أطل المذيع محمد الغيطي في برنامجه على قناة التحرير، مؤكدًا أن الأسطول السادس الأمريكي دخلَ المياهَ الإقليمية المصرية قبل أيامٍ من فض اعتصامِ رابعة العدوية، إلا أن طائراتٍ حربيةً مصرية حلقت فوق الأسطول وأجبرتهُ على الانسحاب. بعد أن أسرت الضفادع البشرية أحد قادته بقيادة الفريق مهاب مميش. وأكد أن هذه القصة مذكورة في مذكرات “هيلاري كلنتون” وزيرة الخارجية الأمريكية.
المتابع لهذه القصة يستطيع بسهولة معرفة أن الغيطي نقل هذه القصة من صفحات مؤيدة للسيسي على موقع “فيس بوك”، والتي نشرت القصة منذ البداية، لكنه عدلها وأضاف عليها من خياله لتطويرها وجعلها أكثر درامية، وهو ما يتفق مع عمله السابق في كتابة سيناريوهات المسلسلات الدرامية.
أثار هذا “التخريف” سخرية واسعة من المتابعين، لدرجة أن الجيش حرص على نشر نفي للموضوع عبر تصريحات مصدر عسكري لجريدة المصري اليوم.
رد الجيش كان منطقيًا، إذ نفى وجود هذه القصة في مذكرات هيلاري كلينتون من الأساس، كما أنها لم تكن تشغل منصب وزيرة الخارجية أثناء 30 يونيو من الأساس، “وبالتالي لم يتضمن كتابها أي كواليس للثورة وعملية الفض، وعلاقة الجانبين المصري والأمريكي خلال هذه الفترة لأنها كانت قد خرجت من السلطة”.
كما أن مهاب مميش كان قد ترك منصبه كقائد للقوات البحرية، وتولى منذ عام 2012 منصب رئيس هيئة قناة السويس.
رد الجيش نسف أيضًا كل الخيالات المزعومة حول توتر العلاقة مع الولايات المتحدة بسبب عزل مرسي، عندما أيد ما قالته المصادر الأمريكية من وجود تواصل شبه يومي كان بين السيسي ووزير الدفاع الأمريكي “تشاك هاجل” خلال تلك الفترة. وليس كما قال الغيطي إن عضوًا بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة اتصل بأوباما مباشرة، ونقل إليه رسالة تهديد من السيسي!
المثير للتأمل أن هذه لم تكن المرة الأولى التي يتحفنا فيها الغيطي بهذه الخزعبلات. إذ نستطيع بسهولة تحديد عشرات من المعلومات المغلوطة الأخرى التي جعلته ينافس توفيق عكاشة نفسه في تجهيل المشاهدين. والأغرب أن يستمر الرجل في تقديم برنامجه بعد كل كارثة يرتكبها وكأن شيئا لم يكن، مع أن الأعراف المهنية في دول العالم تقضي بمعاقبة الإعلاميين إذا ثبت قيامهم ببث أخبار كاذبة.
الطريقة الأساسية التي يعتمد عليها الغيطي تكمن في قيامه بتجميع الخرافات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، على طريقة “سلحفاة تأكل خس .. لا تخرج قبل أن تقول سبحان الله”، وإذاعتها زاعمًا أنها أسرار خطيرة لم يسبقه إليها أحد غيره.
ليست المشكلة فقط فيما قاله الغيطي، وإنما تعليقات عدد كبير من أنصار السيسي، بدوا خلالها أنهم مصدقين تماما للقصة ومحتفين بها أشد الاحتفاء، بل وقام بعضهم بمشاركتها على صفحته الشخصية مع تعليقات تشير إلى إعجاب شديد بما قام به الجيش المصري والضفادع البشرية! والأعجب أن معظم هؤلاء يهاجمون المشككين في القصة واصفين إياهم بأنهم “خرفان”.
قضيت الأيام الماضية في الاطلاع على أجزاء من حلقات برنامج الغيطي على قناة التحرير، و يا ليتني ما فعلت. فقد اكتشفت عالمًا كاملًا يعيش الرجل داخله هو ومشاهدوه، واكتشفت العديد من “الكنوز” التي روجها ضمن برنامجه. لكنها مع ذلك لم تحظ بنفس شهرة خرافة محاصرة الأسطول الأمريكي.
ولكي لا أستمتع بهذه الكنوز وحدي، رأيت أن أشارككم أبرزها:
من أوباما إلى السيسي: إلا مرسي
في نفس اليوم الذي أعلن فيه عن الهجوم على الأسطول الأمريكي، أعلن الغيطي أيضا – نقلا عن مذكرات هيلاري كلنتون كذلك – أن أوباما وجه رسالة للسيسي يحذره فيها من عزل مرسي. وأن السفيرة الأمريكية ذهبت إلى اعتصام رابعة لحث الإخوان على البقاء وإعلان دولة داخل الميدان، وأن الولايات المتحدة ستتكفل بحماية الاعتصام.
