مفكرون حول النقاب: المجتمع منقسم على نفسه.. والأزهر فقد دوره
أقامت مؤسسة “عالم واحد للتنمية ورعاية المجتمع المدني” ورشة عمل بعنوان “أزمة النقاب في مصر بين العام والخاص”، بحضور أستاذ القانون الدستوري الدكتور يحيى الجمل وحافظ أبوسعدة الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان، والمحامي والناشط الحقوقي نجاد البرعي، والدكتورة سعاد صالح أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، وحافظ الميرازي مدير مركز كمال أدهم للتدريب والصحافة، وأدارت اللقاء الصحفية زينب الخصيري.
سعاد صالح: من حق الدولة منع النقاب في المؤسسات العامة
أكدت الدكتورة سعاد صالح في كلمتها أن عصر الرسول هو عصر تحرير المرأة، وأن التعامل الخاطئ مع المرأة بعد ذلك هو الذي أدى إلى هذا الوضع المتدني لها، وهو الذي أدى إلى انتشار النقاب الذي وصفته بأنه “لا علاقة له بالإسلام” مستشهدة بعدد من الأحاديث والمواقف التي تثبت أن النساء في عصر الرسول كانوا كاشفات الوجه، موضحة أن تغطية الوجه كان أمرا خاصا بنساء الرسول فقط، مؤيدة قيام الدولة بمنع النقاب في المؤسسات العامة إذا رأت ذلك حفاظا على الأمن العام، قائلة إن هناك تيار يخطط ليجعل المجتمع يهتم بالقضايا الهامشية ليظل كذلك إلى الأبد على حساب مناقشة القضايا الهامة التي تهم المجتمع وتؤدي إلى تقدمه.
الجمل: أصبحنا محترفين في الشجار
دعا الجمل في كلمته إلى ضرورة الحوار بين كافة الأطراف للوصل إلى حلول ترضي الجميع، قائلا “المتحضرون يعرفون كيف يتفقون وكيف يختلفون لأنهم يعرفون كيف يتحاورون” منتقدا حالة التشنج والشجار التي “أصبحنا محترفين فيها” على حد قوله، مضيفا أنه ضد الخلاعة والعري، وفي نفس الوقت ضد التفسير المتشدد للدين، وأعرب عن تفاؤله بالمستقبل على المدى البعيد قائلاً إن الإيمان بالعلم والعمل والاستنارة يتزايد.
أبوسعدة: النقاب ليس حرية شخصية
هاجم أبوسعدة في كلمته الأشخاص الذين هاجموا شيخ الأزهر نتيجة موقفه من النقاب، مضيفا أنه فوجئ بمقالات تهاجم شيخ الأزهر الذي وصفه بـ”الشيخ الجليل إمام أهل السنة والجماعة”، مؤكدا أن من يهاجم شيخ الأزهر يهدف إلى منع الأزهر من ممارسة دوره في المجتمع المصري، متابعا “فالبعض يريدها دولة دينية يكون لرجال الدين فيها كل السلطات وإهمال السلطات التشريعية والقضائية في البلاد”، وقال إن معركة النقاب الدائرة الآن هي صراع بين التمدن والتخلف في المجتمع المصري.
وأضاف أبوسعدة “هناك من يتساءل لماذا تهاجمون النقاب ولا تهاجمون العري، ولكن العري مجرم في قانون العقوبات وتتولي شرطة الآداب تطبيق القانون في هذا الجانب، ولكن من يطبق القانون في مسألة النقاب؟ وكيف تعمل المرأة المنقبة طبيبة لا يعرف المريض من يعالجه وإذا أخطأت لا يستطيع أحد محاسبتها؟ وكيف تعمل مدرسة وكيف تصل إلى التلاميذ بالعلم”؟ مؤكدا أن مؤيدي النقاب “يستهدفون وضع المرأة في المنزل والسيطرة على عقل وجسد المرأة تحت ادعاءات دينية”.
وعرف أبوسعدة الحريات الشخصية قائلا إن الحريات الشخصية لا يجب أن تؤذي حرية الآخرين، وكذلك لا يجب أن تقيد حق السلطة العامة في التنظيم بما يحفظ لأفراد المجتمع التمسك بحقوقهم أيضا، لذلك رأى أبوسعدة أن النقاب من هذه الزاوية وهذا التعريف ليس حرية شخصية.
وتسائل أبوسعدة “إذا كان هناك 37% من النساء في مصر يعولون أسرهم فكيف يعملون إذا ارتدوا النقاب”؟ مستنكرا العودة للحديث عن النقاب في الوقت الذي تمت فيه زيادة عدد مقاعد المرأة في البرلمان وزيادة مشاركتها السياسية.
وقرأ أبوسعدة حيثيات حكم قضائي صدر في تسعينيات القرن العشرين يقضي بتأييد قرار وزير التعليم الأسبق حسين كامل بهاء الدين بمنع النقاب في المدارس باعتباره لا يمس جوهر الدين وثوابته.
الميرازي: لا بد من إيجاد أرضية مشتركة بين أطياف المجتمع
من جانبه دعا الميرازي إلى عدم جلد الذات والتشاؤم بسبب مناقشة موضوع النقاب أكثر من مرة، مؤكدا أن تلك النقاشات تحدث حتى في الولايات المتحدة، إذ لا يزال الآباء يعترضون على تدريس الثقافة الجنسية ونظرية داروين لأبنائهم في المدارس، مرجعا سبب تكرر المناقشات في هذا الموضوع إلى عدم الوصول حتى الآن إلى مستوى من الاتفاق بين مكونات المجتمع المصري أو حتى بين أغلبيته وإلى ظروف تاريخية واجتماعية واقتصادية تجعل الناس تناقش الموضوع أكثر من مرة.
وأضاف الميرازي أن المجتمع منقسم بين عالمين إعلاميين، أحدهما يشاهد البرامج المختلفة والأخبار، والآخر يشاهد البرامج الدينية والوعظية، وأكد على أننا “بحاجة إلى ساحة حوار مشتركة بين أطراف المجتمع للوصول إلى اتفاق”.
وأرجع الميرازي ضعف تجاوب الجمهور مع دعوة مؤسسة الأزهر إلى ضعف المؤسسة الدينية الرسمية مما أدى إلى عدم الالتفات إليها، منتقدا قيام شيخ الأزهر بإهانة طفلة في الحادية عشر من عمرها قائلا إن ذلك ليس من حقه، كما دعا إلى خلق جو مشجع للحوار دون أن يقوم أحد الأطراف بمحاولة فرض رأيه على الطرف الآخر.
نجاد البرعي: مصر مفيهاش رجالة!
سخر المحامي نجاد البرعي من شيخ الأزهر قائلا إنه ابتذل نفسه مرات عديدة ويخضع للسلطة ويفتي لها بما تريد فأصبح الناس يكرهونه ولا يلتفتون لما يقول، وأرجع أزمة النقاب الدائرة حاليا إلى انهزام الثقافة المصرية أمام “الثقافة الوهابية الصحراوية البدوية” كما وصفها، والتي أتت من المملكة العربية السعودية، قائلاً “مصر انهزمت فكريا قبل أن تنهزم سياسيا من كيانات نطلق عليها مجازا دول”.
وقال البرعي “أذكر أنني قد حضرت من 20 عاما مناقشة مماثلة لتلك التي تحدث الآن ولكنها كانت عن الحجاب، وقلنا إن الحجاب حرية شخصية، ولكنني اكتشفت من حديثي مع عدد من السيدات المحجبات أنهن قد تحجبن تحت ضغوط المجتمع والأهل وليس برغبتهم الشخصية، ولذلك تحول الحجاب الآن إلى مجرد غطاء للرأس ترتديه البنات حتى يرضوا أهلهم وفي نفس الوقت يقومون بارتداء ما يحلو لهم، وهوما فرغ الحجاب من مضمونه وهو الحفاظ على الاحتشام”.
وأرجع البرعي ارتداء النساء للنقاب إلى ضغوط مجتمعية ومشكلات نفسية واقتصادية منتشرة في مجتمع “نزع منه الأمل في الدنيا فأصبح لا أمل له إلا في الآخرة” على حد قوله، مشيرا إلى أن الشباب يمني نفسه بالحور العين في الآخرة تعويضا له عن عدم استطاعته الزواج في الدنيا وكذلك النساء يتشددن في تطبيق تعاليم الدين حتى يضمن دخول الجنة وتعويض ما حرمن منه في الدنيا، قائلا “المواطن المصري يقول لنفسه: أنا في الآخرة سوف تصبح لي ثروة أحمد عز وربما أصبح أفضل منه لأنني سأدخل الجنة بينما أحمد عز في جهنم لأنه محتكر”! وأكد البرعي على ذلك بذكر الحديث الشريف ” الجالب مرزوق.. والمحتكر ملعون”.
كما انتقد البرعي في كلمته الحكومة المصرية نتيجة سماحها بانتشار القنوات الدينية لاعتقادها بأن تلك القنوات سوف تلهي الناس بالدين وتترك لهم الدنيا وتتحدث في أمور هامشية مثل الوضوء وكيفية دخول الحمام، في الوقت الذي منعت فيه قنوات كثيرة جادة أخري وقيدت عملها، فأنتجت هذه السياسة ما نحن فيه الآن.
وأرجع نجاد سبب تأخر الحكومة وخوفها من جمهور الناس في هذا الموضوع إلى كونها حكومة لا شرعية لها، مدللا على ذلك بتراجع شيخ الأزهر عما كان ينتويه، فهي حكومة “لم تأت بانتخابات حرة ولا تمثل الأغلبية ولا طبقة اجتماعية لذلك هي خائفة” على حد قوله، مشيرا إلى أن الحزب الوطني يزايد على مشاعر الجمهور الدينية، مستشهدا بموقف نواب الحزب الوطني الذين هاجموا وزير الثقافة فاروق حسني بعد تصريحاته حول الحجاب، مختتما كلامه قائلا “إذا استخدمت الدين فلا تعترض إذا تم استخدامه ضدك، فهؤلاء “لبسوا مصر براقع فمبقاش فيها رجالة”!
______________________
كتبه اسامة الرشيدي على موقع راديو حريتنا بتاريخ 23 اكتوبر 2009