عاجل: سعادته دخل الحمام
كثيرا ما هاجمت وسائل الإعلام زيارات مرسي الخارجية، باعتبارها لا تؤدي إلى نتائج ملموسة أو استفادة حقيقية للبلاد. وتمادي البعض مؤكدا أن هذه الزيارات تشهد إهانات لمرسي تعكس عدم اهتمام دول العالم به.
عكس هذا الأمر تماما نجده في التغطية الإعلامية لزيارات السيسي الخارجية، إذ نجد التهليل والتهويل من نتائج تلك الزيارات ووصفها بالتاريخية بشكل متكرر، والتركيز على مشاهد لا تبدو لها أي أهمية على الإطلاق. رغم تشابه ملامح الزيارات بين مرسي والسيسي بشكل كبير. ويمكننا المقارنة بين زيارتين مماثلتين قام بها كل منهما إلى المملكة العربية السعودية وروسيا.
ذهب مرسي إلي السعودية لأداء مناسك العمرة في أول زيارة خارجية له بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية، واستقبله خلالها الأمير سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد السعودي. بينما ذهب إلى روسيا في زيارة استقبله خلالها عمدة مدينة “سوتشي” الروسية.
المفارقة أن هذه هي نفس المدينة التي استقبل خلالها بوتين السيسي، لكن الإعلام أبرز في الزيارة الأولي اختيار المدينة على أنها تقليل من شأن مرسي، بينما اعتبرها مدينة هامة للغاية عند اختيارها لاستقبال السيسي.
السيسي بدا وكأنه مدرك للمقارنة التي ستحدث في حال استقباله في نفس المدينة التي استقبل فيها مرسي، وتحدثت تقارير صحفية عن رغبته في تغيير المدينة، لكن جدول مواعيد بوتين حال دون ذلك، لتتكفل الصحف والفضائيات المصرية بالأمر وتغير صفة المدينة من الصغيرة إلي الهامة.
أيضا ركزت وسائل الإعلام على تفاصيل أخري في الزيارة للدلالة على الاختلاف بينها وبين زيارة مرسي. مثل الحديث عن استقبال سرب من طائرات “سوخوي” الروسية له، وهو أمر لم يحدث على الإطلاق، ولا علاقة له بالحقيقة من قريب أو بعيد. الأمر الصحيح فقط هو استقبال طائرة السيسي عند دخولها المجال الجوي الروسي، وهو إجراء بروتوكولى يتم مع أي رئيس دولة.
كما تحدث الإعلام عن حجم حرس الشرف الروسي الذي كان في استقبال السيسي، والتأكيد على حجمه الكبير غير المسبوق، رغم قلته مقارنة مع حرس الشرف الروسي الذي يستقبل رؤساء العالم في موسكو.
السيسي كان في استقباله وزير الخارجية الروسي “سيرجي لافروف”، لكن الإعلام المصري رأي في هذا الاستقبال “تاريخي” و”أسطوري”، بل وأكد البعض أن روسيا كسرت كل قواعد البروتوكول لاستقبال السيسي!
ليس هذا فحسب، بل إن تأمل نوعية الأخبار التي نشرتها وسائل الإعلام عن الزيارة، يكشف عن رغبتها في صناعة “بروباجندا” للسيسي بأي وسيلة.
نجد التغطية تشمل أخبارا من نوعية: السيسي يشكر بوتين على حفاوة الاستقبال رغم إجازته السنوية، السيسي يشكر بوتين على دعوته لزيارة روسيا، السيسي يشكر «بوتين» لدعمه المبادرة المصرية بشأن غزة، بالفيديو والصور| السيسي وبوتين يتجولان على شاطئ البحر الأسود، بالصور.. السيسي يجلس على مقهى مع بوتين خلال جولة بـ«سوتشي». بوتين يصطحب السيسي في جولة ترفيهية ويتناولان الشاي سويا، عرض للجليد على شرف الرئيس ومتابعة تدريب رماية.
هذه أخبار تداولتها وسائل الإعلام المصرية في جدية بالغة، وكأنها تتحدث عن فتح مبين قام به السيسي.
