العالم العربيساسة بوستسياسة

فصل المقال فيما بين حفتر و”نجمة الشبراوي” من الاتصال

كلما شاهدت وجه المدعو خليفة حفتر، تذكرت على الفور مطعم “نجمة الشبراوي” في القاهرة.

بعد قدومي من الإسكندرية إلى العاصمة عام 2006، للدراسة في كلية الإعلام، وكأي طالب مغترب، ترددت كثيرًا على مختلف المطاعم الشعبية في القاهرة، وكانت مطاعم “الشبراوي” و”جاد” من أشهر المطاعم في ذلك الوقت ولا تزال، حيث تقدم المأكولات الشعبية مثل: الفول والطعمية والبطاطس بأسعار في متناول معظم المصريين.

النجاح الذي حققته مطاعم الشبراوي، دفع العديدين إلى تقليدها، عن طريق افتتاح مطعم يحمل نفس الاسم والشعار لكن مع اختلافات بسيطة جدًا، منها “نجمة الشبراوي” الذي كان مجاورًا لمسكني.

أما مطاعم جاد، فوجدت من يقلدها أيضًا بجوار جامعة القاهرة.

في البداية ظننت أن هذا المطعم ينتمي فعلاً إلى سلسلة جاد، لكن عند اقترابي من لافتته، وجدت اسم “حسن” مكتوبًا بخط صغير للغاية أعلى العنوان. حيلة أخرى لاكتساب زبائن على اسم المطعم الشهير. وعلى نفس المنوال يسير حفتر بالضبط.

فرغم عدم تقلده أي منصب رسمي قبل أو بعد الثورة الليبية، ورغم أن الرتبة الأعلى في جيش القذافي كانت العقيد، إلا أن حفتر ظهر في خطاب تلفزيوني في فبراير عام 2014، مطلقًا على نفسه لقب “اللواء المتقاعد”، معلنا تجميد المؤتمر الوطني العام، وبدء ما سماها “عملية الكرامة” ومانحًا نفسه لقب “قائد الجيش الوطني الليبي”، وهو غير الجيش الليبي الذي لم يعد موجودًا، وإنما هو مجموعة من الميليشيات والمرتزقة تجمعوا تحت هذا الاسم.

بعد هذا الإعلان لم يتوقف حفتر عن إصابة المتابعين بنوبات من الضحك المتواصل، بدءًا من هزائمه المتتالية في بنغازي، وعجزه عن تحقيق أي تقدم منذ ذلك الوقت، مرورًا بتصريحاته الكوميدية التي حاول فيها تقليد السيسي، مثل تصريحه بقبول تفويض الشعب الليبي له لمحاربة الإرهاب (هل رأى أحدكم مظاهرات تطالبه بشيء؟)، وكذلك تصريحه بعدم نيته الترشح للرئاسة إلا بأمر الشعب.

رغم هذا الكذب الواضح من حفتر إلا أن الإعلام تعامل معه باعتباره قائدًا للجيش الليبي، وتناسوا تمامًا كلمة “الوطني” التي تشير إلى أنه جيش “تايواني” بلغة المصريين، والتي تطلق على الأشياء الزائفة أو البضائع الفاسدة منعدمة الكفاءة من عينة “نجمة الشبراوي”. وظهر واضحًا انحياز الإعلام المصري بشدة إلى حفتر، ومساندته في معاركه ضد قوات “فجر ليبيا”، والحصول على تصريحات منتظمة منه هو وأعوانه على أساس أنهم قادة الجيش الليبي الشرعي ضد “الإرهاب”؛ بل واعتبره بعضهم المعادل الموضوعي للسيسي.

ومع مرور الوقت، بدأ إعلاميون يدعون إلى التدخل العسكري في ليبيا لمحاربة من سموهم “المتطرفين” والجماعات الإرهابية فيها، ويستطيع المتابع للإعلام المصري أن يرصد بسهولة وجود مثل هذه الدعوات الإعلامية منذ أكثر من عام، لكن هذه الدعوة المبكرة لم تكن مقنعة أبدًا؛ بسبب عدم وجود داع مُلِح وحقيقي يستدعي التدخل فيها إلا مساندة حفتر وضرب الثورة الليبية.

وجاء ذبح 21 مواطنًا مصريًا ليعطي المبرر لهذا التدخل. لكن حتى هذا التدخل لم يجد مساندة دولية، بسبب إصرار مصر على مساندة طرف دون آخر، رغم عدم شرعيته، وإمداده بالسلاح والدعم، مخترقة الحظر المفروض من قبل الأمم المتحدة على ليبيا.

وكذلك الإصرار على استخدام القوة وعدم المُضي في حوارٍ سياسي شامل بين الفرقاء.

والحقيقة أن الجيش الليبي الحقيقي كان يتم تكوينه بالفعل تحت رئاسة المؤتمر الوطني العام، قبل أن يظهر حفتر بكثير، وقوات “فجر ليبيا” كانت تعمل تحت رئاسة الأركان الليبية في العاصمة طرابلس، باعتبارها نواة الجيش الجديد.

والحقيقة أيضًا أن ظهور حفتر سبق انتخابات البرلمان بأشهر، وبالتالي كان واضحًا أنه مجرد زعيم عصابة أجير لدى أطراف إقليمية.

الأيام الأخيرة حملت لنا أخبارًا جديدة، تفيد بأن البرلمان المنحل المجتمع في مدينة طبرق ألبس حفتر السلطانية، ومنحه أخيرًا لقبًا لم يكن متوافرًا لديه، وهو ترقيته إلى رتبة فريق (منذ متى كان لواءً أصلاً؟) وإطلاق تسمية “الجيش الليبي” بدون كلمة “الوطني” على عصاباته التي تعمل تحت إمرته، وكأنه بذلك أصبح الجيش الليبي الرسمي.

لكن للأسف جاء هذا المنصب في الوقت الضائع؛ فقد جاء من مؤسسة منحلة بقرار من المحكمة الدستورية الليبية، وبالتالي انضم برلمان طبرق إلى حفتر في منهج “نجمة الشبراوي” و”حسن جاد”.
حصول حفتر على منصب فريق، رغم أنه لم يكن لواءً، ومن مؤسسة منحلة ليس لها وجود قانوني أو شرعي؛ يذكرني أيضًا بالسيسي، الذي حصل على رتبة مشير دون أن يخوض حربًا أو يحقق إنجازًا عسكريًا من أي نوع.

بقي أن أقول إنه رغم كل محاولاته، لم ينجح مطعم “نجمة الشبراوي” في تحقيق النجاح الذي حققه “الشبراوي” الأصلي، كما أغلق مطعم “حسن جاد” أبوابه بعد فترة قصيرة، ولا يبدو أن حفتر وبرلمان طبرق سيتعلمان من هذا الدرس.

كتبت هذه المقالة بموقع ساسة بوست بتاريخ 05 مارس, 2015

رابط المقالة الاصلي

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى