إعلامالجزيرة مباشر مصرالمقالات والتقاريرمصر

الفتاوى الإعلامية

 

في الخطاب الذي ألقاه بمناسبة تنصيبه رئيسا للجمهورية، طالب الرئيس عبد الفتاح السيسي بتجديد الخطاب الديني، لكن يبدو أن بعض الإعلاميين تصوروا أنهم المعنيون بهذا المطلب. وإلا كيف نفسر هذا السيل من “الفتاوى” الإعلامية في الدين، وتحول عدد من الإعلاميين إلى علماء يضعون النظريات التي تفسر أركان الإسلام.

إحقاقا للحق، لم تبدأ تلك الفتاوي الإعلامية بعد دعوة تجديد الخطاب الديني، وإنما سبقتها بفترة طويلة، ارتبطت بحالة السيولة الإعلامية الشديدة التي تعيشها مصر، وعدم وجود تقييم حقيقي للأداء الإعلامي لضبطه من جانب المشتغلين في هذا المجال.

آخر تلك “الفتاوى” ما تفضل به “خالد صلاح” رئيس تحرير جريدة اليوم السابع في برنامجه على قناة “النهار” عندما استنكر ربط بعض الأدعية بتحقيق نتيجة دنيوية، ومنها “دعاء السفر” الوارد في السنة الصحيحة عن سيدنا محمد، عندما تساءل: يعني لو مقلناهوش العربية هتتقلب؟ لا أحد يعرف ما هي مشكلة بعض الإعلاميين مع دعاء السفر بالذات. فخالد صلاح تحدث في هذا الموضوع بعد فترة من انتقاد الكاتبة الصحفية فريدة الشوباشي له، والتي أبدت رفضها لقوله قبل ركوب الطائرة، وقالت إنه يناسب ركوب الجمل.

أما أماني الخياط، مذيعة قناة “أون تي في” المستبعدة، فلم ينس كثيرون ما كانت تقوم به من صولات وجولات دينية مثيرة للضحك أكثر منها مثيرة للنقاش. فتارة تؤكد وجود آيات قرآنية تتحدث عن مصر الموحدة إلى يوم الدين، وتارة أخري تشبه منتقدي بسيدنا موسي عندما كان يتجادل مع ربه، مضيفة أن سيدنا موسي كان كثير الجدال لأنه مصري. وعلى الرغم من أن الإعلاميين طالما هاجموا ما قالوا إنها عمليات تكفير تقوم بها التيارات الإسلامية، إلا أن أماني الخياط لم تجد غضاضة في القول إن من يتبع شيوخ السلفيين “المتشددين” خارج من الملة.

وبعد انتشار ملصق الصلاة علي النبي، اتفق إعلاميون على خطورة الملصق وضرورة مواجهته بقبضة حديدية. ومنهم “محمود سعد” و”جمال فهمي”، عضو مجلس نقابة الصحفيين، الذي أعلن بوضوح “قرفه” من هذا الملصق.[2]

وإذا كان يُمكن تفسير بعض هذه الفتاوي بحالة السيولة الإعلامية، إلا أن إغلاق المجال العام، وإسكات الأصوات المعارضة، لم يترك أمام هؤلاء الإعلاميين مجال لتناول الشأن السياسي إلا في سياق “التطبيل” للنظام الحاكم، وهي مساحات لا تكفل تحقيق الإثارة الإعلامية المناسبة لجلب المشاهدين ومن ثم الإعلانات، فاتجه بعضهم إلى موضوعات أخري “آمنة” يملئون بها ساعات البث دون مخاطر وتحقيقا للإثارة المطلوبة.

لذلك شهدنا محاولات من جانب إعلاميين لافتعال معارك تافهة، تذكرنا بالسجالات التي كانت تحدث في الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين بين المثقفين العلمانيين والإسلاميين حول مدنية الدولة وغيرها من القضايا الفكرية التنظيرية الجانبية، بتشجيع من نظام مبارك آنذاك، والذي كان يفتح لها صفحات الجرائد والمجلات، لتستهلك وقتا وجهدا كبيرين في النقاش والأخذ والرد، لتنتهي وتبدأ واحدة أخري، وهكذا. دائرة لا تنتهي من المعارك العبثية، بينما يجلس الحاكم مستمتعا بما يحدث آمنا من الخطر.

ففي برنامجه الذي أذيع في رمضان الماضي، والذي يقوم فيه بدور مدرس يقوم بتلقين التلاميذ خلاصة أفكاره وتحليلاته، توصل عيسى إلي نظرية جديدة لسبب نزول آيات الحجاب، وهو انتشار التحرش في المدينة المنورة. لم يكتف عيسى بكونه صحفيا وكاتبا ومقدم برامج ومحلل سياسي، فقرر إضافة اختصاص جديد إليه، وهو الفقه. مسترجعا ما كان يقوم به في مجلة “روز اليوسف” في بداية مسيرته الصحفية. أما المعركة “الكبرى”، فنشبت عندما أكد عيسى عدم وجود عذاب القبر، لينتفض الأزهر ويقرر تشكيل “لجنة” لبحث الأمر والرد عليه. ويشتعل الجدل حول هذا الموضوع بين جهات عدة.[3]

أيضا يمكننا تصنيف ما يقوم به وزير الثقافة “جابر عصفور” في هذا الإطار، عندما أعاد مشهد التسعينيات بحذافيره وهاجم الأزهر مؤكدا أنه لن يحكم مصر، لتنشر جريدة “الأهرام” سلسلة من المقالات بينه وبين علماء أزهريين حول هذا الموضوع. وهي مساحة آمنة تماما للتحرك والتظاهر بالشجاعة والحصول على زخم إعلامي.

لا تتوقف الفتاوي الإعلامية واستدعاء المعارك التافهة الآمنة عند ما يقوله العاملون في الإعلام فقط، وإنما تتجاوز ذلك إلى استدعائهم فتاوى مثيرة للجدل لعدد من الشيوخ خاصة السلفيين منهم، بعضها قديم، ونشرها باعتبارها فتوي جديدة، لإثارة الجدل حولها. من ذلك ما حدث مع فتوى ياسر برهامي الخاصة بضرورة تخلي الزوج عن زوجته وتركها لمن يريد اغتصابها للنجاة بحياته، وفتوى أسامة القوصي بجواز نظر الرجل إلى المرأة وهي تستحم، إذا كان في نيته الزواج منها. وهي فتاوى لا شك في تخلفها وانحطاطها، لكنها تتخذ وسيلة لجذب القراء والمشاهدين.

هذه الأحاديث تنهال على المشاهدين بشكل شبه يومي من شاشات التلفزيون، في ظل غياب أي دور للمؤسسات الدينية التي اكتفت بمعاركها للسيطرة على منابر المساجد وانتزاعها من خصوم الدولة السياسيين، وتجاهلت المنابر الأخرى التي تنضح بالتجاوزات. فإذا كان الإعلاميون يطالبون بتجديد الخطاب الديني، فهل يحق لنا أن نطالب بتجديد الخطاب الإعلامي؟

 

[1] نشر في موقع الجزيرة مباشر مصر بتاريخ 11 أغسطس/ آب 2014.

[2] “بالفيديو.. جمال فهمي: أنا قرفان من ملصقات “الصلاة على النبي”، بوابة الحرية والعدال، 17 يونيو/ حزيران 2014.

[3] “اسألوا إبراهيم عيسى عن عذاب القبر”، الأخبار، 1 أغسطس/ آب 2014.

https://al-akhbar.com/Media_Tv/35479

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى