بركة بيقول لكم: “صباح العكننة”
عن مكتبة ” مدبولي” صدر للكاتب محمد بركة كتاب “صباح العكننة” الذي يحتوي على 14 مقالا، وتتنوع اهتماماته ما بين كرة القدم وهموم الشارع المصري والرومانسية والصور الفولكلورية الذهنية حول المصريين من محافظات دمياط والشرقية والمنوفية “الدمايطة والشراقوة والمنايفة”، كل ذلك من خلال أسلوب فكاهي ساخر يعتمد على توليد المفارقة الدرامية والسعي للضحك عبر كوميديا الموقف.
وهذا هو الكتاب الرابع لبركة، إذ سبق أن صدرت له مجموعتان قصصيتان ورواية، وبدا واضحا عبر صفحات الكتاب كيف استفاد الكاتب من خلفيته الأدبية في هذا الكتاب.
في مقدمة الكتاب، يشير المؤلف إلى حرارة الانتماء للوطن في فترة الطفولة، لكنه سرعان ما يستدرك قائلا “كان هذا قبل 25عاماً، لم يكن التلفزيون قد استولى على المكانة التاريخية “لأبو قردان” وأصبح صديق الفلاح، والفضائيات عشيقته، ولم يكن الكلام عن الانتماء تسقيه لنا برامج القناة الأولى كما تسقينا أمهاتنا دواء مراً: مهدئ للسعال وطارد للبلغم”!
ويضيف “لم نكن كبرنا بعد، وأفقدتنا المبيدات المسرطنة براءتنا، وقضت حفلات التحرش الجماعي آخر أمل على النخوة فينا، لم يكن “أجيب لكم منين” شعار كبار المسئولين”! ويتابع “وأنا لا أريد أن أعكنن على معاليك، أو أعمل فيها إبراهيم عيسى، فهذا الكتاب شعاره: زورنا ما تنسونا، وأضحك قبل ما بطرس غالى يفرض ضريبة على القهقهة، وقول يا باسط تلاقيها هاصت، وفي أسوأ الأحوال عُكْ وربك يُفكْ”!
ويبرر بركة انحيازه لفريق الزمالك والذي يطلق عليه “زمالك الوكسات” ورفضه تشجيع “أهلي البطولات” بالأسباب التالية:
1- المثل يقول “يا بخت من بات مظلوم ولا بات ظالم.. وبات مغلوب ولا بات غالب” وهذه دعوة صريحة لكي تكون زملكاوياً!
2- إذا كان الأهلي هو فريق “الشياطين الحمر” فإن الزمالك هو فريق “الملائكة البيض”.
3- الأحمر لون فاقع، يثير الأعصاب، أما الأبيض فلون الهدوء والتأمل والرومانسية!
4- لو أنك أهلاوي وعرفت أن من يجلس بجوارك في الميكروباص أو يقف إلى جانبك في المترو أهلاوي مثلك، لكان الأمر شيئاً عادياً، أما لوكنت زملكاوياً وتعرفت على زملكاوي آخر.. لأصبح الموضوع حدثاً استثنائياً يستحق أن ترويه للمدام حين تعود إلى البيت آخر النهار.
5- التعرف على مشجع زملكاوي آخر، يشبه التعرف على مصري وأنت في دولة أوروبية “اسكندنافية” تبحث عن “شوية دفا” وسط برودة الغربة.
6- في بلدان العالم الثالث المتخلف، يتم توظيف “الكورة” سياسياً لتصبح أداة لإلهاء الشعب عن مشاكله ووسيلة جيدة لكي تنسى الجماهير واقعها المحبط.. الأهلي يساعد على نجاح هذه المؤامرة.. الزمالك يجعلها تفشل!
7- “الأهلي فوق الجميع” شعار عنصري على طريقة هتلر والنازيين حين رفعوا شعار “ألمانيا فوق الجميع” فأغرقوا العالم في بحيرة من الدماء.. الزمالك بلا شعار أصلاً!
8- معظم الأهلاوية أصبحوا كذلك “بالوراثة”، أما معظم “الزملكاوية” فأصبحوا كذلك بالمناقشة والجدل والتفكير والإرادة الحرة!
9- تشجيع الأهلي يجعلك تعيش في حالة مزيفة من التفوق.. انتصارات وبطولات لا تنتهي.. لدرجة ممكن جداً معها أن تنسى أنك في مصر.. بلد الهزائم داخلياً وخارجياً.. وسرعان ما تصحو على الواقع المؤلم حين تقف في طابور عيش!
10- تشجيع الزمالك على العكس.. يجعلك تعيش في حالة من التوازن النفسي الرائع.. “فزنا: كان بها.. خسرنا: ده العادي!”.
وبعيدا عن الزمالك يضرب المؤلف بعض الأمثلة السريعة لأحلى مواقف تصيب المصري بالعكننة السريعة
ومنها:
- عندما يكتشف – بعد فوات الأوان – أن حبة الفياجرا التي تناولها قبل لقاء ليلة الخميس لم تكن أصلية وأن الصيدلي ضحك عليه وباع له صنفاً مضروباً.
- عندما يقوم – بعد هذا اللقاء – من على الفراش ملوماً محسوراً والمدام تنظر إليه نظرة “ربنا ما يحكم على حد بيها” وتقول له “ألف لا بأس عليك ياسبعي”.
- عندما يعود من العمل مرهقاً في ساعة متأخرة من الليل فإذا بالمدام تجلس إلى “التسريحة” وقد ارتدت “بيبي دول” وترش جسمها بالعطور وتنظر إليه نظرة معناها “على الله تنصفني المرة دي”!
- عندما يقرأ في الجرائد عن اعتزام الحكومة “تحريك” الأسعار.
- عندما يتأكد من صاحب الكشك أن زيادة الأسعار شملت للأسف سجاير “سوبر” و”كليوباترا”.
- عندما يكون مندمجاً في مكالمة ساخنة عبر الموبايل فينقطع الخط فجأة وتداهمه تلك العبارة المسجلة بصوت نسائي محايد “عفواً لقد نفد رصيدكم”!
- عندما يلف على طوب الأرض في المنطقة فلا يجد كشكاً أو محلاً ليشتري منه كارت شحن.
- عندما يجد أخيراً – وبعد طوال لف ودوران – الكشك المنشود ولكن كروت الشحن التي لديه الآن من فئة الخمسين جنيه فقط “معلهش يا بيه.. الكارت أبو عشرة خلص”.
- عندما يلتقي بـ “مُزَّة” في الشارع أو المواصلات ويلاغيها وكلمة من هنا.. وكلمة من هناك.. تعطيه رقم الموبايل ويكون أول شيء يفعله عندما يذهب إلى البيت أن يتمدد على السرير ويشعل سيجارة ويطلبها فيأتيه الرد: هذا الرقم غير موجود بالخدمة!
- عندما يكرر المحاولة مرة أخرى فيحصل على نفس النتيجة السابقة مع إضافة بسيطة هي “من فضلك اطلب الرقم الصحيح وأعد المحاولة”.
- عندما يتضح أن نصيبه من العلاوة الدورية والتي كلفت خزانة الدولة عدة مليارات وتصدرت مانشيتات الصحف القومية يعادل ثمن كيلو خيار يضاف إلى راتبه الأساسي كموظف قد الدنيا.
- عندما يعود إلى البيت فيكون أول سؤال للمدام “قبضت العلاوة”؟
- عندما يصل إلى مقر عمله متأخراً فتهمس له زميلته “الطيبة” وهي تشير إلى غرفة المدير “ادخل له بسرعة.. من بدري وهو بيسأل عليك”!
- عندما يأتيه عقد عمل في السعودية بنصف الثمن وفي منطقة صحراوية نائية ومع ذلك يوافق فإذا بمديره يرفض منحه إجازة بدون مرتب.
ويتحدث الكاتب عن اغرب العبارات والجمل التي تؤكد أن المصريين شعب متدين ومنها:
الملك لله
عبارة لن تجدها إلا في مصر فقط، وهي تعلو يافطة ضخمة تتوسط أرض فضاء حيث يشير محتوى اليافطة إلا أن هذه الأرض هي ملك للسيد فلان الفلاني ولا يجوز البيع والشراء فيها.. إلخ.
والسؤال هنا: لماذا في إجراء روتيني مثل هذا يتم التأكيد أولاً على أن الملك لله قبل أن يتطرق المواطن إلى إعلان ملكيته في صيغة تحذيرية، هل لأن هذا الشخص –مثلاً– يتصور أن امتلاكه لقطعة أرض يتعارض –حاشا لله– مع ملكية المولى سبحانه وتعالى للكون كله، أم أن الأمر مجرد تقليد يتبعه بعض الخطاطين وهم يتلقون “الطلبية” بتنفيذ اليافطة؟ أيا كانت الإجابة، فالمدهش حقاً أن تكتشف لاحقاً أن هذه الأرض، مترامية الأطراف، متنازع عليها، وثمنها عشرات الملايين، فهي تقع في وسط البلد، بالقرب من الكورنيش وحين فشل القانون في حسم النزاع، جاء دور الرصاص والدم، واشتعلت مانشيتات الصحف، وبرامج التوك شو.. وسبحان من له الملك والدوام!
الله واحد.. مالوش تاني
من بين جميع المِلل والنِحل والأجناس، ستجد المصري المسلم هو الشخص الوحيد على وجه الأرض الذي يعلن عن صلب عقيدته الدينية “التوحيد” وهو منغمس في أشد اللحظات دنيوية “عد الفلوس”، فترى التاجر في سوق العبور يمسك بيده الأوراق المالية من فئة المئة جنيه ويبدأ في العد سريعاً، بدقة وصرامة، قائلاً “الله واحد.. مالوش تاني.. تلاتة.. أربعة.. خمسة”.
المهم أنه حين ينتهي التاجر من العد، ويكتشف أن الفلوس ناقصة، يقول للرجل الواقف في مذلة أمامه، وهو بالمناسبة تاجر خضار تجزئة.
– مكنش يتعز
– يعني إيه يا معلم؟
– يعني لومبتفهمش عربي.. أقولهالك بالإنجليزي.. سوري! ولكي يعلن عن انتهاء المناقشة ورفضه الحاسم لأية توسلات، أوأخذ ورد، يدير وجهه للناحية الأخرى، ويشد باستمتاع نفساً جديداً من الشيشة!
___________
كتبه : أسامة الرشيدي بموقع راديو حريتنا بتاريخ 30 ديسمبر 2009