وقبل الحديث عن “المذكرات” أبدى الغيطي استغرابه من عدم تطرق أي إعلامي آخر لهذه المذكرات سواه، وهو أمر طبيعي لأن أحدًا من الإعلاميين لا يمتلك نفس خياله الخصب وقدرته على توليد وتأليف الحكايات المسلية.
مخابرات العالم تتآمر على مصر يا رأفت!
لم تكن مذكرات هيلاري كلنتون الزائفة هي الوحيدة التي حاول الغيطي أن ينسب معلوماته إليها، وإنما فعل ذلك مرارًا مع الصحف العالمية. يفعل ذلك بجرأة الواثق من عدم كشف كذبه.
مثال لذلك ما قاله ونسبه إلى صحيفتي “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، و”تايمز” البريطانية. حول اجتماع لأجهزة مخابرات الولايات المتحدة وإسرائيل وتركيا وقطر لوضع خطة لتضييق الخناق الاقتصادي على مصر والضغط على المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي لتعطيل التعاون الاقتصادي مع السلطات المصرية. وتمويل حملات صحفية للهجوم على مصر ومنع ازدهار السياحة فيها، ودعم إثيوبيا في بناء سد النهضة.
وفي مقطع آخر يضيف الغيطي إيران إلى قائمة أجهزة المخابرات المتآمرة على مصر بالتعاون مع التنظيم الدولي للإخوان، لوضع خطة سماها “حلحلة أجهزة الأمن المصرية”.
https://www.youtube.com/watch?v=Vvcz9Ewb5do
الإخوان المسلمون سبب سقوط الأندلس
سقطت مدينة “غرناطة” آخر معاقل المسلمين في الأندلس في القرن السابع الهجري، لكن جماعة الإخوان المسلمين التي نشأت عام 1928 كانت هي السبب في إسقاط الأندلس وفقا للغيطي.
ذكر الغيطي هذه المعلومات متحديًا المشاهدين، مؤكدًا أن من يراجع التاريخ سيتأكد من صحة هذه “المعلومات”.
https://www.youtube.com/watch?v=4NHBkQge6OU
الفيديو معروف واشتهر وقتها، لكن رد الغيطي على حملة السخرية الواسعة التي قوبلت بها هذه الخرافة لم يشتهر بنفس القدر.
ظهر الغيطي متهما الإخوان بأنهم وراء حملة السخرية منه، واتهمهم بالترويج للأكاذيب! وحكي قصة “جماعة إخوان العامريين” التي كانت موجودة أثناء حكم المسلمين للأندلس. وقال إن تقاليد جماعة بني عامر هي نفس تقاليد جماعة الإخوان المسلمين، وأن آخر خلفاء “إخوان بني عامر” استعان بالقشتاليين مثلما استعان مرسي بأوباما! وهو قول يثير ضحك أي قارئ للتاريخ.
https://www.youtube.com/watch?v=nKEnqdJ8VZg
جهاد النكاح
كان الغيطي أحد من ساهموا بنشر كذبة جهاد النكاح في اعتصام رابعة العدوية، بالتعاون مع إعلاميين أخرين.
ولم يكتف الغيطي بهذا، وإنما كان جزءًا من حملة التحريض ضد اللاجئين السوريين، عندما اتهم لاجئات سوريات بالمشاركة في جهاد النكاح المزعوم مع أفراد من جماعة الإخوان.
لم تكن هذه مجرد زلة لسان أو سقطة عابرة، بل كرر الغيطي نفس الأمر منذ أيام قليلة، عندما تحدث عن تهريب الحكومة التركية سيدات لسوريا، بهدف ممارسة جهاد النكاح.
ضرب طائرة السيسي
ضمن القصص الوهمية التي روج لها الإعلام خلال الفترة الأخيرة برزت قصة محاولة ضرب طائرة السيسي أثناء عبورها الأجواء التركية في طريقها إلى مصر بعد عودته من زيارة روسيا.
القصة المفبركة نقلتها وسائل الإعلام المصرية مدعية أن الإعلام الروسي نشرها على غير الحقيقة، مؤكدين أن المخابرات الروسية كشفت المؤامرة، ليأمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتوفير سرب طائرات سوخوي لتأمينها حتى وصولها إلى القاهرة.
من ضمن المواقع التي نشرت القصة المفبركة: صدى البلد، وموقع فيتو، الذي نشر خريطة مضحكة لما زعم أنه مسار طائرة السيسي، وكأن هذا هو الدليل على صحتها.
