إعلامالجزيرة مباشر مصرالمقالات والتقاريرسياسةمصر

من الجزيرة إلى الداخلية: شكرا لإثبات مصداقيتنا

 

ظهر اللواء “هاني عبد اللطيف” المتحدث باسم وزارة الداخلية في الذكري السنوية الأولي لفض ميداني رابعة العدوية والنهضة، موجها الشكر لقناة الجزيرة، قائلا إن قوات الأمن تمكنت من القبض على 62 متظاهرا، بعدما تم التعرف على وجوههم وتحديد شخصياتهم من خلال شاشة القناة.[2]

بعد هذا التصريح تحركت “الأذرع الإعلامية” المعروفة باسم وسائل الإعلام المصرية، ونشرت خبرا متطابقا يحمل نفس العنوان وهو: من الداخلية إلى قناة الجزيرة: نشكركم على حسن تعاونكم معنا. وحرصت جميعها على الاحتفاء بهذا التصريح.

الخبر مثير للضحك والسخرية من عدة وجوه، وهي:

أولا: أثبت المتحدث باسم وزارة الداخلية دون أن يدري مصداقية القناة، فكثيرا ما اتهمت السلطات وأذرعها الإعلامية قناة الجزيرة بفبركة الفيديوهات وإذاعة مظاهرات غير موجودة على أرض الواقع، وها هي مصداقية الجزيرة تثبت نفسها.

ثانيا: يأتي تصريح المتحدث باسم وزارة الداخلية بعد ثلاثة أعوام من متابعة الجزيرة لحراك الشارع المصري، فهل تذكرت الداخلية فجأة أن متابعتها مفيدة للوزارة؟

ثالثا: الحديث عن القبض على 62 متظاهرا بعد التعرف على وجوههم أمر عبثي وغير منطقي، فلماذا لم تتمكن الداخلية من القبض على متظاهرين آخرين عبر قناة الجزيرة إلا في هذا اليوم فقط؟ وهل تستطيع الوزارة أن تعرض لنا كيفية التعرف على وجوه هؤلاء عبر شاشة القناة؟ وما هي مقاطع الفيديوهات التي ساعدتهم بالضبط؟ أشك كثيرا في قدرة الداخلية على إثبات ذلك.

رابعا: يبدو هذا التصريح محاولة من جانب الداخلية لتخويف المتظاهرين من تصوير حراكهم، وبالتالي عدم إذاعة تلك المظاهرات خشية تعرضهم للملاحقة الأمنية، ليبدو الشارع هادئا مستكينا كما تريده السلطة وأذرعها الإعلامية.

خامسا: قال اللواء عبد اللطيف في تصريح تلفزيوني مساء نفس اليوم إن قناة الجزيرة تقوم بنقل المظاهرات بالتعاون مع عدد من المصورين الذين يقومون بنقل الفعاليات، وهو ما يفسر المحاولات المسعورة لقوات الأمن لاستهداف الصحفيين والمصورين، حتى لو كانوا يعملون في مؤسسات إعلامية مؤيدة للسلطة الحالية.  وكان آخرها القبض على “مصطفي السيد” مصور جريدة اليوم السابع، و”بكر الشرقاوي” مراسل وكالة أنباء “أونا”، والمصور “أحمد عبد الجواد” مصور جريدة الشروق، و”محمود بكار” مصور جريدة البديل، و”عزة فضالي” الصحفية بجريدة المصري اليوم، والاعتداء عليهم بوحشية أثناء تغطيتهم مظاهرات الذكري السنوية الأولي لفض رابعة. وظهروا جميعا بعد إطلاق سراحهم في حالة يرثي لها.

سادسا: يمتلك اللواء هاني عبد اللطيف نفسه تاريخا طويلا من التصريحات العبثية والمتنافية مع المنطق والتفكير السليم، بدءا من اتهامه المعتصمين في ميدان رابعة بأنهم “مخطوفون ذهنيا”[3]، مرورا بتأكيده على براءة الداخلية من قتل متظاهري ثورة الخامس والعشرين من يناير، عبر ترويجه روايات أشبه بما كانت تقوله “الشيخة ماجدة” عن مسئولية حماس وحزب الله والحرس الثوري الإيراني عن قتل الثوار.

أما المسخرة الكبرى فكانت في تعليق سيادة اللواء علي تقرير منظمة “هيومان رايتس ووتش” الذي أدان فيه قوات الجيش والشرطة، وأثبت بالأدلة القاطعة وجود جرائم ترقي إلى مرتبة الجرائم ضد الإنسانية حدثت أثناء فض اعتصامي رابعة والنهضة. فقد انتظر الجميع ردا من وزارة الداخلية، وإذا باللواء هاني عبد اللطيف يتجاهل تفاصيل التقرير ويهاجم منظمة “هيومان رايتس ووتش” ويصفها بأنها “الوجه الاخر لقناة الجزيرة”.[4]

ويبدو أن هذا الأداء المزرى لا يتعلق باللواء هاني فقط، وإنما يمتد إلى الوزارة بكاملها. وهو ما ظهر في رد اللواء أبوبكر عبد الكريم مساعد وزير الداخلية لحقوق الإنسان، الذي أكد أن التقرير يقف خلفه عناصر التنظيم الدولي للإخوان، بغرض تشويه صورة الحكومة المصرية. كما اتهم اللواء أعضاء المنظمة الذين منعتهم السلطات من دخول البلاد كانوا يهدفون إلى إشعال المظاهرات التي دعا لها الإخوان في الذكرى الأولى لفض الاعتصام![5]

ردود مضحكة لا تحتاج إلي أي تعقيب من فرط تهافتها، لكنها للأسف تساهم في إعطاء صورة سلبية للغاية عن مصر، وتقربها أكثر فأكثر من نموذج “كوريا الشمالية”، بسبب الحديث المتكرر للمسئولين عن المؤامرة الكونية الكبرى التي تواجهها البلاد من جميع دول العالم، فكل من ينتقد ما يحدث هو إخوان أو إرهابي، حتي لو كانت منظمة حقوقية عالمية مثل هيومان رايتس ووتش، تدين جميع انتهاكات حقوق الإنسان بغض النظر عن القائم بها، ويكفي الدخول عبر موقعها الإلكتروني لرؤية عينة من تقاريرها التي تدين الولايات المتحدة وإسرائيل، وحتي الإخوان  في عهد مرسي.

داخلية الشيخة ماجدة توجت أداءها العبثي واللامعقول بالإعلان أمس عن ضبط أجهزة الأمن بشمال سيناء طالب وبحوزته جهاز تليفون محمول، عليه صورة لشهادة تفيد إتمامه فرقة التخابر مع حركة حماس الفلسطينية! الخبر الذي فجر موجة واسعة من السخرية من هذا العبث الأمني غير المسبوق. ولن أستغرب إذا أعلنت وزارة الداخلية القبض على “أبلة فاهيتا” بتهمة التحريض على العنف، استجابة لطلب المفكر الاستراتيجي “أحمد سبايدر”ّ!

[1] نشر في موقع الجزيرة مباشر مصر في 19 أغسطس/ آب 2014.

[2] “بالفيديو.. المتحدث باسم الداخلية لـ «الجزيرة»: شكرًا على حسن تعاونكم”، فيتو، 14 أغسطس/ آب 2014.

https://www.vetogate.com/1169959#sthash.UrB1S8MF.gbpl

[3] “الوفد ترصد الأقوال المأثورة في 2013″، الوفد، 19 ديسمبر/ كانون الأول 2013.

[4] “من “الداخلية” لـ”الجزيرة”: شكرا لحسن تعاونكم معنا”، الوطن، 15 أغسطس/ آب 2014.

https://www.elwatannews.com/news/details/539514

[5] “الداخلية: تقرير هيومن رايتس سياسي يفتقد للمصداقية ويقف خلفه التنظيم الدولي للإخوان”، الوطن، 12 أغسطس/ آب 2014.

https://www.elwatannews.com/news/details/537236

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى