العسكري الأسود
لم تكن وفاة جندي الأمن المركزي أحمد حسين خليل نتيجة تعذيبه من قبل ضابط الحادثة الأولي، وربما لن تكون الأخيرة.
وزارة الداخلية انحازت كالعادة إلى الجاني على حساب المجني عليه، وأكدت أن وفاة المجند جاءت نتيجة الإعياء، قبل أن تكذبها مصلحة الطب الشرعي، وتثبت وجود آثار ضرب وإصابات في أنحاء متفرقة من جسد الضحية.
(مقتطف لقصيدة لتميم البرغوثي يوجه فيها خطابا للعسكري).
هذا المشهد يعكس في النهاية قيمة الجندي الحقيقية عند الوزارة، فهو متوفر دائما ويسهل تعويضه، أما الضابط فهو ابن المؤسسة الذي لا يجب أن تتخلى عنه.
كيف يتحول إذن المجند الغلبان، إلى وحش لا يتورع عن ضرب من أمامه من المصريين بالعصا، أو طلقات الخرطوش، أو حتى الرصاص الحي، رغم ظروفه الصعبة والمعاملة السيئة التي يلقاها؟
(البريء: طاعة أحمد زكي للأوامر).
تحرص الداخلية على اختيار الجنود ممن لم يتلقوا أي قسط من التعليم. وفي المعسكرات، يتدرب المجند على مواجهة المظاهرات، أو أعداء الوطن كما يلقنوه. يحذره الضباط دائما من التفكير في أي شيء إلا طاعة الأوامر بصورة مطلقة، فالتفكير قد يصبح شديد الخطورة عند لحظة المواجهة.
(البريء: اعتراض أحمد زكي علي ضرب ممدوح عبد العليم).
حتى إن الرقابة نفسها حرصت على حذف النهاية الأصلية لفيلم “البريء” عندما تمرد “أحمد سبع الليل” وقتل رؤساءه.
(نهاية البريء)
هذه النهاية وقعت أحداثها بالفعل على أرض الواقع، عندما تمرد جنود الأمن المركزي عام ألف وتسعمائة وستة وثمانين، واشتعلت الأحداث لدرجة استدعت نزول الجيش وهددت عرش مبارك نفسه.
(مقتطف لأغنية)
كثيرا ما حاول المتظاهرون استمالة الجندي إلى جانبهم، باعتباره أحد ضحايا قمع الدولة مثلهم، وفي الثامن والعشرين من يناير عام ألفين وأحد عشر، حرص المتظاهرون على معانقة الجنود والتهدئة من روعهم عقب انكسار الشرطة وهروب الضباط، تاركين الجنود في أيدي الثوار.
إلا أن العسكري الأسود عاد مرة أخرى، وأصبح البطل الرئيسي في أغلب حوادث العنف التي وقعت بعد الثورة، وتراجعت صورة الجندي الغلبان، ليتصدر مشهد الجندي القوي ذي الهيبة المتزامنة مع عودة هيبة الدولة، وعادت سيطرة الضباط مرة أخرى على جنودهم، إلى حين. (هتافات قبل الفض)
الفقرة
الحلقة كاملة (الفقرة الثالثة)