الغيطي تلقف القصة، ولم ينس كعادته إضافة بعض التفاصيل، ونسب “الإنجاز” بالكامل للمخابرات المصرية، التي نجحت كما قال في إحباط المحاولة، مؤكدًا أن المخطط شاركت فيه “تركيا – قطر – إسرائيل – الولايات المتحدة” بالإضافة بالطبع إلى التنظيم الدولي للإخوان، وهي قائمة صارت “إكليشيه” محفوظ يردده صحفيون وإعلاميون مصريون بصورة يومية.
طرد القرضاوي من قطر
عقب تنصيب الشيخ تميم بن حمد أميرًا لدولة قطر مباشرة، أكد الغيطي في حلقة بتاريخ 30 يونيو 2013 ليؤكد أن الأمير منح الشيخ يوسف القرضاوي مهلة 28 ساعة لمغادرة البلاد.
واستفاض الغيطي في شرح القصة مؤكدًا أن القرضاوي قام بمحاولات عديدة مع أكثر من 20 دولة لاستضافته عقب طرده! لكنهم جميعًا رفضوا استقباله باعتباره شيخاً إرهابيًا! فلم يجد بدا من العودة إلى مصرالتي احضنته رغم إساءاته لها وفقًا للغيطي! كل هذا والشيخ القرضاوي مازال متواجدًا في دولة قطر لم يغادرها حتى الآن.
https://www.youtube.com/watch?v=o2MGN8VOrEY
إسقاط طائرات استطلاع أمريكية
في إطار ترويجه لحروب وهمية يخوضها الجيش المصري لا يعرفها أحد، أكد الغيطي إسقاط الجيش المصري 3 طائرات استطلاع أمريكية الصنع عند حدود مصر الغربية، وأن المصريين تمكنوا من إنزال الطائرات وهي سليمة رغم إسقاطها! لاستخدامها بعد ذلك والاستفادة من التكنولوجيا الخاصة بها.
وغني عن الذكر القول بأن هذا الخبر لم يقم بإذاعته سوى الغيطي فقط، ولم يرد به أي بيان رسمي أو حتى أخبار صحفية أخرى.
من داعش إلى المصريين: 250 دولارًا يوميًا وجارية
عند مشاهدتي لهذا المقطع تخيلت رد فعل الشباب المصريين عليه، فكيف سيكون رد فعل شاب مصري عاطل معدم عندما يسمع الغيطي مدعيًا أن تنظيم داعش يعرض على المصريين 250 دولارًا يوميًا وجارية من سوق السبايا لإغرائهم بالانضمام إليه.
حديث الغيطي بالطبع يأتي في سياق الهجوم على التنظيم، لكنه من حيث لا يدري قد يكون أكبر دعاية له! ويمكننا أن نتخيل الخدعة الكبرى عندما ينضم الشاب إلى التنظيم ليكتشف أن الغيطي ضحك عليه، ربما يعتزم الشاب بعد ذلك العودة لرد الجميل له!
إسماعيل هنية عميل للموساد
استكمالًا لسيناريوهات الخيال العلمي التي يروجها، نشر الغيطي صورة تجمع بين إسماعيل هنية رئيس الوزراء السابق في حكومة قطاع غزة وشقيقة زوجة توني بلير رئيس الوزراء البريطاني الأسبق في إحدى زياراتها إلى قطاع غزة عام 2008 قبل اعتناقها الإسلام.
إلا أن الغيطي قام بتأليف قصة وهمية حول الصورة، قائلًا إن السيدة ما هي إلا جاسوسة إسرائيلية اعترفت بوجود علاقة بينها وبين هنية!
https://www.youtube.com/watch?v=qkC_U4oAOqA
ومضى الغيطي في خيالاته قائلا إن السيدة تسمى “دوري هيلاف” مسؤولة قسم بالموساد يختص بتوريد الفتيات الساقطات لاصطياد الأهداف التي تريد إسرائيل استقطابها.
وحرص الغيطي على أن تشمل بذاءاته كافة قيادات حماس، عندما تحدث في نفس المقطع عن تصريحات مفبركة أدلت بها تسيبي ليفني وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تقول فيها إنها كانت على علاقة بقيادات حماس.
أي أن حماس فشلت في معرفة علاقات إسماعيل هنية طوال هذه السنوات، بل وقامت بترشيحه لمنصب رئيس الوزراء، حتى جاء الغيطي ليكشف حقيقته!
بعد استعراض جانب من تاريخ الغيطي في التلفيق والكذب، لا أحد يعلم كيف يستمر الرجل في الظهور وتقديم برنامجه، بعد أن أصبح حالة مستعصية على الفهم والتحليل المنطقي. يجعلنا نبحث عن تعريف جديد لما يقوم به.