تأكيده إن الموساد أنشأ قناة الجزيرة وحركة حماس لخدمة الأهداف الإسرائيلية الأمريكية. أي أن المعارك التي تدور بين حماس وإسرائيل “فوتوشوب” أو تمثيلية متفق عليها بين الطرفين.
تواصلت المسخرة بعد ذلك بعدما أشاع الرجل أن المخابرات القطرية تخطط لاغتياله، بعدما كشف عما سماها “تورطها في تمويل جماعة الإخوان الإرهابية”، وأنها حاولت تجنيده في وقت سابق لصالحها. تصريح يذكرنا بأقوال خالد الذكر اللواء عبد العاطي صائد الفيروسات عن طريق سلاح الكفتة الفتاك، عندما أكد أنه عرض عليه 2 مليار دولار للتخلي عن جهاز الكفتة، إلا أن المخابرات المصرية اختطفته وأعادته إلى أحضان الوطن لينشر فيها علومه مدعمة بالسلطات والطحينة.
فجر السعيد
ربما نسمع قريبًا عن تدشين أقسام متخصصة في الصحف المصرية لتغطية أقوال وتصريحات الكاتبة الكويتية “فجر السعيد”.
السعيد ليس لها أي مؤهلات أو حيثيات سوى أنها كويتية، تكره ثورة يناير، تؤيد الانقلاب العسكري وجرائمه، تعشق مبارك والسيسي وشفيق بجنون، وتنشر شائعات بصورة منتظمة لخدمتهم. ويتلقف الإعلام كل هذا القيء وينشره بصورة شبه يومية. وبصورة غريبة تجعلك تشك في وجود تعليمات خاصة للصحف بنشر هذه التصريحات وإبرازها.
فمن الناحية المهنية، لا تملك فجر السعيد أي قيمة خبرية، فهي كاتبة ومنتجة، لا علاقة لها بالسياسة أو الإعلام، كما أنها تعيش في الكويت ولا تملك أي قدرات خاصة تجعلها تعرف أخبار مصر للدرجة التي تجعلها مصدرًا لها.
(ماذا قالت “فجر السعيد” عن دعم الإمارات لـ”تمرد”؟ ماذا قالت فجر السعيد عن خطاب السيسي؟ فجر السعيد تكشف سر رقم “4” في تبرع دول الخليج لمصر- فجر السعيد: محور “خليجي- مصري” خلال 2015- ماذا قالت فجر السعيد عن الـ”نيو إخوان”؟ ماذا قالت “فجر السعيد” عن حوار السيسي مع العربية؟).
عناوين عينة بسيطة من الأخبار المنشورة في الصحف المصرية عن هذه السيدة التي تحولت لمصدر من أهم مصادر الأخبار لدى الصحفيين، لدرجة أن بعض الساخرين رشحوها لتولي منصب المتحدث العسكري باسم القوات المسلحة المصرية، بعدما نشرت معلومات مفبركة عن غارة وهمية نفذتها القوات الخاصة في ليبيا، نتج عنها – وفقًا لها- مقتل المئات من عناصر “داعش”، وأسر أكثر من 150 آخرين. ونشرت عنها جميع الصحف المصرية بلا استثناء، رغم أن المتحدث العسكري لم ينشر حرفًا واحدًا عن هذه العملية المزعومة حتى الآن.
نوستراداموس العرب
على الرغم من اعتياد الإعلام العربي بشكل عام، والمصري بشكل خاص، استضافة خبراء الفلك والروحانيات للتنبؤ بالمستقبل، إلا أن المدعو “أحمد شاهين” يمكن تنصيفه باعتباره نوعًا مستقلًا بذاته.
يطلق شاهين على نفسه لقب “نوستراداموس العرب”، لكنه يقول كلامًا في غاية الاختلال والجنون، ورغم ذلك لم يتوقف ظهوره الإعلامي وإجراء المقابلات والحوارات معه.
مئات من التخاريف يرددها شاهين، نكتفي بعرض بعضها فقط، مثل تأكيده إجراءه حوار مع كائن فضائي جاء ليحارب الإخوان، وأن أوباما وبوتين والعائلة المالكة البريطانية من قوي الشر المسماة ب”الزواحف” التي تتخذ شكل البشر، وظهور الإسلام على كوكب المريخ.
وبالطبع وجد شاهين للسيسي مكانًا بارزًا في نبوءاته، فهو من سيمنع داعش من الاستيلاء على الكويت، ويتوجه بجيش يمسي “الأبقع” ويوقف حفر الأنفاق بعد ضرب الكعبة بصواريخ «سكود» الداعشية، والتي تصل إلى الكعبة المشرفة بالفعل، كما أن الجيش المصري بقيادة السيسي سيحرر القدس في 2015.
كل هذا وفقًا لمخطوطة تصفه بـ”شاب أنشوش عادي، في الحق يرشق ولا يوالي، وبالعقف الكافر ولا يبالي، فيخطط بروحه الخطط ويبعد عن عقله الشطط، فيحوذ العالم اللادوني ويعبر الطريق السني، ويسيطر على علم الجني”. (حد فاهم حاجة؟)
الغريب أن أحد المواقع الإخبارية نشر تقريرًا عن أشهر خرافات شاهين، رغم أنه أكثر المواقع التي نشرت هذه التخاريف باختفاء وبصورة منتظمة.
الأهالي
واحدة من الطرق التي استخدمها الإعلام المصري قبل وبعد الانقلاب، هو قيامه بنشر أخبار تتحدث باسم فئات كاملة من الشعب، سواء كانوا أهالي محافظات ومدن ومناطق، أو أصحاب مهن وحرف، بهدف توجيه الرأي العام إلى اتجاه محدد سلفًا. ورغم اقتصارها على استطلاع آراء بضع أفراد من هذه الفئات. إلا أنه يتم تعميمها باعتبار أن جميع المنتمين إلى تلك الفئة يتبنون ذلك الرأي.
في عهد مرسي، وبعد أحداث سجن بورسعيد في يناير 2013، وقرار فرض حظر التجوال داخل مدن القناة الثلاثة، نشرت الصحف أخبارًا وتقاريرًا تؤكد رفض “جميع أهالي تلك المدن” لقرارات وخطابات مرسي، بعد استطلاع آراء أفراد معدودين منهم وتعميمهم على الجميع.
وبعد الانقلاب، انقلبت الصحف أيضًا، وحولت الأهالي إلى مؤيدين للسلطة بشكل كامل، وأصبحت تتحدث عن اعتداءات قوات الأمن على المتظاهرين المعارضين للانقلاب، باعتبارها اشتباكات بين الإخوان وأهالي المنطقة التي توجد فيها المظاهرة، بهدف إخلاء مسئولية الداخلية عن قتلها المتظاهرين واعتقال العشرات منهم، وتوصيل رسالة مفادها وجود كراهية شعبية لمعارضي الانقلاب.
وبعد تكرار الاشتباكات بين المتظاهرين والشرطة في بعض المناطق، خاصة حلوان وكرداسة وناهيا وعين شمس والمطرية، بدا واضحًا وجود حاضنة شعبية يتمتع بها رافضو الانقلاب في تلك المناطق، خاصة المطرية، فبدأت الصحف والفضائيات في إنكار ذلك، وقالت إن “أهالي كرداسة” يستغيثون بالشرطة لتحرر منطقتهم من الإخوان، وتحدثت عن رفض “أهالي المطرية” لوجود المظاهرات فيها، واتهامهم لجماعة الإخوان بممارسة الإرهاب.
واستطلعت وسائل إعلام آراء بضعة أفراد من هؤلاء الأهالي، كانت آراؤهم متفقة تمامًا مع توجهات وسائل الإعلام. حتى لو كان مضمون كلامهم يحتوي على تحريض واضح بالقتل.
وبعد قرار تهجير سكان مدينة رفح المصرية، لإقامة منطقة عازلة بين مصر وقطاع غزة، تحدث الإعلام بلسان أهالي رفح أيضًا، مؤكدًا رضاهم التام عن القرار وتفهمهم له، وقيامهم بإخلاء منازلهم طوعًا ودون إجبار.
وبعد قرار الحكومة المصرية نقل الباعة الجائلين في منطقة وسط البلد، أثار القرار الباعة، وتجمهروا في مظاهرات للاعتراض عليه، فنشرت الصحف في اليوم التالي خبرًا عن لقاء رئيس الوزراء بهم، وفرحتهم بذلك.
نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي
يفترض الإعلام أن هناك مجموعة من الأشخاص مختلفين عن البشر العاديين، وأن صفتهم في الحياة هي أنهم “نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي”. وعلى هذا الأساس نجد عشرات الأخبار تتحدث عنهم بهذه الصفة وليس باعتبارهم مواطنين، رغم أننا يمكن أن ندرج الصحفي كاتب الخبر نفسه باعتباره ناشطًا من هؤلاء النشطاء لأنه يمتلك حسابًا على إحدى هذه المواقع.
هذه اللعبة يجيد الإعلام الموالي للسيسي استخدامها جيدًا، إذ يمكن انتقاء مجموعة من التعليقات المؤيدة له، وتجميعها في خبر واحد يؤكد أن هذا هو رأي نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي. رغم أن مستخدمي مواقع التواصل متنوعون للغاية، مثلما هم على أرض الواقع.
على سبيل المثال، رغم أن مواقع التواصل الاجتماعي امتلأت بالهجوم والسخرية من طريقة احتفال السيسي بعيد ميلاد الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي، غردت جريدة “الوطن” خارج السرب، وقالت إن “النشطاء” علقوا على هذا الاحتفال قائلين إن السيسي “كله ذوق ومفيش حاجة تفوته”. وهو خبر مضحك لأن أي شخص آخر يمكننه ببساطة تجميع آلاف التعليقات الأخرى المنددة أو الساخرة والحديث عن عاصفة من الهجوم على هذا العمل. ويمكن قياس ذلك في موضوعات أخرى كثيرة يختار فيها الإعلام ما يوافق هواه وينشرها باعتبارها تمثل كل “النشطاء”.
ويمكن اعتبار لفظ “ناشط” نفسه غير دقيق، فِهو مرتبط دائمًا بالنشاط السياسي والميداني والجماهيري، أما الأدق فهو استخدام كلمة “مستخدمي مواقع الإنترنت” أو “مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي”.
كتبت هذه المقالة بموقع ساسة بوست بتاريخ 27 مارس, 2015