إذا كان معارضو الانقلاب العسكري في مصر يلومون الصحف والفضائيات المؤيدة لما حدث في الثالث من يوليو على كثرة أكاذيبهم التي يروجونها، فإن هناك العديد من الشائعات والأخبار غير الصحيحة التي روجتها صفحات ومواقع وأشخاص معروفون بتوجههم المؤيد لعودة مرسي، وتستدعي المراجعة والاعتراف بها كأخطاء فادحة، حتى لا تتكرر مرة أخرى.
ويُمكن تلخيص أبرز تلك الشائعات فيما يلي:
1) انشقاق أحمد وصفي
بعد ساعات قليلة من إعلان الجيش عزل مرسي، أعلنت منصة اعتصام رابعة العدوية رفض اللواء “أحمد وصفي” قائد الجيش الثاني الميداني آنذاك لتحرك الجيش، وإعلان ولائه للشرعية، وأن مرسي كلفه بتولي منصب وزير الدفاع بدلاً من السيسي، وهو الخبر الذي طمأن المعتصمين نسبيًّا، لكن مرور الوقت دون حدوث شيء قضى على الشائعة، لدرجة أن اللواء وصفي تحدث بنفسه نافيًّا تلك الشائعة بعد ذلك في عدة لقاءات إعلامية.
2) هروب السيسي وعائلته
شائعة تناقلتها الصفحات والمواقع المعارضة للانقلاب بشكل مكثف يوم 21 يوليو، تفيد باحتجاز أسرة السيسي في قاعدة “ألماظة” الجوية استعدادًا لمغادرة البلاد.
وقد نشرت تلك الشائعة منسوبة لـ “أحمد عبد العليم” المذيع بقناة مصر 25 آنذاك، وهو ما ساهم في انتشار الشائعة وإكسابها بعض القابلية للتصديق عند متابعيه.
3) “يوم السبت هيحصل حاجة.. يوم الحد مرسي معانا”
جملة قالها الشيخ صفوت حجازي على منصة “رابعة” يوم 25 يوليو 2013، للتأكيد على قرب عودة الرئيس المعزول محمد مرسي، لكن الأيام مرت دون حدوث هذه “الحاجة”.
https://www.youtube.com/watch?v=kJt59YwTPIA
4) اغتيال السيسي
ظهرت تلك الشائعة على استحياء وانتشرت، حتى إن الصفحة الرسمية لحزب الحرية والعدالة على موقع “فيس بوك” نشرت خبرًا يفيد بتعرض وزير الدفاع –آنذاك- الفريق أول عبد الفتاح السيسي لمحاولة اغتيال. قبل أن تقوم بحذف الخبر.
ووصلت الشائعة ذروتها عندما تحدث عنها الصحفي “أحمد حسن الشرقاوي” على شاشة قناة “الجزيرة” مؤكدًا مقتل السيسي، وحدد تاريخ وفاته بدقة، وهو 16 أكتوبر الماضي.
واستفاضت المواقع والصفحات المؤيدة لشرعية مرسي في الحديث عنها وتأكيدها ونشر تفاصيلها، ومنها موقع “نافذة مصر”، وتحدث عنها مسئولون في التحالف الوطني لدعم الشرعية، وضيوف في برامج وقنوات الإخوان، وقالت بعض الصفحات إن الشخص الذي يظهر أمام الناس ليس هو السيسي، وإنما “دوبلير” يقوم بأداء دوره. وشككت هذه الصفحات في كل ظهور للسيسي، وأرجعته إما إلى كونه فيديو قديم، وإما إلى الدوبلير المزعوم.
مع مرور الوقت اختفت الشائعة تدريجيًّا بظهور السيسي بشكل متكرر، وترشحه للانتخابات الرئاسية ونجاحه.
5) الانقلاب يترنح
أشهر جملة تناقلها أنصار مرسي والمعارضون لـ30 يونيو، لا أحد يعلم بالضبط مصدرها، لكنها اتخذت أشكالاً عدة، منها مقالات كاملة لكتاب تحدثوا عن قرب سقوط الانقلاب.
وفي مساء ١٩ يوليو ٢٠١٣، وأثناء إحدى زيارات كاثرين أشتون المتكررة للقاهرة في ذلك الوقت، تحدث المستشار وليد شرابي، منسق حركة “قضاة من أجل مصر” عن أزمة كبيرة يعيشها السيسي ومعاونيه.
أيضًا امتلأت بيانات التحالف الوطني لدعم الشرعية بأحاديث مطولة تتضمن تبشيرًا بـ “حسم” اقترب، ومطالبة للمتظاهرين بالاستعداد لمرحلة ما بعد الانقلاب.
وفي بيانه رقم 162 بتاريخ 6 يناير، أعلن التحالف الوطني لدعم الشرعية أن “الانقلاب انهار، ونحن في انتظار الحسم والنصر”.
الانقلاب لم “يترنح” فقط، بل ابتكر “عاصم عبد الماجد” عضو الجماعة الإسلامية مصطلحًا جديدًا في لقاء له على قناة “الجزيرة مباشر مصر” عندما قال: “الانقلاب يلفظ أنفاسه الأخيرة”.
والآن تحولت الجملة إلي نادرة يتناقلها الكثيرون بسخرية واستهزاء.
6) انقلاب صدقي صبحي
ضمن سياق الحديث عن اغتيال السيسي، وضع معارضو الانقلاب تصورًا يفيد بأن الفريق صدقي صبحي رئيس الأركان في ذلك الوقت هو من يتولى دفة الأمور، ويدير المشهد.
من هذه التأكيدات ما قاله رضا فهمي، رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس الشورى على قناة أحرار ٢٥ التابعة لجماعة الإخوان المسلمين، مؤكدًا بثقة أن السيسي خارج المشهد تمامًا، وأن هذه معلومات مؤكدة. ولم ينس التأكيد على أن الانقلاب في أزمة ضخمة. (راجع: الانقلاب يترنح).
https://www.youtube.com/watch?v=mRBVXmNEAVw&app=desktop
7) السيسي ابن اليهودية
تعتبر الإحالة إلي الأصل اليهودي للخصوم إحدى أكثر الوسائل رواجًا لدى الحركات الإسلامية، فلم تظهر مثل تلك الشائعات في هذه الأزمة فقط، بل طالت شخصيات مماثلة اتسمت بالعداوة مع التيارات الإسلامية، أشهرها “مصطفي كمال أتاتورك” الذي تتهمه كتب إسلامية عديدة بالانتماء ليهود “الدونمة”، وأنه لهذا السبب أسقط الخلافة الإسلامية، وحتي الرئيس الراحل “جمال عبد الناصر”، حيث لم يخل النقد الموجه إليه من بعض الإسلاميين باتهامه بالانتماء لليهودية، كونه نشأ في حارة اليهود بالجمالية.
مثل هذه الشائعات وجدت طريقها للأزمة الحالية في مصر، عندما تداولت مواقع وصفحات معارضة للانقلاب أحاديث حول كون والدة السيسي يهودية من أصل مغربي.
وقد تورط المذيع “أحمد منصور” في الأمر عبر الكتابة عنها بصيغة التساؤل. ولم يكتف بذلك، وإنما تحدث أيضًا عن تقارير تؤكد أن رئيس الوزراء الحالي “إبراهيم محلب” تعود أصول عائلته إلى يهود الدونمة الذين هاجروا من تركيا إلى دول عربية خلال ثلاثينيات القرن الماضي، ويخفون يهوديتهم ويحملون أسماء المسلمين، يمارسون في الظاهر عبادة المسلمين، وفي الخفاء يمارسون يهوديتهم!
تناول منصور للشائعة شجع الكثيرين على الحديث عنها بعد ذلك، باعتبارها معلومة ذات مصداقية.
وعلى طريقة أحمد منصور سار الصحفي “صابر مشهور” الذي قام بتصوير حلقة على موقع “يوتيوب” حاول من خلالها إثبات أصول السيسي وجمال عبد الناصر اليهودية، لكن كل ما قدمه “مشهور” من أدلة كان حديثًا عامًا عن نشأتهما في حارة اليهود، وكأن كل من نشأ في هذا المكان يصبح يهوديًّا أو صهيونيًّا بالضرورة.
مطلقو الشائعة لم يجيبوا على عدة أسئلة، ومنها: هل يحتاج المرء إلى أن يكون من أصل يهودي ليرتكب الجرائم؟ وماذا عن باقي أركان الانقلاب الذين يرتكبون الجرائم منذ أشهر، هل هؤلاء يهود أيضًا؟ وكيف اكتشفوا فجأة أن والدة السيسي يهودية بعد قيامه بعزل مرسي، ولم يتحدثوا عنها قبل ذلك؟ ألا يدين هذا الأمر مرسي نفسه إذا كان عالمًا بهذا الأمر، ومع ذلك قام بتعيين السيسي وزيرًا للدفاع؟
الأغرب أن مطلقي الشائعة لم يقدموا دليلاً واحدًا على صحتها، بل إنهم حتى جاهلين اسم والدة السيسي ولا يعرفونه من الأصل. ومع ذلك يتحدثون عن الأمر بثقة مطلقة.
8) روبرت فيسك ونعوم تشومسكي ضد الانقلاب
تمتلئ صفحات التواصل الاجتماعي الموالية للشرعية بمقالات كاملة مفبركة تذيل في النهاية بتوقيع “روبرت فيسك” و”نعوم تشومسكي”، كلها تهاجم الانقلاب وتمدح مرسي، وتتحدث عن أسباب الانقلاب عليه، وكلها لا علاقة لها بالحقيقة. ومع ذلك تشهد مشاركة واسعة من المتابعين لهذه الصفحات.
أما على المستوى الداخلي، فنجد كلاً من الفنان “محمد صبحي” والإعلامي “حمدي قنديل” حاضرين بقوة في مجال التصريحات المفبركة المعارضة للانقلاب، رغم تأييدهما الصريح للسيسي.
9) مرسي راجع
إذا قمت بالبحث في مواقع الإنترنت وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي عن هذا الموضوع، ستظهر لك آلاف النتائج، كلها لرؤى وأحلام تتحدث جميعها عن سقوط الانقلاب وعودة مرسي.
من قبل الثالث من يوليو، وكثير من أنصار التيار الإسلامي يعتمد على الرؤى التي يحكيها الشيوخ. كانت أشهر تلك الرؤى ما قاله الشيخ جمال عبد الهادي عن رؤيا لسيدنا محمد وهو يمسح بيده على قبة مجلس الشعب، وتمر الأيام وتصدر المحكمة الدستورية قرارًا بحل المجلس.
وبعد فوز مرسي بالانتخابات الرئاسية، انتشرت رؤيا عن الدكتور محمد مرسي وهو يؤم الرسول “صلى الله عليه وسلم” في الصلاة”، وأخرى لمرسي وهو يحمل 8 حمامات على كتفيه، في إشارة لإكماله الفترتين الرئاسيتين.
وتعتبر منصة اعتصام “رابعة” أكبر مصدر للرؤى قبل الانقلاب مباشرة وبعده، فلم يتوقف عدد من الشيوخ والعلماء عن الصعود إليها بصفة دورية لسرد هذه الرؤى، مثل الشيخ محمد عبد المقصود، والشيخ صفوت حجازي، والشيخ فوزي السعيد، المعتقل حاليًا. وهي القصص التي كانت تجد صدى كبيرًا عند المعتصمين الذين كانوا يحتاجون إلى التعلق بأي أمل أمامهم.
من تلك الرؤى ما قاله الشيخ جمال عبد الهادي عن رؤيا شوهد فيها سيدنا جبريل عليه السلام في مسجد رابعة يصلي مع المعتصمين. وكان ذلك قبل إعلان عزل مرسي.
أما صفحات المنتديات على مواقع الإنترنت فتمتلئ هي الأخرى بآلاف الصفحات التي تؤكد عودة مرسي استنادًا لرؤى رآها أفراد.
10) السيسي “الناجي”
نشرت بعض الصفحات صورة قديمة منسوبة للسيسي، وعليها بخط اليد “السيسي الناجي الوحيد من تحطم طائرة البطوطي بعد رفضه ركوب الطائرة مع زملائه أكتوبر 1999”. في إشارة إلي عمالة السيسي وخيانته.
والحقيقة ببساطة أن السيسي لم يكن في هذه البعثة من الأساس، كما أن هذه القصة المزعومة ليست لها أي مصادر موثوقة.
11) جنود الفرافرة ماتوا في ليبيا
عقب حادث كمين الفرافرة الذي أدوى بحياة العشرات من الجنود، سادت أقاويل تؤكد أن هؤلاء الجنود ماتوا في ليبيا أثناء قتالهم بجانب قوات اللواء المتقاعد “خليفة حفتر” في حربه ضد قوات “فجر ليبيا”.
