صناعة الكذب في الإعلام الرسمي
شهد العام الماضي تصاعداً كبيراً في دور الإعلام في المنطقة العربية في ظل احداث «الربيع العربي». والمتأمل في الدور الذي لعبه الإعلام، ومازال يلعبه، في هذه الاحداث بالسلب أو الإيجاب يجد ان هناك الكثير من الدراسات والبحث والتحليل يجب أن يجري لفهم هذا الدور وتقييمه واعادة تأهيل الاعلام ليتمكن من ان يواكب ما يجري من احداث في نطاقه الداخلي المحلي والاقليمي والعالمي كذلك، بعد أن كشف «الربيع العربي» الكثير من سوءات صناعة الإعلام في الوطن العربي.
حول هذا الموضوع عرض الأسبوع الماضي فيلم وثائقي على قناة «الجزيرة» بعنوان «صناعة الكذب»، مصحوبا بحملة دعائية واسعة ربما كانت سببا في انتشاره بشكل واسع على الإنترنت، خصوصا «فيس بوك». يمثل الفيلم الذي قامت بإنتاجه قناة الجزيرة الوثائقية، ومن تنفيذ شركة آي فيلمز، محاولة لرصد دور الإعلام المصري وكيفية تعامله مع ثورة 25 يناير، وهو ما يمكن تطبيقه بدرجة أو بأخرى على الثورات الأخرى، مثل الثورات التونسية والليبية واليمنية والسورية، وذلك عبر تحليل ومراقبة مئات الساعات من البث التلفزيوني ومحتويات الصحف من جانب فريق من المتخصصين والمراقبين، بحسب ما ذكر في بداية الفيلم.
على مدى ما يقرب من الساعة؛ يعرض الفيلم أداء الإعلام المصري الحكومي وبعض القنوات الخاصة التي وصفت في الفيلم من قبل متخصصين بانها امتداد للتلفزيون الرسمي، خلال ثورة 25 يناير، ليبدأ على وقع هتافات المتظاهرين في 28 يناير، أي بعد بداية الثورة بثلاثة أيام، وهم في طريقهم للتجمع في ميدان التحرير، مستعرضاً اللافتات التي حملها المتظاهرون، خصوصاً التي هاجمت الإعلام المصري الرسمي باعتباره بوقاً للنظام، وأداة من ادوات خداع الشعب ومحاربة الثورة.
من خلال متابعة واستعراض المواد الإعلامية التي قدمت أثناء الثورة، خلص الفيلم إلى قائمة من 10 خطوات أو حيل إعلامية استند إليها الأداء الاعلامي الرسمي. وبعض هذه الخطوات تتفق مع النظريات العالمية السائدة منذ بدايات ومنتصف القرن الماضي في قيادة الشعوب والسيطرة عليها. وهذه الخطوات هي: استباق الأحداث، والتهوين من جانب والتهويل من جانب آخر، بالإضافة الى اختلاق وقائع لبث الفزع في قلوب المشاهدين، وتشتيت المشاهدين عن الحدث الرئيس وهو الثورة، مع العمل على تشويهها من خلال الحديث عن مندسين وجواسيس أجانب بين المتظاهرين وأجندات خارجية ومؤامرات، وطرح الخطاب الإعلامي في إطار الراوي الوحيد مع تعمد مهاجمة القنوات الفضائية الأخرى. وضمت الخطوات أيضا استخدام الخطابات العاطفية التي تهدف الى استمالة مشاعر الجمهور واستقطابهم من خلال الحديث عن إصلاحات قريبة او ارتباط الحكام بالوطن وأرضه، وتمسكهم بالبقاء والموت فيه، كما حدث في خطاب الرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك وايضا خطاب الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، وفي المقابل اختلاق وقائع «ممسرحة» واستدعاء شهود عليها، مثل شباب اعترفوا بتلقيهم تدريبات في الخارج. ومن الأدوات التي استخدمها الاعلام الرسمي في مصر وغيرها من دول «الربيع العربي»، استخدام بعض المشاهير لحشد الرأي العام إلى جانب النظام وضد الثورة، وهو الجزء الذي قابله الثوار من جانبهم بإعلان «قوائم العار» للفنانين والاعلاميين أعداء الثورة، والتي احدثت جدلا واسعا واسهمت في رفع جماهيرية البعض وتراجع شعبية اخرين.
أما الأداة الأخيرة التي استخدمها الإعلام، أو بالأحرى الإعلاميون، فكانت تبديل المواقع عند الشعور بالخطر، حيث تحول الإعلام المضاد للثورة إلى الاشادة بها عقب سقوط النظام، وانتقل الاعلاميون من تملق النظام الحاكم إلى نفاق الثورة والثوار، ليطلق المتظاهرون عليهم وصف «المتحولين».
وأشار فيلم «صناعة الكذب» الذي استضاف عددا من الإعلاميين والأكاديميين المتخصصين في الإعلام، إلى انه خلال 18 يوما، هي عمر ثورة 25 يناير، استخدم الاعلام المصري جميع هذه الخدع، بأسلوب افتقد حتى للاحترافية. ليختتم الفيلم بأغنية معبرة من الأغنيات التي أفرزتها ثورة 25 يناير، وهي «قلة مندسة» لياسر المناوهلي، أضفت عليه أجواء ميدان التحرير التي تميز بها خلال الثورة.
بشكل عام يمثل الفيلم مادة جيدة، وبداية يجب أن تتبعها جهود أكثر عمقا وتفصيلا في تحليل دور الإعلام في ثورات «الربيع العربي» في مختلف دوله، على أن تشمل مختلف أنواع وسائل الاعلام واتجاهاتها، وأن تمتد إلى دور الإعلام عقب الثورات العربية وما يقوم به من أدوار في الفترات الانتقالية. كما يجب أن تسعى جهات أكاديمية ومراكز أبحاث حيادية للقيام بهذه الدراسات، بحيث لا تقتصر على مبادرات من جانب قنوات، مثل «الجزيرة» أو الـ«بي بي سي»، على سبيل المثال، كانت هي نفسها جزءاً من الحدث، ما قد يثير تساؤلات حول مدى حيادية المادة الوثائقية وتعبيرها عن طيف الأطراف، وهو ما أثارته تعليقات متابعين للفيلم على «يوتيوب».
إعداد: إيناس محيسن -الإمارات اليوم- 10 يناير 2012