الإعلام والعنف: مرسي Yes.. السيسي No
لماذا تذكر الإعلام فجأة أن العنف خطر على أمن المجتمع وسلامة المواطنين؟ فعقب نشر الفيديو الخاص بما سمي “كتائب حلوان”[2]، قام الصحفيون والمذيعون بشن حملة شعواء عليها، وصلت إلى حد نشر أخبار كاذبة أكثر من مرة عن القبض على أعضاء المجموعة، ودعم رواية الداخلية الملفقة حول مسئولية أفراد بعينهم عنها. ليس هذا فحسب، بل صنفت وسائل الإعلام حركة “ضنك” ضمن مجموعات العنف، ودعت إلى القبض على أعضاءها بتهمة الإرهاب، لمجرد ارتداء أعضاءها أقنعة تخفي وجوههم لتجنب الملاحقة الأمنية، رغم أنها حركة جماهيرية تدعو إلى مطالب اقتصادية واجتماعية بحتة لا علاقة لها بالسياسة أو بجماعة الإخوان المسلمين كما تقول وسائل الإعلام بإصرار غريب.
ونشرت صحف ومواقع عديدة أخبارا مضللة تدعي أن حركة “ضنك” بمحافظة السويس تدعو إلى العنف يوم 9 سبتمبر[3]، وتضع على ألسنة أعضاءها كلاما لم يقولوه من الأساس، رغم أن مقطع الفيديو الذي نشرته تلك الصحف للتدليل على ذلك لا يحتوي على أي دعوة لأعمال عنف مطلقا، بل تضمن دعوة الجماهير للنزول إلى الشارع للتظاهر احتجاجا على تردي الأوضاع الاقتصادية. لدرجة أن الحركة أصدرت بيانا حذرت خلاله وسائل الإعلام من توجيه الاتهامات جزافا للحركة دون دليل، وعدم إلصاق الحركة بأي فصيل أو تيار سياسي بعينه على غير الحقيقة.
الهوس من الملثمين بعد 30 يونيو ومحاولة نسبهم إلى معارضي الانقلاب وصل إلى درجة الجنون والعبث، بعد نشر الصحف أخبار عن ملثمين ملتحين ينفذون عمليات الاغتيال! كيف استطاع الصحفي كاتب الخبر أن يخترق اللثام الذي يضعه الشخص على وجهه وأدرك أنه ملتح! التفسير الوحيد لذلك أن الصحفيين الذين يكتبون هذه الأخبار يمتلكون أجهزة استشعار عن بعد، أو من المحتمل امتلاكهم لقدرات خارقة تمكنهم من كشف الحجب والأسرار.
نعود إلى السؤال الذي بدأنا به المقال، والإجابة هي أن مهاجمة الإعلام لدعوات العنف حاليا ليست لها أي علاقة بالحرص على أمن وسلامة المجتمع، والدليل على ذلك ترحيب جريدة “اليوم السابع” على سبيل المثال بشائعات تتحدث عن تشكيل تنظيم مسلح يدعي “الثأر لمصر” للانتقام ممن سمته “إرهاب الإخوان”.[4]
لن نتحدث هنا عن السقطة المهنية في نشر شائعات دون التحقق من مصداقيتها، وهو ما يتنافى مع أبسط قواعد العمل الصحفي، ولن نتحدث عن نشر الجريدة الخبر قبل إنشاء الصفحة الخاصة بالتنظيم المزعوم أصلا، بل نتحدث عن نبرة الإشادة والتهليل الواضحة في صياغة الخبر الذي يمثل دعوة صريحة للحرب الأهلية. وإعادة إنتاج لمجموعات “بلاك بلوك” التي نشطت خلال عهد الرئيس المعزول محمد مرسي.
وقد يكون مفيدا أن نعود بالزمن قليلا لنقارن بين تناول الإعلام للمجموعات التي تدعو إلى العنف أو “الملثمين” بشكل عام حاليا، وبين تناولها لنفس القضايا منذ أكثر من عام. عندما كان العنف ضد الدولة مطلوبا عقب الإعلان الدستوري الذي أصدره مرسي في نوفمبر 2012. فقد انطلقت عدة مظاهرات غاضبة من هذا الإعلان، تخللت هذه المظاهرات أعمال عنف واسعة من قبل المتظاهرين، أسفرت عن إحراق 38 مقرا لجماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة، بالإضافة إلى اندلاع اشتباكات مستمرة وشبه أسبوعية على أسوار القصر الرئاسي وإغلاق للطرق ومحطات المترو والمباني الحكومية بالقوة. وقد دافعت وسائل الإعلام عن كل ذلك.
وبعد الإعلان عن إنشاء ما يسمي فرقة (بلاك بلوك) لمواجهة ما قالت إنه (عنف الإخوان). هللت لها وسائل الإعلام جميعا، وأفردت لها مساحات واسعة للحديث عنها وتشجيعها، واعتبروا أعضاءها ثوار أبطال، ووصفت جريدة “الوطن” المجموعة بأنها “أشعلت روح الثورة من جديد”، وأنها رد فعل منطقي على “عنف الإخوان”، ونشرت ملفا كاملا للدفاع عنها والترويج لها.[5] واستضافت قناة “التحرير” اثنين من أعضاء المجموعة داخل الاستوديو، وظهرا بأقنعتهما السوداء مخفين وجوههما في سابقة إعلامية هي الأولي من نوعها.[6]
وقام “محمود بدر” منسق حركة تمرد المعارضة لمرسي بالدفاع عن أحد البلطجية المشهورين في مدينة المنصورة ويدعي (السيد العيسوي) ودعا لعلاجه على نفقة الدولة رغم ظهور الأخير في فيديو مصور في إحدى المظاهرات وهو يحمل أسلحة آلية.[7] كما أطلقت جريدة “اليوم السابع” عليه لقب “مصارع الأسود”،[8] وأكدت وقوف “شباب الثورة” بجانبه بعدما زعم تعرضه لاعتداء من قبل معارضي الانقلاب.[9]
وكما يلصق الإعلام أي أحداث عنف بمعارضي الانقلاب، يحرص على الإشادة بعنف الدولة ضد المتظاهرين، وينشر استعدادات قوات الأمن لمواجهات المظاهرات المعارضة لما حدث في 3 يوليو بنبرة فخر واضحة. ويؤكد دائما أن قوات الأمن لم تقتل أي متظاهر، وأن “الأهالي” هم من قاموا بذلك، وحتى لو ثبتت مسئولية الداخلية عن القتل، فإنها محقة في ذلك عند وسائل الإعلام، لأنها تواجه مظاهرات مسلحة.
إذن، يدعم الإعلام العنف إذا كان يري في ذلك مصلحة لمالكه أو التيار الذي يمثله، ويدينه ويصفه بالإرهاب والميليشيات إذا كان يمثل تيارا معارضا له. على طريقة السيدة مني البحيري صاحبة جملة: سيسي Yes مرسي No، لكنهم عكسوها لتصبح: العنف في عهد مرسي Yes، لكنه في عهد السيسي No.
[1] نشر في موقع الجزيرة مباشر مصر بتاريخ 15 سبتمبر/ أيلول 2014.
[2] “الظهور الأول لـ«كتائب حلوان»: سئمنا سلمية الإخوان”، المصري اليوم، 14 أغسطس/ آب 2014.
https://www.youtube.com/watch?v=-OQMPeJk60U
[3] “بالفيديو.. على غرار كتائب حلوان.. “ضنك الإخوانية” تدعو للعنف بالسويس”، اليوم السابع، 7 سبتمبر/ أيلول 2014.
[4] “شائعات عن تشكيل تنظيم “الثأر لمصر” للانتقام من إرهاب الإخوان”، اليوم السابع، 15 أغسطس/ آب 2014.
[5] “بلاك بلوك تثير رعب الإخوان وتشعل روح الثورة”، ألوطن، 26 يناير/ كانون الثاني 2013.
https://www.elwatannews.com/news/details/119979
[6] “لقاء تلفزيوني في الاستديو مع البلاك بلوك”، برنامج “في الميدان”، قناة التحرير، 27 يناير/ كانون الثاني 2013.
http://www.youtube.com/watch?v=9dj6Jz8J0v4
[7] “مسيرة بالسلاح ضد مرسي بالمنصورة”، المصري اليوم، ٢٦ يونيو ٢٠١٣.
http://www.youtube.com/watch?v=fTaGnzryaAs
[8] “العيسوي”.. مصارع الأسود بالمنصورة يصارع الموت.. تعرض لشلل نصفى بعد محاولة اغتيال من الإرهابية انتقاما لتصديه لهم.. والدولة تتجاهل علاجه.. وإحالة المتهمين بالشروع في قتله 4 مارس القادم”، اليوم السابع، 28 فبراير/ شباط 2014.
[9] “إصابة مصارع الأسود بشلل نصفي بعد اشتباكات مع الإخوان”، 8 أغسطس/ آب 2013.
http://www.youm7.com/News.asp?NewsID=1195422#.UntpNXBmBj3