جريدة “المصري اليوم” نشرت تقريرا عما قالت إنها 7 فروق بين زيارتي مرسي والسيسي إلى روسيا، وعند قراءة التقرير يتضح أن الفروق التي تراها الجريدة تتلخص في طول البيان الذي نشره الكريملين عن الزيارتين، ونشر الأعلام المصرية في زيارة السيسي، واعتراف الجريدة نفسها بتغير الخطاب الإعلام خلال الزيارتين، من الهجوم الشديد في عهد مرسي إلي الترحيب الشديد في عهد السيسي.
هذا الترحيب تجلي في نشر جريدة “الوطن” تقرير نقلا على لسان “رواد مواقع التواصل الاجتماعي” يؤكد أن السيسي “شرف” مصر في زيارة روسيا، بينما “فضحها” مرسي. وكله علي عهدة “الرواد” الذين هم ملايين الأشخاص يمثلون كافة التيارات، لكن الجريدة اختارت عينة من الآراء التي توافق هواها وعممتها علي كافة رواد مواقع التواصل الاجتماعي.
ولم تخرج صحف أخري عن سياق تشبيه السيسي بعبد الناصر، وتحدثت “المصري اليوم” عن مخاوف أمريكية من نفوذ موسكو في مصر، وكأننا نحيا في عهد الخمسينيات والستينيات من جديد، وكأن الجيش المصري يستورد سلاحه من دولة أخري غير الولايات المتحدة الأمريكية.
بينما رأي الكاتب “عبد القادر شهيب” رئيس مجلس إدارة مجلة “المصور” الأسبق أن مباحثات السيسي مع بوتين “تغيظ” أوباما، وهي وجهة نظر غير مسبوقة في السياسة تتحدث عنها باعتبارها نوعا من “كيد العوازل” بين السيدات.
شهيب تحدث بكل ثقة مؤكدا أن هذه المرة الأولي التي يتم فيها استقبال مسئول أجنبي في “سوتشي”. وبغض النظر عن هذا الأمر غير صحيح لأن مرسي استقبل في نفس المدينة، إلا أن هذا الأمر لو كان قد حدث في زيارة مرسي لرأي فيه نفس الشخص إهانة لمصر.
نفس التهليل والتهويل تكررا عند الحديث عن زيارة السيسي للسعودية التي سبقت روسيا، إذ وصفت وسائل الإعلام كالعادة استقبال السيسي هناك بـ”الحافل” رغم استقباله من النائب الثاني لرئيس الوزراء السعودي، وهو منصب أقل بكثير من منصب ولي العهد الذي استقبل مرسي.
أما الأمر المثير للسخرية، فكان تداول جميع الصحف والمواقع الإخبارية خبرا بعنوان “السيسي يدعو لمصر من داخل الحرم”. وهو الخبر الذي كان المانشيت الرئيسي لجريدة الأخبار، وقامت جريدة “المصري اليوم” بنشر هاشتاج على مواقع التواصل الاجتماعي يحمل نفس الاسم. وكأن هذا الدعاء يمثل أحد إنجازات السيسي.
وهنا يثور سؤال: كيف عرفت الصحف أن السيسي دعا لمصر؟ هل كانت تتصنت على ما يقوله أمام الكعبة؟ أم أن السيسي نفسه أخبرهم بهذا؟ وما أهمية خبر كهذا من الأصل؟
كما نشرت صحف ترحيب عدد من المصريين بالسيسي في الحرم المكي، وقولهم له: تقبل الله يا ريس، وهو كما نري خبر هام للغاية!
أخشي أن يمتد الأمر بوسائل الإعلام إلي تقليد مشهد مسرحية “تخاريف” عندما كان الخدم يتسابقون في الحديث عن تحركات سيدهم فاحش الثراء قائلين: سعادته لسه نايم، سعادته صحي من النوم، سعادته صحي، سعادته دخل الحمام، الكل يدعي له: يا رب سهل له!
[1] نشر في موقع الجزيرة مباشر مصر بتاريخ 16 أغسطس/ آب 2014.