إعلاميون ولكن مخبرون
كانت العلاقة التي تربط بين الصحفي والسلطة، خاصة أجهزة الأمن، هي الوسيلة المضمونة لضمان الترقي والحصول على مناصب عليا في الصحف القومية والإعلام المملوك للدولة قديما.
هذا الأمر لم يختلف حتى بعد ظهور الصحف والفضائيات الخاصة التي يمولها رجال الأعمال، بل ووجدنا بعض الصحفيين يعترفون بكل جرأة بتعاونهم مع الأجهزة الأمنية لسنوات، وقيامهم بنشر تقارير كتبت في أقبية أمن الدولة والأمن القومي لنيل الرضا والقبول، وتلقي التعليمات منهم لتنفيذها في عملهم الإعلامي، معتبرين ذلك عملا وطنيا.
آخر هؤلاء “المخبرين” كان خالد صلاح، رئيس تحرير جريدة اليوم السابع، الذي اعترف في برنامجه على قناة النهار بتلقيه أوامر من مؤسسة الرئاسة بنشر تقارير تفيد بتمويل قطر مؤامرة ضد مصر أثناء ثورة يناير. ولولا أن شبكة الإنترنت كانت معطلة في ذلك الوقت لنشر التقرير فعلا. والغريب أن صلاح لم يجد أي غضاضة في حكاية هذه القصة وكأنها أمر طبيعي للغاية. وكانت مشكلته الوحيدة أن طلب نشر تلك التقارير رغم قطع شبكة الإنترنت دليل علي تخبط الرئاسة.
ويبدو أن خالد صلاح قد تذكر التقرير المطلوب نشره بعد 3 سنوات من الثورة، أو أن الأوامر جاءت مرة أخري للنشر، ووجدنا أحد العناوين الرئيسية لعدد جريدة اليوم السابع في شهر يوليو الماضي يتحدث عن “تدريبات إسرائيلية لضباط المخابرات القطرية علي نشر الشغب في الوطن العربي”. نفس المضمون الذي تلقي أوامر بنشره من نظام مبارك ها هو ينشره خالد صلاح الآن.
عموما ليس خالد صلاح وحده من تشمله القائمة، وإنما هي قائمة طويلة، ومنهم إبراهيم عيسى، الذي كشف أخيرا عن حقيقة كنا نستنتجها مما يقوله ويفعله منذ الثورة وحتى الآن، وها هو يعلن عن علاقة طويلة جمعت بينه وبين السيسي عندما كان مديرا للمخابرات الحربية، وأكد أنه كان يجلس معه أسبوعيا لمدة 6 أشهر. ويُمكن أن نعتبر تلك الجلسات إحدى جهود السيسي لتكوين “الأذرع الإعلامية” وفقا لما جاء في تسريباته التي نشرتها شبكة “رصد”.
وفي سياق الحرب بين رجل الأعمال نجيب ساويرس، وعبد الرحيم علي، نشر الأخير مقالا مطولا في جريدة “البوابة” فضح فيه دون أن يدري الجهات التي يعمل لديها، عندما كشف فيه عن معرفته المسبقة بانقلاب السيسي علي مرسي قبله بـ4 أشهر. وحكي عن تفاصيل لقاء جمعه بساويرس في فبراير 2013، قائلا بالنص: “كنت أحمل له رسالة محددة: لا تدفع شيئا للإخوان المسلمين الآن، الأمور في طريقها إلى التصعيد مع الجماعة الإرهابية، لن يمكثوا في حكم مصر أكثر من أربعة أشهر، ليس مطلوبا منك إلا أن تمتنع عن الدفع”.[2]
نظرية الأذرع الإعلامية امتدت إلى المدعو توفيق عكاشة، مالك قناة الفراعين، الذي طالما تحدث كثيرا عن حوارات مطولة دارت بينه وبين مسئولين بجهازي المخابرات العامة والحربية، دون صدور أي نفي من الجهازين.
بل إن عكاشة حذا حذو إبراهيم عيسى وأكد في إحدى حلقات برنامجه وجود علاقة عمل قوية تجمعه بالسيسي منذ زمن، وأنه كان يجلس معه ومع مسئولي المخابرات الحربية عدة ساعات يوميا، كل هذا دون إصدار نفي. بل تمت دعوة الرجل لحضور حفل افتتاح مشروع قناة السويس الجديدة، وتمت دعوته أيضا للقاء السيسي مع “الإعلاميين”.
[1] نشر في موقع الجزيرة مباشر مصر في 31 أغسطس/ آب 2014.
[2] “عبد الرحيم لـ “ساويرس”: سأجبرك على أن تتحسس رأسك”، المصريون، 18 أغسطس/ آب 2014.