المعلومة كالعادة لم تكن لها أي مصادر موثوقة، لكنها انتشرت لمجرد المكايدة السياسية، رغم عدم اتفاقها مع المنطق، فلا يمكن إرسال قوات كبيرة إلي ليبيا سرًّا دون معرفة أهالي الجنود ووسائل الإعلام، وإذا كان هذا الأمر صحيحًا، فمن الطبيعي أن يسقط جنود آخرون قتلى في المعارك، إلا أن هذا لم يحدث، وإلا اضطر السيسي لتدبير حوادث أخرى لتبرير مقتل هؤلاء الجنود. كما نشر تنظيم “أنصار بيت المقدس” مقطع فيديو يعلن خلاله مسئوليته عن العملية ليضع حدًّا للشائعة.
12) محاكمة الانقلاب دوليًّا
لم يكن الأداء الإعلامي مسئولاً عن هذه الشائعة، وإنما الأداء السياسي، لكنه يندرج ضمن نفس الإطار، وهو نشر الشائعات الكاذبة ضد الانقلاب.
في ديسمبر عام 2013، ظهر “يحيي حامد” وزير الاستثمار السابق في حلقة من برنامج “بلا حدود” على قناة الجزيرة، ليؤكد أنه بالإمكان محاكمة السيسي دوليًّا، وأن هذه المحاكمة باتت قريبة، وأن السيسي لن يستطيع مغادرة مصر قريبًا بسبب ملاحقته من قبل المحكمة الجنائية الدولية.
وصرح الدكتور “حمزة زوبع” القيادي في حزب الحرية والعدالة في مايو الماضي إن المحكمة الجنائية الدولية على وشك قبول دعوى محاكمة السيسي بتهم ارتكاب جرائم حرب.
إلا أن المحكمة رفضت قبول الدعوى بعد ذلك بأشهر، بسبب عدم توقيع مصر على اتفاقية المحكمة. ليتضح أن كل ما قيل في هذا الملف غير صحيح. واكتشفنا تقريرًا صحفيًّا يعود تاريخه لبدايات عام 2013 يتضمن رفضًا قاطعًا للتصديق على اتفاقية المحكمة الجنائية الدولية من الدكتور عز الدين الكومي، وكيل لجنة حقوق الإنسان في مجلس الشورى المنحل، والمنتمي لحزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين.
وبرر الكومي عدم التصديق على اتفاقية المحاكمة وقتها بالرغبة في عدم إهانة القضاء المصري، و”تجنب الوقوع في محظور لجوء الآخرين بشكل مستمر للمحاكمات خارج مصر”، مضيفًا: “لا يجب أن ننسى أن المحكمة الدولية ما تزال مسيسة” حسب قوله.
لم تتوقف المساعي لمحاكمة الانقلاب خارج مصر، ففي 21 يونيو الماضي، أعلن المستشار وليد شرابي عن قبول المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان الدعوى المرفوعة أمامها لمحاكمة المسئولين عن انتهاكات حقوق الإنسان في مصر خلال الأشهر الماضية. وهو ما اتضح عدم صحته أيضًا.
شائعات متفرقة
لا تخلو الساحة من شائعات متفرقة يرددها البعض كل حين، منها شائعة تفيد بمنع وزارة الأوقاف الأئمة من الدعاء على الظالمين، وهو خبر مصدره الوحيد موقع “المصريون”، بالإضافة إلي شيخ أزهري يدعى “عبد الرحمن حسن”.
إلا أن منع حرس رئيس الوزراء أحد المواطنين وإبعاده بعد مطالبته الإمام بالدعاء على الظالمين عزز من هذه الشائعة وأكدها. وجعلها تنتشر في مواقع عدة.
أما الدكتور “محمد الجوادي” فساهم بنصيب كبير في عدة شائعات لا أساس لها من الصحة، منها تأكيده أن السيسي أجرى عملية تجميل، وأنه لهذا السبب ظهر أسمر اللون في الخطاب الذي ألقاه عقب فوزه بالانتخابات الرئاسية.
كتبت هذه المقالة بموقع ساسة بوست بتاريخ 22 أغسطس, 2014