إعلاممصرمصر العربية

الإعلامي لا يفني ولا يستحدث من عدم

تقضي الأعراف المهنية في دول العالم باختفاء الإعلاميين الذين ارتكبوا أخطاء فادحة عن الأنظار لمدد طويلة للغاية، بل إن بعضهم قد تنتهي مسيرته الإعلامية إلي الأبد، إذا ثبتت مساهمته في خداع الجمهور أو بث قصص وهمية وأخبار كاذبة.

لكن في مصر يبدو الوضع مختلفا، فلا يتعرض الإعلامي المخطئ إلي المحاسبة والعقاب، بل تزداد شهرته ويستمر في عمله كأن شيئا لم يكن، أو ينتقل إلي مكان آخر يحصل فيه علي أموال أكثر. رغم تورط بعضهم في أخطاء تصل أحيانا إلي مرتبة الجرائم.

آخر الإعلاميين العائدين “مها بهنسي” مذيعة قناة التحرير، بعد وقفها عن العمل لمدة تقارب الشهرين، بسبب تهكمها علي تعرض إحدى الفتيات للتحرش في ميدان التحرير، أثناء الاحتفال بفوز السيسي بالانتخابات الرئاسية. قائلة: مبسوطين بقى.. خلي الشعب يهيص.

وقبلها بيومين، أعلنت المذيعة المستبعدة من قناة “أون تي في”  “أماني الخياط” عودتها قريبا علي شاشة قناة “القاهرة والناس” التي يمتلكها رجل الأعمال “طارق نور”.

وكانت الخياط قد هاجمت دولة المغرب وادعت أن اقتصادها قائم علي الدعارة، ليتدخل مالك القناة “نجيب ساوريس” ويقرر استبعادها من العمل بالقناة التي قدمت اعتذارا للشعب المغربي علي تلك الإساءة. بعد أن تحدثت تقارير صحفية عن استثمارات هائلة تقدر بمليارات الدولارات تمتلكها عائلته في المغرب.

أما رانيا بدوي، فوجدت أبواب قناة “أوربت” مفتوحة لها، بعد أن كادت تتسبب في أزمة دبلوماسية مع إثيوبيا، إثر تشاجرها مع السفير الإثيوبي علي الهواء، وإغلاقها الهاتف في وجهه.

وفي فبراير الماضي، فوجيء المتابعون بخبر استعانة قناة “صدي البلد” التي يمتلكها رجل الأعمال “محمد أبوالعينين” بمذيعة التلفزيون المصري “رشا مجدي” للعمل فيها، رغم ارتباط “مجدي” بالتحريض علي قتل الأقباط أثناء أحداث “ماسبيرو” عام 2011.

قناة “صدي البلد” نفسها ضمت المذيعة “رولا خرسا” التي هاجمت ثورة يناير أثناء اندلاعها في برنامجها بقناة “الحياة” وقالت إنها مؤامرة خارجية تستهدف إسقاط مصر.

أما قائمة الإعلاميين الذين لم يتعرض لهم أحد بسوء، فتضم “حكمت عبدالحميد”، المذيعة بالتلفزيون المصري، التي هاجمت المقاومة الفلسطينية، وقالت للشعب الفلسطيني “طيب وإحنا مالنا يعني ما تتقتلوا، مش هنفتح المعبر.. وسيبكوا بقى من نبرة الشقيقة الكبرى والكلام ده”

لم يتم تحويل المذيعة للتحقيق، ولم تتعرض لعقاب من أي نوع، بل قرر التليفزيون المصري استكمال أوراق تعيينها.

إساءات أخري وجهها إعلاميون للشعب الفلسطيني، معلنين تأييدهم للعدوان الإسرائيلي الأخير علي قطاع غزة،  ودعوته علانية لقتل الفلسطينيين وإبادتهم، أشهرهم “توفيق عكاشة” مالك قناة الفراعين. وهي التصريحات التي نقلتها قنوات إسرائيلية بسعادة كبيرة. ورغم ذلك وجد الحاضرون في حفل إطلاق مشروع قناة السويس “عكاشة” حاضرا ضمن الإعلاميين.

وإذا كانت استثمارات عائلة “ساويرس” قد ردت إلي الشعب المغربي اعتباره، فإن شعوبا أخري نالتها إساءات بالغة، بعضها كان علي نفس شاشة القناة، لكنها لم تحظ بنفس ردود الفعل، سواء من المؤسسات الإعلامية. ولم تؤد إلي محاسبة قائليها. مثلما قام به المذيع “يوسف الحسيني” الذي سب اللاجئين السوريين علي الهواء، قائلا (هتتدخل فى مصر هتاكل تلاتين جزمة وفى وسط الشارع ومش بالقانون ولا حاجة. المصريين هيعملوا معاك أحلى واجب. هيلبسوك الطرحة بتاعة مرشدك اللى انت جاى تدافع عنه).

لم تبدأ ظاهرة “التدوير الإعلامي” هذا العام، بل بدأت منذ سنوات، بعد أن اكتشف المشاهدون حجم  التضليل الإعلامي الذي كان يمارسه الإعلام المصري بشقيه الرسمي والخاص أثناء ثورة يناير.  مما أدي إلي اختفاء عدد كبير من العاملين بمجال الإعلام بعد نجاح الثورة مباشرة بعدما تبين قيامهم ببث أخبار مغلوطة لتشويهها. لكن وبعد عدة أشهر من نجاحها، اعتمد الكثير منهم علي ضعف ذاكرة الجماهير للعودة مرة أخري لتصدر المشهد من جديد.

وهكذا شهد عام 2011 إنشاء العديد من الصحف والقنوات الجديدة التي اعتمدت علي إعلاميين معروفين بانحيازهم لنظام مبارك، حرصوا علي تقديم أنفسهم بصورة جديدة. مثل (لميس الحديدي) و(خيري رمضان) الذي هاجم الثورة علنا، وقبل ذلك هاجم الشهيد (خالد سعيد)، والذي اعتبرت حادثة وفاته أحد المحفزات المباشرة لقيام ثورة يناير.  كما انتقل أيضا المذيع “تامر أمين” أيضا من التلفزيون المصري إلي قناة “روتانا مصرية” لتقديم البرنامج الرئيسي لها.

بل وحتي قبل الثورة، شهدت الحرب الإعلامية المصرية الجزائرية بسبب تصفيات كأس العالم إساءات متعددة، منها وصف اللاعب “مصطفي عبده” للشعب الجزائري بأنه “شعب لقيط” قبل أن يقدم اعتذاره بعد الثورة.

ولا يبدو أن هذه الظاهرة ستختفي في الوقت القريب، في ظل الاعتماد علي الشهرة كوسيلة وحيدة لتقييم الإعلاميين، واعتبارها دليلا للنجاح، ورغبة مالكو الفضائيات في التعاقد معهم رغم أخطائهم لزيادة حصتهم من الإعلانات. وأيضا غياب أي معايير للرقابة وتقييم الأداء ومحاسبة المخطئين. تجعل الإعلامي “لا يفني ولا يستحدث من عدم، ولكن ينتقل من قناة إلي أخري”.

تمت كتابة هذه المقالة بموقع مصر العربية بتاريخ 14 اغسطس 2014

الرابط الاصلي 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى